الاغتيالات بوادي حضرموت: مسلسل دم لا ينتهي
الجنوب اليوم | العربي
غياب الحس الأمني
لقد عانى الوادي من غياب الحس الأمني في الأعوام السابقة، ويعد ذلك أحد أبرز الملامح التي أسهمت في انتشار الجريمة، كما يرى الإعلامي المهتم بالشأن الحضرمي سليمان بن طليب في حديثه لموقع «العربي»، ويقول: «فقدان الحس الأمني في تشخيص التغيّر الديموغرافي للمجتمع وتأثيراته السلوكية على بعض الناس، هو ما أفرز بعضاً من الاختلالات الأمنية التي تسببت في بروز حالات من الجريمة المستفزة والمقلقة لحياة مواطن حضرموت الوادي»، مضيفاً «بروز مثل هذه الحوادث المستجدة والمجهولة الفاعل والأسباب، يزيدها غموضاً عدم توضيح ملابساتها من قبل الجهات الأمنية والمعنية بعد وقوفهم على مسرح الجريمة، لتصبح رأيا عاما ضاغطا للتحسين».
خارج سيطرة الأجهزة العسكرية
ويؤكد مراقبون أن المساحات الشاسعة للوادي، التي تسمى في العرف العسكري بالمساحات الميتة، ساعدت على انتشار الاغتيالات، إلى جانب ضعف الأجهزة الأمنية، كما يشير الرائد في الجيش عبده رماح في تحليله العسكري الذي خص به موقع «العربي»، قائلاً: «من الملاحظ أن الاغتيالات تتزايد كلما اتجهنا غربا في الوادي، ويعود ذلك إلى وجود مساحات كبيرة ميتة، مع ندرة التواجد الأمني والعسكري فيها وخضوعها لسيطرة مشائخ القبائل من دون تدخل السلطة المحلية إلا بالتواصل المحدود معهم»، وحمَّل الرائد رماح السلطة المحلية بوادي حضرموت الجزء الكبير من المسؤولية، «كونها لم تعطِ الجهات العسكرية الشرعية الكاملة لتغطية العجز الذي أحدثه انهيار الأجهزة الأمنية بالوادي»، وأكد «تدخل اعتبارات وحسابات مناطقية وسياسية لدى رئيس اللجنة الأمنية الوكيل عصام الكثيري».
ساحة مفتوحة للمناورة السياسية
ويحضر اللاعب السياسي بشدة في سيناريوهات الفوضى التي يعاني منها الوادي، كما يرى كثير من المتابعين للشأن الحضرمي، ومنهم الناشط الشبابي أحمد بلعيد، الذي يقول: «هناك استهداف واضح للوادي من جهات معروفة لدى الجميع، ومعروف أيضا المقصود من تلك الاغتيالات والسعي إلى زعزعة الأمن، وهنا أوجه رسالتي إلى الذين يطالبون بالأحزمة الأمنية والنخب العسكرية الفاشلة؛ لديكم مدينة عدن التي عبثت تلك القوات بكل ما هو جميل فيها، هي خير مثال لكم». ويوافقه في هذا الطرح الناشط الإعلامي عبد السلام النهدي، الذي اعتبر أن «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المدعوم إماراتيا، هو من يقف خلف هذا، قائلاً: «كل ما خرج علينا أحد قيادات المجلس الانتقالي التابع لدولة الإمارات بتصريحات تهاجم المنطقة العسكرية الأولى، حدثت عملية اغتيال جديدة في الوادي، يرافقها حملة إعلامية يقودها بعض إعلاميي الدفع المسبق، وهذه دلائل واضحة لتورط جهات بعينها في هذه الأحداث».
نظرة مغايرة
لأنصار «المجلس الانتقالي الجنوبي» بحضرموت وجهة نظر مختلفة، فقد نفذوا وقفة احتجاجية في مطلع شهر يونيو الماضي، طالب منظموها بتسليم وادي حضرموت لقوات «النخبة الحضرمية» لبسط الأمن، بصفتها قوات أمنية أثبت منتسبوها جدارتهم في حفظ الأمن في مناطق ساحل حضرموت، كما جاء في البيان الذي حمّل قوات المنطقة العسكرية الأولى مسؤولية ما يجري في الوادي، وذلك لتقاعسها عن القيام بمهامها المنوطة بها في حفظ الأمن في ظل غياب تام للأجهزة الأمنية، متهمين منتسبي المنطقة بممارسة الابتزاز ضد المواطنين في نقاطها العسكرية.
ويعبر عن هذا الرأي صالح باجيده، أحد المطالبين بإحلال «النخبة الحضرمية» بوادي حضرموت، حيث قال: «للأسف ارتضت شرذمة من أبناء الوادي لأهلها بتلك المعاناة لمصالح ومنافع شخصية وحزبية ضيقة، وهذه الفئة تعتقد أنها بتحالفاتها ستصل إلى ما تريد نيله»، معتبراً «أن الزيارة التي قام بها قائد هيئة الأركان العامة طاهر العقيلي لوادي حضرموت، جاءت لترسيخ وضع جنود المنطقة العسكرية الأولى المرفوضين من قبل المواطن الحضرمي، المطالب بتمكين أبناء محافظته من أمن أرضهم».
تسلسل غير منطقي لعمليات الاغتيال
طالت عمليات اغتيال عشوائية جميع أفراد المجتمع، ما أربك ما تبقى من أجهزة الأمن والاستخبارات، كما يقول العقيد عبدالله ناصر في حديثه الخاص لموقع «العربي»، حيث قال «منذ اندلاع الأزمة في العام 2011م بين طرفي الحكم في اليمن، كانت عمليات الاغتيال تسير في تسلسل منطقي، حيث كانت تستهدف الكوادر الحضرمية الأمنية منها والعسكرية، فيما كانت هناك جهات معينة تتبنى تلك العمليات كالقاعدة وداعش، فيتبين للمتابع جهة الفاعل وجهة المجني عليه، ما يسهل معرفة الغرض الظاهر والباطن لهذه العمليات، لكن بعد إطلاق عملية عاصفة الحزم اختل هذا التسلسل ليطال الجميع، وغالبيتهم لا ينتمون إلى السلك العسكري»، مضيفاً «ما يقارب 45 عملية اغتيال نفذت منذ بداية العام لا يستطيع أحد تحديد الفاعل فيها، وفي حالات كثيرة عند التحقيق مع أهالي الضحايا لا يشكّون في عداء المجني عليه مع أحد، أو دخوله في نشاطات مريبة، وهذا يدخلنا في دائرة مفرغة من التخمينات، وفي بعض الأحيان نصنف حوادث معينة في إطار ثأر قبلي أو تصفية بينية في عصابات تجارة المخدرات، وهذا أسهل تأطير نرضي به أنفسنا مع علمنا أن اللعبة قد تكون أكبر».