أمريكا على خط الحرب: ترتيبات ما بعد هادي
معاذ منصر
في اليمن ثمة تحرك سياسي وعسكري أمريكي يجري على قدم وساق وبشكل مباشر هذه المرة، وذلك على صعيد إعادة صياغة المشهد اليمني وفق رؤية أمريكية بحتة. هذا التحرك بدأ مع زيارة الرئيس عبدربه منصور هادي المفاجئة إلى أمريكا، وبقائه حتى الان هناك، وفي حين أعلنت «الشرعية» أن الزيارة غرضها العلاج وحضور اجتماعات الجمعية العمومية، أكدت مصادر سياسية ودبلوماسية أن «زيارة هادي تحمل الكثير، من ضمنها العلاج والترتيب لواقع يمني جديد يساعد المحادثات التي كان من المتوقع أن تتم خلال الـ 6 من سبتمبر الجاري، وتعرقلت بسبب عدم تمكن وفد صنعاء من الوصول إلى جنيف، كما أنه من ضمن هذه الترتيبات الأمريكية على مستوى الجانب السياسي، تعيين الرئيس هادي نائباً له في القريب القادم، بديلا عن الأحمر».
صحة هادي والاستمرار في الحكم
وأكدت مصادر سياسية مقربة من هادي في حديثها إلى «العربي»، أن «الرئيس يمر بظروف صحية متدهورة، وانه لم يعد قادرا على الاستمرار في الحكم، ولهذا وافق على تعيين نائبا له»، مشيرة إلى أنه «في خطابه الأخير ظهر هادي متعباً، وكان من المتوقع أن يكشف عن حدث ما ولكن ربما تم التراجع عنه في اللحظات الأخيرة».
قبل وقت قصير من الخطاب، كانت «قناة اليمن» التابعة لـ«الشرعية» أكدت على خطاب هام للرئيس هادي، بصورة توقع الكثيرون أن الرئيس سيعلن تقديم استقالته، وظهرت كلمته مقطعة بشكل يوحي كما لو أنه قال كلاماً مهماً، ولكن تم التراجع عنه في اللحظات الأخيرة، وتم استبعاده من الكلمة التي ظهرت متقطعة وغير منسقة. فيما ظلت الاطروحات المتعلقة بالمساعي الأمريكية، محل تشكيك البعض وعدم التصديق، خصوصاً في مربع «الشرعية».
عدن والمعاشيق: دلالات هامة
وفي عدن، ومن قصر المعاشيق تحديداً، جاء التأكيد على أن أمريكا على خط الازمة اليمنية بشكل مباشر. مطلع الاسبوع الماضي، وبعد أيام من توجه الرئيس هادي إلى أمريكا، زار قائد القيادة المركزية الأمريكية الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل، مدينة عدن، والتقى في قصر المعاشيق رئيس هيئة الاركان العامة في الجيش الوطني طاهر العقيلي. وتعد هذه الزيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول أمريكي رفيع المستوى منذ بداية الحرب وما قبلها ربما، إذ كان السفير الأمريكي هو المعني بمثل هذه اللقاءات، وتلك التي كانت تتم بين المسؤولين اليمنيين والجانب الأمريكي.
بحسب وكالة الانباء «سبأ» التابعة لـ «الشرعية»، فإن «لقاء العقيلي مع القائد العسكري الأمريكي، تركز على تطوير قوات خفر السواحل والقوات البحرية والقوات الخاصة لمواجهة الحوثيين ومكافحة التهريب». في حين قالت القيادة المركزية الامريكية إن اللقاء الذي تم بين فوتيل والعقيلي، «ناقش العلاقات التاريخية بين الجيش اليمني والجيش الأمريكي».
مصادر عسكرية مطلعة في عدن كان لها كلام آخر، فأكدت أن اللقاء تناول جوانب كثيرة، ومنها «الاتفاق على إعادة دمج كل القوات والالوية العسكرية في الجنوب بإطار جيش واحد وقيادة واحدة، وهي هيئة الأركان العامة، وستتحمل هيئة الأركان مسؤولية ذلك، وسيتم أيضاً إعادة النظر في مسألة الرواتب التي تصرف سواء بالريال اليمني، أو أولئك الذين يستلمون بالريال السعودي».
واتفق الطرفان، وطبقاً للمصادر، على أن «التنسيق الأمريكي سيكون مباشرة مع هيئة الأركان العامة في أي عمل عسكري قادم، خصوصا ذلك المتعلق بمجال مكافحة الإرهاب». يشار إلى أن من ضمن القوات الجنوبية التي تشكلت بقيادة الامارات، بينها «النخبة الشبوانية»، وألوية عسكرية أخرى، «كانت قد أعلنت أن مهمتها تتعلق بمجال مكافحة الإرهاب، ولكن أمريكا لاحظت أن لا إرهاب تمت مكافحته ولا شيء من هذا القبيل».
وكشفت مصادر عسكرية جنوبية لـ«العربي»، عن أن «الضغوط الامريكية نتج عنها زيارة قائد الأركان العامة لعديد من المواقع العسكرية الجنوبية، وفي أكثر من محافظة، وهو ما لم يتمكن منه العقيلي في السابق ولم يسبق له أن نفذ زيارات عسكرية مشابهة خصوصا في الجنوب».
العقيلي التقى فوتيل وغاب الأحمر
اللقاء الذي تم بين العقيلي وفوتيل حمل أكثر من دلالة وأكثر من رسالة، كما كان للمكان أيضاً دلالته الخاصة. ففي عدن وفي قصر المعاشيق، جرى اللقاء وليس في مأرب حيث المقر الرئيسي لقيادة هيئة الأركان، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية كانت عدن ومناطق الجنوب مناطق من غير المقبول أن تتواجد فيها قيادات عسكرية شمالية، خصوصا تلك التي يعتقد أنها محسوبة على «الشرعية» وعلى حزب «التجمع اليمني للإصلاح».
