ماذا قدمت الإمارات لليمن منذ بدء “عاصفة الحزم”؟
الجنوب اليوم | عبد السلام قائد
بعد الاستفزازات الأخيرة التي أقدمت عليها دولة الإمارات ضد الحكومة اليمنية الشرعية في جزيرة سقطرى، والتي كشفت عن النية المبيتة من قبل حكام أبو ظبي لاحتلال الجزيرة، ازدادت حدة السخط الشعبي ضد الدور الإماراتي في اليمن، واتسعت الأطراف والفئات الرافضة لهذا الدور لتشمل أحزابا سياسية كبيرة والحكومة الشرعية ذاتها، بعد أن كان هذا السخط محصورا في الأوساط الشعبية، وهو السخط الذي تجلى بوضوح عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والبيانات الرسمية والحزبية الرافضة للدور الإماراتي المقوض للسلطة الشرعية والمنتهك لسيادة البلاد.
وبعد الضجة الإعلامية التي حدثت بعد إقدام دولة الإمارات على إرسال جنود وعتاد عسكري والسيطرة على مطار وميناء سقطرى، وإرسال السعودية لجنة إلى سقطرى للوساطة واحتواء الخلاف، ردت دولة الإمارات بالقول إن إرسالها قوات عسكرية إلى سقطرى يأتي ضمن مساعي التحالف العربي لدعم السلطة الشرعية، وأبدت استياءها من الحكومة اليمنية التي وصفتها بأنها لم تنصف الجهود الكبيرة التي يبذلها التحالف.
وهنا السؤال: ما الذي قدمته دولة الإمارات لليمن وللسلطة الشرعية على مدى ثلاث سنوات منذ بدء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية؟ وهل الدور الإماراتي في اليمن يلبي طموح غالبية اليمنيين أم عكس ذلك؟
– دور عسكري محدود
صحيح أن دولة الإمارات كان لها دور عسكري في بدء عملية “عاصفة الحزم”، ضمن التحالف العربي لمساندة السلطة الشرعية، إلا إنه كان دورا محدودا، يتمثل في تقديم عتاد عسكري وعدد قليل من الجنود والضباط الذين شاركوا في معركة تحرير العاصمة المؤقتة عدن في البداية، وبعض المناطق المجاورة لها، إلا أن العمل العسكري الإماراتي توقف عند حدود محافظة عدن، باستثناءات قليلة هنا وهناك، قبل أن يكون لها دور كبير في معركة تحرير مدينة المخاء ومناطق محدودة في الساحل الغربي لليمن.
ومع مرور الوقت، اتضح أن مشاركة الإمارات في التحالف العربي لدعم السلطة الشرعية ضد الانقلاب لم تكن بالفعل من أجل الأهداف التي أعلن عنها التحالف، وإنما تخفي أهدافا أخرى تتمثل في الرغبة في السيطرة على أهم الموانئ والجزر والسواحل اليمنية، وكذا السيطرة على مضيق باب المندب، الذي يعد واحدا من أهم المضايق البحرية في العالم.
وبما أن الإمكانيات البشرية المحدودة لدولة الإمارات لا تؤهلها لتحويل رغبتها في السيطرة على الموانئ والسواحل والجزر اليمنية ومضيق باب المندب إلى أمر واقع، فإنها عمدت إلى تشكيل وحدات عسكرية محلية من المطالبين بانفصال جنوب اليمن لتكون موالية لها وتتحرك وفق ما تقتضيه مصالحها، مستغلة الانقسامات الحاصلة في المجتمع اليمني والحاجة الماسة إلى المال من قبل الكثير من فئات المجتمع.
ولهذا، فقد دعمت تشكيل وحدات عسكرية ومكونات سياسية ذات هويات مناطقية وقبلية متعددة، ولا يجمع بينها أي رابط سوى الولاء لدولة الإمارات، وأمدتها بالمال والسلاح، وتتلقى أوامرها من المندوب الإماراتي في عدن مباشرة، علما بأن تشكيلها تم بدون موافقة السلطة الشرعية، ولا تتلقى أي أوامر منها، وترفض الإمارات دمجها في الجيش الوطني.
– ضررها أكثر من نفعها
وعند جرد كل ما قدمته دولة الإمارات لليمن وللسلطة الشرعية، منذ بدء عملية “عاصفة الحزم” بتاريخ 26 مارس 2015 وحتى الآن، في الحرب على الانقلاب، ومقارنته بممارساتها التي أسهمت في تقويض السلطة الشرعية وسلبها نفوذها ومكانتها وهيبتها، سيتضح أن دولة الإمارات أصبحت تشكل عبئا كبيرا على السلطة الشرعية، وأن ممارساتها كانت وما زالت جميعها تصب في خدمة الانقلابيين، وأنها تمثل السبب الرئيسي في إطالة أمد الحرب وإطالة عمر الانقلاب وإطالة معاناة اليمنيين والسبب في زيادة المآسي الإنسانية التي خلفتها الحرب.
