الإمارات في فخ القبائل الجنوبية: الصبيحة تدق ناقوس الخطر
الجنوب اليوم | العربي
إسماعيل أبو جلال
استطاعت الإمارات، خلال السنوات الثلاث الماضية تحقيق حضور سياسي مؤثر على مستوى الساحة الجنوبية، مستغلة دور «التحالف» في دعم «المقاومة الجنوبية»، بالإضافة إلى تقديمها مساعدات إنسانية عبر «الهلال الأحمر الإماراتي» في بعض المناطق التي كانت مسرحاً للحرب، مما مهّد لها الطريق لمراودة تطلعات قوى سياسية بارزة في الشارع الجنوبي، ومن ثم الاعتماد عليها في تنفيذ أجندتها، وفي مقدّمة هذه القوى «الحراك الجنوبي»، الذي استطاعت تأطيره تحت مسمى «المجلس الانتقالي الجنوبي».
هذا بالإضافة إلى «الأحزمة الأمنية» و«النُّخب» وقوات «العمالقة» الجنوبية، التي أضحت حاضرة بقوة في المشهدين السياسي والعسكري الجنوبي. وباتت هذه القوى تؤدي دوراً فاعلاً في تنفيذ السياسات الإماراتية على الأرض، وأداة لمواجهة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، أو الوقوف في وجه التيارات والأحزاب السياسية اليمنية، التي ترى الإمارات أنها معادية لها، وفي مقدّمتها حزب «الإصلاح» (اخوان اليمن)، ليبقى الحال في الجنوب خاضعاً لسيطرة هذه القوى إلى أن وجدت مؤخراً قوى سياسية وقبلية وعسكرية جنوبية، اقتنعت بأن إدارة الإمارات للشأن الجنوبي، لا تلبي مصالح أبنائه، وبدأت تتخذ مواقف مناوئة لها، وتجاوزت ذلك إلى التلويح بقرار مواجهتها، كقوة محتلة للجنوب.
قبائل الصبيحة
بعد أن كانت الإمارات قد حققت حضوراً إعلامياً غير مسبوق، موظّفة تقدّم ألوية «العمالقة» في معارك الساحل الغربي الشهر الماضي، حتى وصولها إلى مشارف مدينة الحديدة، قبل أن تتنكس هذه القوات جراء شراسة المواجهات مع «أنصار الله»، ما حال دون بلوغ النصر الموعودة الذي بشرت به الإمارات بداية الحمة على الحديدة، اكتشفت أبوظبي مدى ضعف خططها العسكرية وهشاشة القوات التي تراهن عليها للحسم؛ وهو ما جعلها تتذرّع بتفضيل «الحل السياسي»، وعدم المخاطرة بالأوضاع الإنسانية، إذا ما أصرّت على تحرير المدينة عسكرياً.
الخسائر المهولة للقوات الجنوبية في الحديدة، أثارت حفيظة العديد من القوى السياسية والقبلية والعسكرية الجنوبية، وبدأت تتخذ مواقف صريحة في مواجهة الإدارة الإماراتية للحرب، وعبثها الواضح بدماء وأرواح الجنوبيين.
حمل لواء هذه القوى «المجلس الثوري الجنوبي» برئاسة حسن باعوم، الذي اقتحم الواجهة السياسية الجنوبية بقوة، ببيانه الأخير في 13يوليو الجاري، والذي تضمن دعوته كافة الجنوبيين المشاركين في الحرب في الساحل الغربي والمناطق الشمالية إلى العودة إلى حدود ما قبل 1990. هذه الدعوة وجدت صداها في أوساط سياسية وقبلية جنوبية، وفي مقدمتها «المجلس القبلي» بالصبيحة، الذي يمثل أكثر قبائل الجنوب، الذي أعلن بدوره استجابته لدعوة باعوم، ودعا كافة أبناء قبائل الصبيحة إلى الانسحاب الفوري من الجبهات، والعودة إلى ديارهم، مؤكداً أن هدفه في المرحلة القادمة، هو «مواجهة الإمارات المحتلة للجنوب».
