ماذا تفعل الإمارات في جزيرة “سقطرى” اليمنية..؟
الجنوب اليوم | متابعات
محمد شرف
شهد اليمن خلال السنوات السبع الماضية أحداثاً وتحولات هامة، تطورت إلى حرب واسعة، ظلت خلالها جزيرة سقطرى، بعيدة عن كل ذلك، لتقفز– فجأة – إلى سطح الأحداث مع ظهور التواجد الإماراتي فيها.
رافق ذلك، تساؤلات عديدة؛ عن سر هذا الاهتمام، مع بروز تكهنات حول الأهداف الحقيقية التي تُخفيها أبوظبي وراء دخولها الناعم إلى الجزيرة، عبر بوابة المساعدات الخيرية والأعمال التنموية.
و وفق مراقبين، ستكون الجزيرة حُبلى بالمفاجآت والتطورات؛ بدأت مؤشراتها في الظهور بعد اكتشاف اليمنيين بأن أبوظبي أصبحت أقرب إلى سقطرى، من صنعاء وعدن وحضرموت.
و سقطرى، هي أرخبيل مكون من 6 جزر على المحيط الهندي، قبالة سواحل القرن الأفريقي، بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية. وتبلغ مساحة الجزر 3,796 كم²، فيما يبلغ طول شريطها الساحلي 300 كم. تُلقب بـ”الجزيرة العذراء” وتعد أكبر الجزر العربية وواحدة من أهم الجزر في تنوعها البيئي والحيوي. في عام 2008، تم ضمها إلى قائمة التراث العالمي، وتم تصنيفها بـ”أكثر المناطق غرابة في العالم”.
و وفقا للدراسات التاريخية، ترجع شهرة الجزيرة وأهميتها التاريخية، إلى بداية العصر الحجري وازدهار تجارة السلع المقدسة، ونشاط الطريق التجاري القديم – طريق اللبان -، حيث اشتهرت بإنتاج “الند” وهو صنف من أصناف البخور، وبإنتاج “الصبر السقطري” كأجود أنواع الصبر، وزادت أهميتها وتردد ذكرها إلى شعوب حضارات العالم القديم التي كانت تنظر إلى السلع المقدسة نظرة تقديس البخور والمر والصبر واللبان ومختلف الطيب، وكانوا يسمون الأرض التي تنتج هذه السلع الأرض المقدسة ولهذا سميت “سقطرى” عند قدماء اليونان والرومان بجزيرة “السعادة”.
محاولات للسيطرة على الجزيرة
الأهمية الاستراتيجية للجزيرة، التي تقع في نهاية خليج عدن وإشرافها على الطريق الملاحي باتجاه القرن الأفريقي وغرب المحيط الهندي، وبالقرب من خطوط التجارة العالمية، جعلها محل أطماع القوى الخارجية، كما شكلت عُمقاً استراتيجياً عسكرياً واقتصادياً للعديد من القوى الدولية، خلال التاريخ القديم والحديث. حاول الإغريق والفراعنة وكذلك الفرس والروم السيطرة عليها، واحتلها البرتغاليون.
في عام 1511، عاد المهريون الأسياد الرئيسيين في الجزيرة، ثم تعرضت للاحتلال البريطاني. وفي عام 1967، عادت إلى السيادة اليمنية. لكنها، دخلت في دائرة تداعيات الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي السوفياتي والأمريكي؛ فقد اتهمت الدوائر الغربية اليمن الجنوبي – حينذاك – بالسماح للاتحاد السوفياتي السابق، ببناء قاعدة عسكرية في الجزيرة.
و حظيت الجزيرة باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سعت الأخيرة، إلى بناء قاعدة عسكرية فيها، تحت مبرر مكافحة القراصنة. وفي عام 2010، عادت المحاولات الأمريكية من جديد؛ حيث التقى الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الجنرال ديفيد بترايوس، وتواردت أنباء، عن تصدر بناء قاعدة عسكرية أمريكية اللقاء، بحجة محاربة الإرهاب.
