يوليو عدن الأسود: فوضى مكثفة برعاية إقليمية؟
الجنوب اليوم | العربي
أحمد الحسني
بعد أقل من أسبوعين على وصول الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مدينة عدن، في الـ 14 من يونيو الماضي، شهدت المدينة موجة عنف مكثفة، وتحديداً منذ الأول من يوليو الحالي إلى اليوم. وصلت عمليات الاغتيال إلى أكثر من عشرين عملية، أودت بحياة 16 شخصاً بينهم قيادات أمنية في المدينة وأخرى دينية، إضافة إلى عمليات متفرقة غير ممنهجة تندرج ضمن الفوضى الأمنية وانتشار السلاح كجنايات وحوادث عرضية.
جدول زمني متصاعد
في الأول من يوليو، عُثر في فندق الريادة في عدن، على جثة علي المسعودي، وهو عنصر يتبع قوات «الحماية الرئاسية». وفي اليوم نفسه، قتل جنديان وأصيب 3 آخرين في تفجير قذيفة داخل معسكر «اللواء 39» في خورمكسر، وبعد تلك الحوادث بـ 48 ساعة، قتل نائب قائد شرطة الشعب، وضاح الجهوري، برصاص مجهولين، وزرع مجهولون عبوة ناسفة بالقرب من مجلس عزاء الجهوري، لكنها لم تنفجر. خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر يوليو، شهدت المدينة عمليات مداهمة وخطف نفذتها كتائب محسوبة على أمن عدن، ومدعومة من دولة الإمارات، وأبرز تلك العمليات، اعتقال ناشر صحيفة «عدن الغد»، الصحافي فتحي بن لزرق.
ومع تصاعد موجة العنف والفوضى في المدينة، بدأت أطراف الصراع في عدن تتقاذف الاتهامات، ففي الوقت الذي تقول حكومة هادي، إن تعدد الأجهزة الأمنية وانقسامها سهل من عملية الفوضى في المدينة، تقول الأطراف الأخرى، وعلى رأسها «المجلس الانتقالي»، إن حكومة هادي تتحمل المسؤولية، وأن أطراف في الحكومة موالية لدولتي قطر وتركيا، تعمل على إرباك المشهد في الجنوب.
في موازة تلك الاتهامات، تسارعت موجة التصفيات في عدن. ففي الـ 5 من يوليو، قتل قائد شرطة بئر فضل، العقيد فهمي الصبيحي، ومرافقه، برصاص مسلحين في مدينة المنصورة، وبعد تلك العملية بيومين، استهدف موكب مدير أمن عدن اللواء، شلال علي شايع، في جولة كالتكس. لم يمض أسبوعان من دون دماء، إذ شهد يوم الـ 17 من يوليو ثلاث عمليات اغتيال، الأولى قتل فيها عاقل حارة في الشيخ، يدعى عبدالرزاق الحاج، والثانية استهدفت القيادي في حزب «الاصلاح»، صادق أحمد، في التواهي، نقل على أثرها إلى المستشفى، بعد تعرضه لإصابات بالغة، وأما العملية الثالثة، فكانت تفجير عبوة ناسفة في سيارة القيادي في «جمعية الحكمة»، المقرب من حزب «الإصلاح»، عادل الجعدي، لكنه نجا من التفجير.
وبعد 48 ساعة من ثلاث عمليات اغتيالات شهدتها عدن في يوم واحد، وتحديداً في تاريخ 19 شهدت المدينة ثلاث عمليات اغتيال أخرى، حيث أقدم مسلحون على تصفية، مسؤول البحث في سجن المنصورة، أحمد الضالعي، وحاول آخرون اغتيال إمام مسجد العادل، علي باوزير، وقتل بن ثابت، في سوق المنصورة، وهو عنصر في أمن عدن.
وتصاعدت وتيرة الاغتيالات في الأيام العشرة الأخيرة من يوليو ففي الـ 21 من الشهر، قُتل إمام مسجد عبدالله عزام، الشيخ محمد راغب بازرعه، ورصدت كاميرا قريبة من الجامع، مسلحين على متن سيارة من نوع «هيلوكس»، يمطرون بازرعة بوابل من الرصاص قبل هروبهم صوب الخط العام. وشهد اليوم التالي، عمليتين، الأولى قتل ثلاثة جنود في منطقة الدرين برصاص مسلح، والثانية نجا فيها نائب مدير أمن عدن، علي الذيب (أبومشعل)، بعد أن ألقى مسلح قنبلة، أصيب فيها عدد من الجرحى، ومن ضمنهم أبو مشعل، الذي نقل أخيراً إلى القاهرة للعلاج.
