السعودية والإمارات… وسباق السيطرة على سقطرى
الجنوب اليوم | العربي
إسماعيل أبو جلال
منذ اللحظة الأولى التي سيطر فيها «التحالف العربي» على أول المناطق في محافظة عدن، في مايو 2015، ظهرت أطماع دولة الإمارات بموانئ عدن، التي استطاعت وضع يدها عليها مباشرة، مستغلة علاقتها الخاصة بنائب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، آنذاك، خالد بحاح، الذي تؤكد معلومات عن تزامن تواجده على رأس الحكومة مع اتفاقيات سرية مع الإمارات، بخصوص تأجير عدد من الجزر والموانئ اليمنية لحكومة أبو ظبي، لعشرات السنوات، مما سهل سيطرتها عليها، بدءً بجزيرة ميون الاستراتيجية، التي تتوسط مضيق باب المندب. وقد باشرت الإمارات على الفور بإنشاء مطار عسكري في الجزيرة، جعلت منه قاعدة إماراتية متقدمة في جنوب البحر الأحمر.
ولم يكن ذلك بمعزل عن إرسالها ممثلين عن حكومتها إلى جزيرة سقطرى، تحت مسمى «إقامة مشاريع استثمارية»، والبدء بتطوير البنية التحتية في الجزيرة، إضافة إلى الدور الذي ظل يلعبه «الهلال الأحمر» الإماراتي ومؤسسة «خليفة بن زائد الخيرية»، تحت مسمى «تقديم الإغاثة الإنسانية»، وتنفيذ مشاريع خيرية للمواطنين في المجالات الغذائية والصحية والتعليمية.
السيطرة والإغراءات
استطاعت الإمارات خلال فترة وجيزة تحقيق السيطرة الكاملة على القرار الإداري في أرخبيل سقطرى، حتى أصبحت هي المتحكمة بكل ما يدور داخل الجزيرة، في مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية، وهي دون غيرها المتحكم بعلاقتها بالعالم الخارجي، وبدا ذلك واضحاً من خلال تسيير رحلات جوية يومية لـ«طيران الإمارات» من أبو ظبي إلى مطار سقطرى، وتشغيل شركات الاتصالات الإماراتية (الهاتف الجوال) فيها، وتخويل مندوبها في مدينة حديبو، رجل الأعمال حمدان المزروعي، بالتصرف الكامل بكل ما يتعلق بالجزيرة والأرخبيل برمّته، لتظهر وظيفته ومساعديه على هيئة منشآت تجارية و«هايبرات» وسفلتة العديد من الشوارع في عاصمة المحافظة، ناهيك عن قدرته على تقديم المغريات المادية الكبيرة لمختلف القيادات الإدارية والشعبية، تمثل ذلك في تسهيل تنقلاتهم من وإلى الإمارات على نفقة الدولة.
وتشير التقارير الواردة من المحافظة إلى أن المزروعي استطاع في النصف الأول من هذا العام توزيع أكثر من 200 سيارة حديثة على المؤيدين للوجود الإماراتي، ومن يقفون في مواجهة حكومة الرئيس هادي. لتتلو ذلك حملة واسعة من التسريبات الإعلامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي عبّرت عن أن الجزيرة «جزء من دولة الإمارات»، تمهيداً للتصريحات الإماراتية الرسمية، التي أكدت هاجس وطموح أبوظبي في ضمها إليها؛ ما شكل صدمة كبيرة لفئات واسعة من اليمنيين الذين سرعان ما عبروا عن امتعاضهم من دور الإمارات، ضمن «التحالف»، وأطماعها المعلنة بمختلف الجزر والسواحل اليمنية، الأمر الذي وضع حكومة هادي والسعودية و«التحالف» برمّته في زاوية ضيقة، لتجد الحكومة السعودية نفسها أنها ملزمة بوضع سيناريو لإدارة الأزمة، يهدف في المقام الأول إلى انتزاع أزمة سقطرى من التداول الشعبي اليمني، والحيلولة دون فضح الأهداف والأطماع الكبيرة لدول «التحالف» في حربها الطويلة في اليمن.
السيناريو السعودي
يرى مراقبون؛ أن الإمارات كانت قد استفردت بجزيرة سقطرى، طيلة السنوات الثلاث الماضية، وكان توجّس الحكومة اليمنية، خالٍ من أي تصرّف يمكن أن يعوّل عليه، وأن موقفها الأخير في مواجهة أطماع أبو ظبي، والمتمثل بالعودة المفاجئة لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، من الرياض وقيامة بزيارة إلى الجزيرة، في أوائل مايو الماضي، لم يكن بمعزل عن التوجيهات السعودية المباشرة، خاصة أنه اصطحب في زيارته تلك عدداً من الوزراء الممثلين لحزب «الإصلاح»، وكأنه بذلك مقبل على تحدٍ مباشر للوجود الإماراتي في الجزيرة، بالنظر إلى عدائها المعلن لهذا الحزب.