التواجد الإماراتي .. من المساعدات إلى النفوذ
دخلت أبوظبي سقطرى –التي كانت بعيدة عن جماعة أنصار الله – من بوابة الأعمال الخيرية والإنسانية، فكانت أول من أرسل قافلة إغاثية في نوفمبر 2015 لمساعدة السكان المتضررين من إعصار “تشابالا”. تبعها، زيارات مستمرة لوفود من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الخيرية، وسط تقارير تحدثت عن زيارات لمسؤولين إماراتيين للجزيرة، بهدف النقاهة والسياحة، عبر طائرات خاصة وعسكرية، دون إذن من السلطات اليمنية.
و في مارس 2016، وقع رئيس الحكومة اليمنية خالد بحاح، اتفاقية مع الإمارات لإعادة إعمار وتنمية الجزيرة. لكن، يظل التطور الأبرز، هو ما تناقلته تقارير عربية، نقلاً عن مصادر غربية، عن اتفاق بين الرئيس عبد ربه منصور هادي ودولة الإمارات، بشأن تأجير جزيرة سقطرى للإمارات لمدة 99 عاماً، وهي معلومات نفتها حكومة هادي، فيما التزمت أبو ظبي الصمت.
شهدت الجزيرة جملة من الخطوات الإماراتية، منها تدشين رحلات شبه يومية بين أبوظبي وسقطرى، قابلها تقنين الرحلات الداخلية إلى الجزيرة، مع قيود على السفر إلى سقطرى لا سيما مواطنو الشمال، واعتماد شبكة اتصالات خاصة بدولة الإمارات، بحسب شهادات محلية، وكذلك الإشراف على إدارة مطار وميناء سقطرى، من خلال الاعتماد على عناصر موالية لها واستمالة الشخصيات الاجتماعية والعمل على شراء ولاءاتها وتجنيس مئات السكان ومنح تسهيلات السفر إلى الإمارات وتجنيد المئات من شباب الجزيرة.
و في السياق ذاته، تحدثت مصادر محلية، عن بيع أراضٍ في الجزيرة، أشهرها بيع أرض في منطقة (دكسم)، لخلفان بن مبارك المزروعي، مندوب مؤسسة خليفة بن زايد للأعمال الخيرية.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحدثت فيه مصادر غربية عن شروع أبوظبي في بناء قاعدة عسكرية لها بالجزيرة (إنتليجتس اونلاين)، فيما ذكر موقع (ميدل إيست آي)، عن سيطرة اماراتية كاملة على الجزيرة، وبنائها منشآت يُعتقد بأنها قواعد عسكرية، وإنشاء مجموعات مسلحة (intelligence online).
كيف ينظر اليمنيون إلى خطوات أبوظبي..؟
في قراءة للمواقف الصادرة تجاه هذه الخطوات، فإن الرفض لم يقتصر على جانب المعسكر المناوئ لأبوظبي، بل أمتد ليشمل أصواتاً كانت إلى وقت قريب مؤيدة لتدخل التحالف العربي في اليمن، بالإضافة إلى شخصيات محلية وقوى جنوبية، تنظر إلى هذه الممارسات، كمصدر “قلق”، مع تسجيل صمت حكومي.
التوجيهات التي أصدرها الرئيس هادي في 6 فبراير 2018، بوقف التصرف بأراضي وعقارات الدولة بمختلف المحافظات والجزر المحررة، تعتبر أعلى موقف رسمي يُصدر إلى الآن.
مع ذلك، قلل معنيون في حكومة صنعاء من أهمية هذه التوجيهات، واعتبروها لـ”الاستهلاك الإعلامي”، ولامتصاص حالة الاستياء في الشارع، جراء الممارسات الإماراتية. فيما رفض علي ناصر محمد الرئيس السابق لليمن الجنوبي، في تغريدة له على حسابه في “تويتر”، ما أسماه بالمزاد على جزيرتي سقطرى وميون: “لا للمزاد على جزيرتي سقطرى وميون، أغلى جوهرتين في العالم. تابعنا ما يدور في القنوات الفضائية والصحف عن الجزيرتين اللتين كنت يوما محافظا لهما، ونحن نطالب القيادة بأن تعلن موقفا حازماً وصارماً من التفريط بسيادة الجزر، ونطالب الشعب الذي واجه الغزاة عبر التاريخ بأن يقول كلمته”.