واستمرت العمليات في الـ 24 من هذا الشهر، إذ استهدف موكب قائد كتيبة «حزم أربعة» التابعة لأمن عدن، رامي الصميدي، وقتل في التفجير أربعة عناصر، وأصيب أربعة آخرين، وفي اليوم التالي، انفجرت عبوة ناسفة في سيارة مدير عام مديرية سباح، وأصيب ثلاثة من مرافقيه.
وبعد أربعة أيام هادئة، استأنف مسلح مسلسل الاغتيالات، أمس الأحد، بعملية استهدفت قائد الاستخبارات السابق في مطار عدن، العميد ناصر عبدالله مقريح، الذي يُعد أحد المقربين من الرئيس هادي، في حين سُجل نشاط ملحوظ على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأشهر الماضية، لمنشور لمقريح، يصف فيه دولة الإمارت بـ«دولة الشر».
«يوليو الأسود»
محللون وصفوا كثافة العمليات خلال الشهر الحالي بـ«يوليو الأسود»، على الرغم من أن المدينة، شهدت خلال العامين الماضيَين أكثر من 400 عملية اغتيال، كان النصيب الأكبر منها للشخصيات المناوئة لـ«التحالف»، وتحديداً لدولة الإمارات.
ويربط المحللون تصاعد العمليات في شهر يوليو، بتواجد الرئيس هادي في المدينة، خصوصاً وأنه كان قد مُنع من العودة من قبل «التحالف» لأكثر من عامين، ومنذ عودته حاول الشروع، في بناء المؤسسات الحكومية، وعودة الخدمات للمدينة، وهو ما تمثل في مشروع الإتصالات والإنترنت، بالإضافة إلى مشروع كهرباء عدن ولحج وأبين، والذي بدأت شركة «جنرال إلكتريك» الأمريكية بالعمل فيه بقوة، لتأمين 500 «ميجا بايت». تلك المشاريع وغيرها من مساعي تتعلق بالأمن، دفعت، برأي مراقبين، بقوى للتعطيل، وهو ما كشفه هادي في الـ 18 من يوليو، من أن «أطراف تتلاعب بملف الكهرباء في المدينة»، لافتاً إلى أن «عدن لا تستحق كل هذه الفوضى».
وفي خضم الفوضى التي تشهدها المدينة، سارعت أطراف محسوبة على الإمارات، وأخرى على «الشرعية»، إلى عقد لقاءات وتنسيق. فالتقى وزير الداخيلة في حكومة هادي، المهندس أحمد الميسري، بمدير أمن عدن، اللواء شلال شايع، لأول مرة، كما أفادت مصادر محلية عن عزم هادي، على اتخاذ قرارات تتعلق بأمن عدن، ومن تلك القرارات تغيير قيادات أمنية في عدن، وتعيين محافظ للمدينة. كما عقد هادي اجتماع قبل أيام بالقيادات الأمنية، حضره قيادات من «التحالف»، وأوضح فيه أن «الفوضى الأمنية تصاعدت خلال شهر»، مضيفاً أن «هذا يقلق أبناء عدن ويقلقه ويقلق الأجانب».
ومع تصاعد الفوضى في المدينة، أطلق نشطاء وإعلاميون جنوبيون، موالون للإمارات، وسماً (هاشتاق) «الدوحة تقتل عدن»، ما اعتبره نشطاء «عنواناً للفشل والمغالطة».
وعلق عضو «الجعية الوطنية» التابعة لـ«المجلس الانتقالي»، نبيل عبدالله بالقول «واقع كارثي يعيشه الجنوب والجنوبيين، ولكم أن تتخيلوا وسط كل هذا، نأتي لنحدث المواطنين بأن الدوحة تقتلنا»، مضيفاً أن هذا يظهرنا «وكأننا نهرب من فشلنا، ونبحث عن شماعات ونقفز على واقعنا لنخوض صراع المحاور على حساب واقع ومعانات الجنوبيين»، واصفاً الهاشتاق بأنه «عنوان للفشل».
إلى ذلك، قارن نشطاء آخرون، بين الوضع الأمني في صنعاء التي يحكمها «الحوثيين»، ومأرب التي يحكمها حزب «الإصلاح»، ومدينة عدن التي يحكمها «التحالف الداعم للشرعية»، ويتواجد فيها أكثر من 30 ألف عسكري وأمني، في ظل موجة اغتيالات واسعة وفوضى أمنية تشهدها «العاصمة». وأرجعوا السبب في ذلك كله، إلى «سياسة متعمدة وممنهجة من قبل التحالف، تهدف إلى منع بناء مؤسسات المدينة، وتوفير الأمن، واستغلال مواردها».