وفي هذا السياق، قال الباحث أحمد عبد الرشيد، لـ«العربي» إن «زيارة بن دغر إلى سقطرى لم تكن بمعزل عن القرار السعودي الخالص، بعد أن وجدت الإمارات تسيطر على الجزيرة، وهي صاحبة القرار الأول فيه، وأنها بذلك لن تمكن المملكة من تحقيق أهدافها في الجزيرة، لذلك لم يكن أمامها سوى إرسال بن دغر، ليقوم بالدور المناوئ للإمارات، التي لم تتردد قواتها عن إغلاق الجزيرة أمامه، ومنعه من الخروج من المطار، مما استدعى إصدار بيان حكومته، الذي أكد فيه أن أطماع الإمارات، تصل إلى حد منازعة اليمن السيادة على الجزيرة، مما يعني إعلاناً ضمنياً من الحكومة عن عدم حاجتها للإمارات ضمن التحالف العربي».
وأضاف عبد الرشيد «ليأتي دور المملكة من قبيل الحفاظ على بقاء التحالف، فأرسلت لجنة تحقيق سعودية، وكان من أهم ما توصلت إليه التقرير برحيل القوات الإماراتية من سقطرى».
ووصف عبد الرشيد ما حدث بين رئيس الحكومة والإمارات، بأنه «لا يعدو عن أن السعودية وضعت بن دغر، كبطل في سيناريو تلك الأزمة، لتتمكن من إزاحة الإمارات من الجزيرة والحلول محلها»، موضحاً «حقيقة التنافس السعودي الإماراتي على الجزيرة، تؤكد أن الحل الذي وضعته لجنة التحقيق السعودية، تزامن مع زيارة السفير السعودي للجزيرة في منتصف شهر مايو الماضي، التي وصلها ومعه عشرات الأطنان من المساعدات الإغاثية والإنسانية من مركز الملك سلمان للإغاثة، كما رافقه فيها خبراء ومختصين من صندوق إعادة الإعمار، ووضع حجر الأساس لعديد من المشاريع الكبيرة في الجزيرة، وتفوق حجم ما قدمته الإمارات طيلة الثلاث سنوات الماضية، وهو ما يؤكد حجم الإغراءات السعودية لأهالي الجزيرة».
صراع الولاءات
وجدت الأحداث الأخيرة في جزيرة سقطرى صدى إعلامياً واسعاً، خاصة بعد التظاهرات التي شهدتها مدينة حديبو، عاصمة المحافظة، في منتصف شهر أغسطس الماضي، وتجددت في منتصف الأسبوع الماضي، وضمت مئات من المواطنين، الذين جابوا شوارع المدينة، رافعين أعلام دولة اليمن الجنوبي السابقة، ويتقدمهم المحافظ المقال سالم السقطري، عضو قيادة «المجلس الانتقالي الجنوبي»، ومدير الأمن السابق، المواليان للإمارات.
رفع المتظاهرون شعارات طالبوا فيها الرئيس هادي بإقالة المحافظ رمزي محروس، الذي وصفوه بأنه يعمل لصالح حزب« التجمع اليمني للإصلاح»، ويمارس الدعاية المضادة لدولة الإمارات، ويعرقل أنشطتها التنموية في المحافظة.
في هذا الاتجاه، قال صحافي مقرّب من المحافظ رمزي محروس، لـ«العربي» إن «هذه التظاهرات، جاءت على أثر التحركات التي يقوم بها المحافظ، وتحديداً قيامه مؤخراً بمتابعة عمليات الإنجاز لمشاريع البنية التحتية، المتعلقة بكهرباء حديبو وقلنسية، ومشاريع الصرف الصحي، التي سيتم تنفيذها صندوق إعادة الإعمار الذي تشرف عليه السعودية، وكان قد وضع حجر الأساس لها السفير السعودي محمد آل جابر، عند زيارته للمحافظة في شهر مايو الماضي».
وأشار الصحافي الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى دور الإمارات في الدفع بالموالين لها للقيام بهذه الاحتجاجات، بالقول إنه «صار من الواضح أن الإمارات مصمّمة على الاستفراد بالأرخبيل، ولا تقبل بوجود أي دولة، فهي تدرك جيداً، أن وجود السعودية يعني أن السعودية تنافسها في السيطرة على الأرخبيل»، مشدّداً على أن «هذا الوضع لا يمكن أن يقبل به السقطريون».