اللقاء مع العقيلي وليس محسن الأحمر، له أيضاً دلالته، وهي أن الترتيبات الامريكية وعلى مستوى الرئاسة، مهمتها استبعاد وإزاحة محسن من المشهد، محسن الذي لم يعد مقبولا داخليا ولا خارجيا.
مصدر مقرب من مكتب هادي، كشف لـ «العربي»، أن «الرئيس وفي الأيام الأولى من زيارته إلى أمريكا، اتفق مع الأمريكان على تنقيب النفط عبر شركات أمريكية، خصوصا في المناطق الحيوية في شبوة ومأرب وبعض المحافظات الأخرى».
وكشفت المصادر الخاصة لـ «العربي»، أن «رئيس هيئة الأركان العامة سوف يقوم باستلام بلحاف في شبوة وأيضا الريان ومناطق حيوية أخرى، من القوات التابعة للنخبة الشبوانية وبقية القوات المحسوبة على الإمارات».
أمريكا لجميع اللاعبين: أنا هنا
وفي حين كشفت المصادر المقربة من مكتب هادي، لـ«العربي»، عن أن «تفاهمات كثيرة جرت بين الرئيس هادي وبين الطرف الأمريكي، بما في ذلك حول اللقاء الذي جرى بين القيادي العسكري الأمريكي وبين قائد الأركان اليمنية العقيلي»، أشارت إلى أن «أمريكا وجهت رسالة بوضوح للجميع بأن اليمن من نصيبها».
وبحسب تعليق المصدر خلال حديثه إلى «العربي»، فإن واشنطن أرادت القول: «انتبهي يا روسيا واعقلي يا إيران. وأيضا رسالة للإمارات والسعودية. والخلاصة هي أن المعركة ستتغير بدخول أمريكا على الخط مباشرة، وهذه الزيارة للقائد العسكري الأمريكي تأتي في سياق ترتيب المشهد لما بعد هادي».
وقالت المصادر إن «فشل اللقاء في جنيف أعطى فرصة لجيش الشرعية ان يتقدم في جبهة الحديدة، وربما سيكون بدعم أمريكي. ومن ناحية اخرى سيتحرك ملف القاعدة في جنوب والوسط بتعاون امريكي مع هيئة الأركان العامة».
وعن طبيعة التعاون قالت المصادر الخاصة، إنه «سيكون من خلال عمليات استخباراتية وعسكرية مشتركة، بضرب ما تبقى من جيوب للقاعدة في كل مناطق الجنوب وتصفية النشطين في تعز والبيضاء خصوصا الذين هربوا من الجنوب. ومن المتوقع يكون هناك عمليات قريبة بهذا الملف».
تنسيق مباشر بين عدن وواشنطن
«العربي» توجه إلى أحد الخبراء العسكريين بشؤون اليمن والمنطقة، واستفسره عن أبعاد الزيارة وكيف تفهم، فكان الجواب أن «الزيادة تهدف إلى إعطاء صفة رسمية للتعاون الامريكي اليمني بخصوص ملف الإرهاب أولاً، وأمن الممر الدولي باب المندب، وسلامة حرية الملاحة البحرية، كما أن الأسطول الأمريكي الخامس بحاجة إلى الشواطئ اليمنية لتأمين تواجده في بحر العرب وشمال المحيط الهندي، خليج عدن، والبحر الأحمر، بالإضافة إلى التخوفات الامريكية من التقارب الصيني الروسي الهندي، ومشاريع الصين في شرق أفريقيا والتواجد التركي في الصومال والسودان أيضا».
وأكد أن «هناك خطوات استباقية لتواجد دور أوروبي في هذه المناطق، خصوصا في ظل العلاقات البريطانية العمانية أولا، والدور الفرنسي بجيبوتي، وكذلك العلاقات التجارية الباكستانية الصينية والتنافس التجاري الأمريكي مع الاسبان وتزعم الصين لكتله شرق أسيا، والسعي الأمريكي هذا لضمان استقرار أسواق النفط، وتدفق النفط الخليجي إلى الغرب بشكل امن وسلس وضمان الأسعار».
ومن وجهة نظر الخبير العسكري، فإن الموضوع يعد «نوعا من التواجد القوي والبحث عن صفة شرعية للتواجد، واستمرار مشروع الادارة الأمريكية لفرض الهيمنة على دول شرق افريقيا، وخليج عدن، والبحر العربي، في برنامجها المعروف بمحاربة الإرهاب الذي تتخذه الإدارة غطاء لتمويل تحركاتها العسكرية، للسيطرة على أسواق الطاقة والتحكم بعصب الاقتصاد العالمي، عبر السيطرة على الطاقة، النفط والغاز، وهيمنة شركاتها عليه، والتحكم بالنمو الاقتصادي للعالم».
لقاءات فوتيل
يشار إلى أن الفريق أول جوزيف فوتيل، قائد القيادة الوسطى الأمريكية قام بزيارة إلى سلطنة عمان، والتقى ببدر بن سعود بن حارب البوسعيدي، الوزير المسؤول عن شؤون الدفاع بمكتبه بمعسكر بيت الفلج.
كما زار الإمارات أيضا، والتقى بمسؤولين إماراتيين من خلال لقائه بولي العهد الإماراتي محمد بن زايد، وقائد القوات المشتركة في السعودية الفريق الركن فهد بن تركي. فيما قام رئيس هيئة الأركان العامة اليمنية التابع لحكومة «الشرعية» بزيارة إلى الرياض عقب لقائه القائد الأمريكي.