يأتي ذلك، في الوقت الذي تواصلت فيه، حالة التصدع بين الأصوات التي كانت تؤيد التدخل العسكري للتحالف العربي باليمن، أبرزها تغير موقف صاحبة جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، والتي باتت تصف التواجد الإماراتي بـ”الاحتلال”.
صنعاء .. العيون ترحل إلى سقطرى
يُجمِع المسؤولون في صنعاء على أن الجزيرة تتعرض لمؤامرة كبيرة، تلعب فيها أبوظبي دوراً بالوكالة، لتنفيذ المخطط الأمريكي، بعد فشل واشنطن في تحقيق محاولاتها السابقة.
و لعل هذا، ما يُفسر الموقف القوي الذي أطلقه مجلس النواب في فبراير 2018، معلناً إلغاء كل الاتفاقيات السابقة والاتفاقيات التي وقعتها حكومة هادي مع الإمارات بخصوص الجزيرة.
بدورها، أصدرت وزارة الخارجية بصنعاء، في يونيو 2017، بياناً حذرت فيه من ما وصفته بـ”احتلال” أبوظبي لسقطرى.
مؤخراً، حدثت تطورات، وصفت بالهامة، كانت فيها وسائل الإعلام المحسوبة على الإمارات والباحثين والمحللين، إحدى جبهات أبوظبي التي فضلت الاختفاء خلفها لتسريب ما تراه (جساً للنبض). فلم يعد الحديث عن التنمية والاستثمار والمشاريع الخيرية، بل تجاوز إلى الجهر باقتراح باحثين إماراتيين إجراء استفتاء بين سكان أرخبيل سقطرى لتقرير المصير، عبر قناة (سكاي نيوز عربية).
و في نفس السياق، كثر الحديث عن الأصول الإماراتية في سقطرى اليمنية، أحدثها ما تضمنته تصريحات مثيرة للجدل، أطلقها الباحث جمعة الجنيبي، يؤكد فيها على الأصول الإماراتية لسكان الجزيرة: “علاقتنا الاجتماعية بسقطرى، كعلاقة الأب بالابن، فهناك الكثير من القبائل الإماراتية التي سكنت الجزيرة، منها قبائل الشامسي والمزارع والرميثي والجنيبي والحميراني والناصري والعوامر والشحي والشعفار والسويدي، وغيرها من القبائل التي لاتزال مساكنها وأبناؤها، موجودين بسقطرى حتى اليوم”.
أبوظبي ومسقط .. رسائل إعلامية وصراع مؤجل
التصريحات الإماراتية، لم تمر دون تعليق العاصمة العمانية “مسقط” عليها، فبحسب تقارير إعلامية، دافع الدكتور إسماعيل الأغبري عضو مجلس الدولة العماني عن الوجود العماني القديم في الجزيرة، من خلال حديث له لإحدى الإذاعات المحلية: “إن العمانيين في سقطرى متواجدون منذ ما قبل القرن السادس الهجري، ولا يمكن الجدل بشأن الجذور الضاربة للقبائل العمانية في الجزيرة، عمان واليمن كانتا دولتين أصليتين في الجزيرة العربية، وما عداهما يعد محدثاً”.
و فيما تحدت مصادر محلية، عن منع أبوظبي، هبوط طائرة عمانية بالجزيرة، أرجعه محللون، إلى مساعي أبوظبي لإنهاء أي حضور للسلطنة في المكان، حتى وإن كان الوجود بدافع تنموي أو إنساني. مع ذلك، ظلت سقطرى، حاضرة في الإعلام العماني، الذي أكد على السيادة العمانية على الجزيرة، كما فعلت صحيفة أثير التي نشرت تقريراً مطولاً، يونيو 2017، بعنوان “حينما كانت سقطرى جزءاً من تاريخ عُمان”.
يؤمن اليمنيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن أبوظبي أضحت صاحبة النفوذ الحقيقي على أرض سقطرى، وهو ما يفتح الباب للكثير من التنبؤات والتكهنات عن مصير الجزيرة مستقبلاً. فهل ستدخل الجزيرة في أي مفاوضات قادمة، أم أن قرار فصلها عن جنوب اليمن وشماله، قد تم اتخاذه مسبقاً..؟!
المصدر: البيت الخليجي للدراسات والنشر