وكما ذكرنا، فالجانب الإيجابي كان المشاركة بعدد محدود من الجنود والضباط في معركة تحرير مدينة عدن ومناطق مجاورة لها، وإمداد المقاومة الشعبية التي تشكلت على عجل بأسلحة ومعدات عسكرية، ثم المشاركة الفاعلة في تحرير مدينة المخاء ومناطق محدودة في الساحل الغربي لليمن، لكن اتضح أن الهدف من كل ذلك هو السيطرة على السواحل والجزر والموانئ اليمنية ومضيق باب المندب، وليس دعم السلطة الشرعية في حربها على الانقلاب.
والمؤسف أن دولة الإمارات لم تكتفِ بالعمل فقط على السيطرة على الموانئ والسواحل والجزر اليمنية ومضيق باب المندب، بل فقد ظلت تعمل على إنهاك السلطة الشرعية وحلفائها من خلال أذرعها العسكرية التي سلحتها ودربتها ودعمتها بالمال، وتعمدت تهميش السلطة الشرعية وإهانتها ونزع الهيبة منها والتعدي على السيادة الوطنية، وتسببت بمتاعب للسلطة الشرعية وحلفائها أكثر من تلك التي تسبب بها للانقلابيين.
كما أن دورها السلبي في اليمن شوه سمعة السعودية كقائدة للتحالف العربي ضد النفوذ والتوسع الفارسي، بل ونزع هيبتها منها أمام دول الإقليم والعالم، حيث أظهرها كدولة فاشلة عسكريا رغم قدراتها العسكرية الكبيرة، كونها عجزت عن القضاء على مليشيات طائفية محدودة وبسلاح وإمكانيات ضعيفة، لدرجة أنه بعد ثلاث سنوات من الحرب أصبحت هذه المليشيات قادرة على إطلاق صواريخ إلى عمق الأراضي السعودية، مع أنه يفترض خلال كل هذه المدة أن يكون قد تم القضاء عليها نهائيا، لكن ما حصل كان نتيجة طبيعية لتغاضي السعودية عن الدور الإماراتي السلبي في حديقتها الخلفية (اليمن).
– جردة حساب
وفيما يلي جردة حساب للدور الإماراتي السلبي في اليمن منذ بدء عملية “عاصفة الحزم” العسكرية قبل ثلاث سنوات وحتى الآن:
– منع الرئيس عبد ربه منصور هادي وأعضاء الحكومة الشرعية من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن وممارسة مهامهم من هناك.
– تحويل مدينة عدن إلى مسرح للفوضى الأمنية والاغتيالات التي طالت عددا كبيرا من علماء الدين والدعاة وخطباء المساجد وقيادات المقاومة الشعبية الذين كان لهم دور كبير في تحرير عدن واغتيال بعض المسؤولين المدنيين والعسكريين.
– إعاقة السلطة الشرعية عن ممارسة مهامها من خلال العديد من الإجراءات الاستفزازية المنتهكة للسيادة الوطنية والتي كان آخرها ما حدث في جزيرة سقطرى.
– دعم وتشكيل وحدات عسكرية ذات طابع مناطقي وقبلي وتمكينها من فرض سيطرتها على الأرض خاصة في المحافظات المحررة، وتوجيهها بمناهضة السلطة الشرعية وعدم تنفيذ أوامرها ورفض دمجها في قوات الجيش الوطني.
– تنصيب قيادات سياسية وعسكرية انفصالية في مواقع حساسة ودعمها بالمال والسلاح والتشكيلات العسكرية، وعدم القبول بالتعيينات في الوظائف العليا من قبل السلطة الشرعية.
– زراعة الثأرات بين مختلف مكونات المجتمع في جنوب اليمن من خلال دعم بعضها ودفعها لاستعداء البعض الآخر.
– الفشل في ضبط الأمن والاستقرار وملاحقة المجرمين، واستبدال ذلك بملاحقة قادة المقاومة الشعبية وقيادات حزبية وغيرهم والزج بهم في المعتقلات.
– التسبب في قلق واضطراب المجتمع في الجنوب، خاصة في عدن، جراء استمرار ظاهرة الاغتيالات والاعتقالات والإخفاء القسري في السجون، مما دفع بكثير من أبناء مدينة عدن ومحافظات جنوبية أخرى إلى النزوح إلى محافظات شمالية يسيطر عليها الانقلابيون، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء.