شرف الصبيحي، مسؤول الشؤون التعليمية بمحافظة لحج، أكد لـ«العربي» أن «دعوة القائد حسن باعوم، جاءت في وقتها المناسب، خاصة أن الإمارات كانت منذ أن وطأت أقدامها أرض الجنوب وهي تؤدي دور عدائي لليمن برمّته، والجنوبيون ضحية لخططها، دون أن يعلموا»، وأضاف «فقد ظلت تلعب على إيقاع معاناة الشباب المنكوبين في هذه الحرب، وفقرهم، ودعتهم إلى معسكرات، نظير مقابل بخس، وفي الآخير تذهب بهم إلى معارك جهنمية في المخا والخوخة والحديدة»، وأردف متسائلاً «صحيح أن الشباب الذين تجندهم الإمارات من أبناء الجنوب، وذهبوا إلى الحرب بقناعتهم، لكن ما الذي جعلها تستغني عن تجنيد إخواننا الشماليين في تلك الألوية التي يصل عدد أفرادها عشرات الآلاف؟ لماذا وهي أرضهم وهم أصحاب الحق والواجب عليهم هم تحرير مناطقهم؟».
وفي تعليقه عن إمكانية إقدام المجلس القبلي للصبيحة على الانتقال إلى مواجهة الوجود الاماراتي في الجنوب، قال الصبيحي «من معرفتي بمشايخ الصبيحة أنهم جادون وواضحون في كل قراراتهم، ودائماً يعبّرون موقف أبناء الصبيحة كلها، وموقفنا في البداية لن يكون أقل من موقف إخواننا أبناء محافظة المهرة، في المواجهة السلمية أولاً، أو التصعيد المستمر حتى جلاء الاحتلال عن أرضنا».
ردود فعل الإمارات
مثلت استجابة عدد من القبائل الجنوبية لبيان باعوم، صدمة للإمارات، لهذا يقول متابعون إنه «لم ينتهِ الأسبوع الأول لصدور البيان، إلا وسارعت وقد سارعت إلى تفعيل دور أذرعتها السياسية، وفي مقدّمتها الانتقالي الجنوبي، الذي من خلاله، تمّت الدعوة إلى انعقاد مجلس قبائل الجنوب العربي برئاسة الشيخ عسكر بن عطية اليافعي، ليلبي هذا المجلس حاجتها في مواجهة القبائل التي أعلنت التمرد على سياستها».
ويرى الصحافي فهمي الشعيبي، في حديثه لـ«العربي» أن «ردة الفعل الإماراتية، ودعمها لإنشاء مجلس قبائل الجنوب العربي، وبدون ترتيبات مسبقة؛ يعبّر بوضوح عن حجم القلق الذي تعانية، وعن خشيتها مما قد يحدث من قبل الجنوبيين تجاهها، في حال استمرارها في جعل الجنوب يعيش في حالة لا سلم ولا حرب، وإصرارها على استنزاف شبابه في معارك خراج حدوده».
وأضاف «أعتقد أن إدخال القبائل الجنوبية في المعترك السياسي والعسكري الجنوبي سيكون له نتائج لا يحمد عقباها، ليس على الجنوبيين فقط، وإنما على الإماراتيين أنفسهم، وهي بذلك تكون قد قررت الدخول في الوحل الذي لا يمكنها الخروج منه، لأن تاريخ التعصّب القبلي الجنوبي لا يرحم، كله دماء وثارات لا تتوقف، ونتمنى الابتعاد عنه».
وفي السياق، أكدت مصادر «العربي» بأن الإمارات استدعت الشيخ حمدي شكري، على الرغم من عدم تماثله للشفاء، بعد إصابته في معارك الساحل الغربي، باعتباره أحد قادة ألوية «العمالقة»، ومن مشايخ الصبيحة البارزين، وطلبت منه إقناع قيادة «المجلس القبلي للصبيحة» بعدم تنفيذ قراراه الأخير. وفي هذا الاتجاه، علّق مصد قبلي في لحج قائلاً إن «الشيخ حمدي شكري، يحظى بتقدير أهالي الصبيحة، وأظن أنه يمكن أن يحقق نجاحاً في مهمته، إلا أني على ثقة بأنه سيكون نجاحاً مشروطاً بتقديم ضمانات فورية تشمل التعويضات المناسبة لأهالي الضحايا الذين يسقطون في معارك الساحل الغربي، وضمان مستقبل المجنّدين في الجيش، بالإضافة إلى تقليص دور الإمارات وسيطرتها على الجنوب».