منبر كل الاحرار

كلام سياسي | حراك «الحراك الجنوبي»

الجنوب اليوم | صلاح السقلدي

 

نعم إنّــهُ حِــراك جماهيري، وصحوة نخبوية جنوبية، هذا الذي نشاهده اليوم على طول الجنوب وعَـرضه، وتحديداً داخل الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) منذ عدة أسابيع، من حضرموت والمهرة شرقاً حتى لحج غرباً، بعد قُــرابة ثلاث سنوات من التضحيات الكبيرة والتجاهل السياسي المتعمد حيال القضية الجنوبية، ناهيك عن تردي الأوضاع الخدمية والمعيشية التي شكّــلت معاناتها الثقيلة بالأشهر الأخيرة القشة التي قصمت ظهر الصبر والتحمّل الجنوبي وأخرجته عن حُــلمه من بعد طول تحمل وعناء، الذي ظل يراوح فيه طويلاً من منطق: لعل وعسى.!
حِــراك يتشكل ويتسع اليوم لاستعادة وهج «الحراك الجنوبي» الجماهيري وهيبة بندقيته لمواصلة المشوار حتى نيل الهدف المرجو بعد أن أوشكتْ في الآونة الأخيرة أن تطبق عليه كل القوى بالداخل والخارج من الجهات الأربع وتحيله إلى «ثورة مسخ» و«بندقية أجيرة» عبر بعض من النُــخب التي آثرت المصالح الشخصية والنفعية على الوفاء والوطنية.
استغــرَبَ البعض – أو ادّعى الاستغراب – من حِدةِ الاحتجاجات الجماهيرية التي تفجّرت بعموم الجنوب مؤخراً في وجه حكومة «الشرعية» وفسادها، ولأول مرة في وجه «التحالف»، ومن جُــرأة الشعارات التي تعالت في حضرموت والضالع وأبين وعدن، من قَبِيِـل: «لا تحالف بعد اليوم»، ومن حالات تمزيق صور رموز «التحالف».
هذه الشعارات، وهذا النوع العنيف من طرق التعبير عن عدم الرضا عمّا يجري في الجنوب، سواء في الجانب الخدمي والمعيشي أو بالتجاهل السياسي والإقصائي الذي تمارسه قوى وجهات محلية وإقليمية، كانت شعارات وطُــرق تعبير عفوية – أو أغلبها على الأقل – وليست شعارات مستأجرة من خلف البحار كما يحاول بعض البائسين تصويرها. فمثل هكذا نوع من التعبير ومن الشعارات الغاضبة شاهدنا منها كثيراً طيلة سنوات «الثورة الجنوبية». كثيراً ما شاهدنا تمزيق صور رموز سلطة 7 يوليو، وعلى رأسهم صور الرئيس السابق صالح، بل وشاهدنا حالات كثيرة لإحراق العلم اليمني، ناهيك عن ترديد الشعارات العنيفة والصاخبة مثل: «لا شمالي بعد اليوم»، «لا شرعية بعد اليوم»، «برع برع يا استعمار». وبالتالي، فلم يكن غريباً علينا اليوم أن نرى مثل هكذا شكل من أشكال التعبير يتكرر، خصوصاً وأن كل الأسباب والدواعي متوفرة أكثر مما كانت في السابق، لانتفاضة الجموع والجياع.
هذا الغضب الجماهيري الجنوبي بحاجة إلى من يتفهّم أسبابه، ويقف عليها ويعالجها، وليس إلى من يمطر الجماهير والجياع المسحوقة ومن يؤازرها من الأحرار، بعبارات التهم ومفردات اللعنات والشتائم والتخوين، فقد بلغت القلوب الحناجر من هكذا وضع يكون الصمت حياله هو المستغرب بعينه، وليس الانتفاضة والثورة الجماهيرية.
حريٌّ بمَــن يوزعون التهم يُــمنة ويسرة، على الرموز الجنوبية والمحتجين ويرمونهم بفرية العمالة لهذه الدولة أو تلك، أن يسألوا أنفسهم: لماذا كل هذا الكم من الغضب الجماهيري المتفجر؟ ولماذا كل هذه الحشود تخرج بصوت واحد بكل تلقائية؟ هل هذا يحدث عبثاً ورغبة بإحراق الإطارات والتعرّض لخطر الرصاص والسير تحت لهيب الشمس الحارقة وتلقي التهم والتخوين؟ أو إنه نتاج لحالة السكون والتخاذل التي تبديها بعص النخب الجنوبية التي هي بحاجة إلى أكثر من ثورة وحراك شعبي ليوقظها من سُباتها ويعيدها إلى رُشدها بعد أن أسدرت بغيّها وتمادت بفجاجة مسلكها تجاه ثورة شعب طيلة أكثر من ثلاثة أعوم؟ هل هذا الاستخفاف الخليجي بقضية بحجم القضية الجنوبية وتضحياتها بخندق واحد معه لا يستحق أن يتفجر في وجهه مثل هذا الغضب؟ فإن لم نغضب اليوم فمتى سنفعل؟ وإن لم تكن هذه الأسباب تستدعي فورة شعب وثورة جماهير فمتى عسى هذه الجماهير أن تثور وتغضب؟
الجنوب اليوم يتعرض، ليس فقط للتجاهل الخليجي اليمني، بل لمؤامرة كبرى بكل ما في هذه الكلمة من معانٍ. مؤامرة من الداخل والخارج، تستخدم أقبح الأساليب لمآرب مختلفة، ليس أقلها التجويع والإذلال الرخيص بلقمة العيش ورغيف الخبز والخداع السياسي.
وما كشفته الأيام الماضية التي سبقت موعد مشاورات جنيف – التي فشلتْ قبل أن تبدأ – إلا صورة واضحة لسياسة التجاهل والخداع المتعمد الذي تنتهجه «الشرعية» و«التحالف» حيال الجنوب. فلو لم يكن لهذا «التحالف» وهذه «الشرعية» من مساوئ تجاه الجنوب غير واقعة استبعاده من هكذا مشاورات، لكانت كافية أن تفجر غضب الشارع الجنوبي وتستنهض حُمــيته الكامنة، وتحيل صمته إلى زلزلة مدوية، بعد أكثر من ثلاث سنوات ظل يقدم فيها كل التضحيات والدماء ليكتشف في النهاية أنه ضحية «شركاء السوء الإقليميين»، ومكيدة «شرعية البؤس»، و«ارتزاق ثوار الشيكات المالية».
•خاتمة: ما عاد يكفي أن نثور… يجب أولاً أن نخلق الإنسان الذي يحمي الثورة.

العربي

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com