– التسبب في زيادة المآسي الإنسانية جراء منع السلطة الشرعية من إدخال النقود المطبوعة إلى العاصمة المؤقتة عدن عدة مرات، وإعاقة صرف الرواتب كلما توفرت مبالغ مالية.
– إعاقة المنظمات الدولية الحقوقية والإغاثية عن العمل من العاصمة المؤقتة عدن، بسبب تردي الأوضاع الأمنية هناك، مما أجبرها على العمل في مناطق سيطرة الانقلابيين، خاصة العاصمة صنعاء، كونها أفضل أمنا.
– تردي الأوضاع الأمنية في عدن أجبر أيضا رجال الأعمال على إدخال البضائع المستوردة عبر ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الانقلابيون وليس عبر ميناء عدن، مما حرم السلطة الشرعية من مورد اقتصادي مهم آل لمصلحة الانقلابيين.
– محاولة إنشاء وتشكيل ما يسمى قوات “الحزام الأمني” و”قوات النخبة” في محافظات شمالية محررة، ودعم جماعات تمارس العنف ومتهمة بالإرهاب، بغرض إنهاك السلطة الشرعية وسلب صلاحياتها فيما تبقى من مناطق محررة.
– تعمدها إهانة السلطة الشرعية والانتقاص منها، والعمل على إضعافها، كما حدث في عدن قبل أشهر، وانتهاك السيادة الوطنية، كما حدث مؤخرا في جزيرة سقطرى، كل ذلك جعل السلطة الشرعية مكبلة وعاجزة، مما أضعفها وأفقدها هيبتها ومكانتها أمام المواطنين وثبطهم عن الالتفاف القوي حولها.
– تسبب إضعاف السلطة الشرعية أيضا في فقدانها للكثير من وسائل الدعم الأجنبي، فالمجتمع الدولي يتعامل مع الأحداث بحسب الأمر الواقع، ولهذا فمن المستحيل أن يقدم الدعم الكافي والمطلوب لسلطة يرى أنها ضعيفة وفاشلة.
– الحملات الإعلامية لدولة الإمارات موجهة في أغلبها ضد السلطة الشرعية وحليفها القوي حزب الإصلاح، يرافق ذلك الممارسات العدائية ضد الطرفين في أرض الواقع، مما يعني أن تدخل الإمارات العسكري في اليمن لم يكن ضد الانقلابيين، ولكن ضد السلطة الشرعية وحليفها حزب الإصلاح.
– محاولة ترميم وإعادة بعث نظام الرئيس الراحل علي صالح من جديد، من خلال تقديم دعم عسكري لا محدود لنجل أخيه طارق صالح، بهدف إنهاك السلطة الشرعية في عدة معارك جانبية تلهيها عن الحرب ضد مليشيات الحوثيين، علما بأن نظام صالح هو من سلم للحوثيين إمكانيات الدولة وسلاحها وجيشها كاملا للانتقام من شباب ثورة 11 فبراير 2011 وخصومه السياسيين.
– تعمدت القوات الإماراتية قصف مواقع وخطوط أمامية للجيش الوطني، كما تعمدت قتل عدد كبير من ضباط الجيش الوطني بواسطة الطائرات الحربية أثناء عقدهم اجتماعات للتشاور والتخطيط للمعارك ضد الانقلابيين.
– ارتكبت القوات الإماراتية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن، من خلال استهداف المدنيين الأبرياء، وقصف أماكن اتخذتها مليشيات الحوثيين كسجون ودروع بشرية في نفس الوقت، واختطاف وإخفاء وتعذيب عدد كبير من المواطنين المشتبه بمناهضتهم للقوات الإماراتية، وهو ما دفع بالشبكة العالمية لملاحقة مجرمي الحرب إلى إدراج العميد أركان حرب عبد السلام الشحي، قائد القوات الإماراتية وقائد التحالف العربي في الساحل الغربي لليمن، على قائمة المطلوبين للمحاكمة، بسبب ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في اليمن.
إذن، بعد جردة الحساب هذه لأهم مظاهر الدور السلبي لدولة الإمارات في اليمن، والذي بدأ منذ نحو ثلاث سنوات، هل آن الأوان للسلطة الشرعية أن تعلن استغناءها عن مشاركتها في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؟ وإذا لم يحدث ذلك، فيا ترى ما هي السيناريوهات التي تعد لها دولة الإمارات في قادم الأيام في اليمن؟
الموقع بوست