«14 أكتوبر»: مِن طرد المستعمر الأجنبي إلى «الإحتلال العربي»
الجنوب اليوم | العربي
إسماعيل ابوجلال
توارت في السنوات الأربع الماضية مختلف الفعاليات الرسمية والشعبية، مبتعدة عن الاحتفاء بذكرى ثورة 14 من أكتوبر 1963، بعد أن ظلت طيلة ال 50 سنة ماضية في صدارة المناسبات الوطنية، التي اعتاد اليمنيون احياءها، تخليداً لعظمة التضحيات في مواجهة الاستعمار البريطاني البغيض، حتى تحقيق الاستقلال الناجز في ال 30 من نوفمبر 1967، والإعلان عن وحدة الجنوب تحت راية الدولة الوليدة «جمهورية اليمن الديمقراطية»، واستمرت جذوة هذه الثورة معبرة عن أهداف وتطلعات اليمنيين في الحرية والعدالة والمساواة والوحدة، دون أن تتوقف لعقود أمام العوائق التي ظلت القوى المعادية لها من الخارج وعملائها من الداخل، تعمل من أجل قمعها، والعودة باليمنيين إلى الخلف، مجردين من حقهم في الطموح والتطور، حتى تسنى لتلك القوى تحقيق تطلعاتها في النيل من الثورة واسقاط الدولة اليمنية، وتحويل اليمن إلى دولة محتلة بامتياز.
التراجع عن الثورة
صار من المؤكد أن تواري الاحتفاء بمناسبة ثورة 14 أكتوبر، قد تلازم مع نشاط دعائي محموم، ضد هذه الثورة وأهدافها، من قبل عديد منظمات برزت مؤخراً على الساحة الجنوبية، منها ما تدعي بالنضال من أجل استعادة الدولة الجنوبية على حدود ما قبل 1990، وأخرى تحشد من أجل استعادة دولة «الجنوب العربي»، وجميعها تؤكد تخليها المعلن لمسمى الدولة الذي عرفت به قبل عام 1990 «جمهورية اليمن الديمقراطية»، كما تؤكد على أن تمثيلها لإرادة الجنوبيين يبدأ برفضها يمننة الدولة، معتبرين أن الجنوب لا علاقة له بيمنيتها، وأنه مسمى ظل مفروضاً عليهم في الجنوب، بفعل تدخل قوى ثورية شمالية، فيما الجنوبيون لهم مرجعيتهم المستمدة من المسميات التي سبقت ميلاد ثورة 14 أكتوبر 1963، وتحديداً مسمى «الجنوب العربي»، الذي تبنته بريطانيا في عام 1957، والذي كان من المقرر أن يشمل كل السلطنات والمشيخات في الجنوب، ما عدا اماراتي القعيطي، والكثيري في حضرموت، وامارة المهرة، وسقطرة، لولا أن بريطانيا سرعان ما تراجعت عن دعمها لذلك التكتل، ليبقى في منأى عن التطبيق على الواقع السياسي للمشيخات والمحميات.
الصحافي في إذاعة عدن، توفيق فضل، تحدث إلى «العربي»، قائلاً، «أعتقد أن ما تشهده الساحة اليمنية لا يختلف عن بعضه، في الجنوب أو الشمال، لأن القاسم المشترك بينهم، هو الطعن بقيم الثورة اليمنية وأهدافها، وفرض واقع معاد لها، بينما خصوم الثورة اليمنية معروفون، وهدفهم استعادة مختلف القوى التي رفضها اليمنيون وتم طردها في ستينيات القرن الماضي الى غير رجعة».
التبني السعودي
لم يتجاوز دعم بريطانيا مشروع سلطنات «الجنوب العربي» حدود اقتراحها للاسم، وعلى الرغم من ذلك وجدت فيه الحكومة السعودية، في وقت لاحق، ما يلبي أهدافها، وتحديداً بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال، المدعومة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والذي سرعان ما امتد لدعم الثورة الوليدة في الجنوب، لتجد المملكة أن المد القومي أضحى يهددها من خاصرتها الجنوبية، وأن لا حل أمامها، آنذاك، إلا بتبني ودعم اتجاه السلطنات والمشيخات تحت مسمى «الجنوب العربي»، وتأكد ذلك بعد استقلال وتوحيد الجنوب وفرار كل السلاطين والمشائخ وعشرات الآلاف من قواتهم إلى المملكة، الذين ظلوا يحضون برعايتها الخاصة، مقابل الولاء لها وأهدافها وتطلعاتها في اليمن. بدوره، قال الباحث ناظم أحمد مبارك، أستاذ التاريخ في مكتب التربية بعدن، لـ«العربي»، إن «مسمى الجنوب العربي استعماري، أرادت به بريطانيا إلغاء أي تواصل بين أبناء اليمن في الشمال والجنوب، ولهذا جاء الإسم خال من الارتباط باليمن»، مضيفاً «إلا أن السعودية استطاعت التقاط هذا المشروع، وتجيره لصالحها، لاعتبارات كثيرة، أولاً لأنه تكتل يضم السلطنات التي تشابهها من حيث شكل نظام الحكم، وثانياً لأنها لا تريد أن تتعامل مع دولة قوية، وتفضل التعامل مع محميات صغيرة مفككة ومتناثرة، وثالثاً لأنها سلطنات فقيرة، ومعروف عنها أنها تعيش على الاتاوات من الحاكم البريطاني، وأرادت السعودية أن تحل بديلاً عنه، وتحقق لها ذلك في العقود الماضية، بعد أن ظلت وماتزال تحتضن الأمراء والسلاطين وقواتهم إلى اليوم على أراضيها».
«الاحتلال العربي»
ويؤكد مراقبون أن عداء دول قيادة «التحالف»، الذي عبرت عنه في حربها على اليمن، جاء بعد معاناتها من نجاح اليمنيين في العقود الماضية في التأسيس لنظام جمهوري طموح، وكانت هذه الدول تجد في الدولة اليمنية عدواً لها، خاصة في الجنوب التي كانت قد تبنت في سبعينات القرن الماضي خط المواجهة مع جيرانها، ودعوتها لتحرير الخليج من الأنظمة الموالية للاستعمار.
إلى ذلك، تحدث إلى «العربي»، الباحث في جامعة عدن، أحمد عبد الرحمن، قائلاً: «الثورة اليمنية ظلت مستهدفة من دول الجوار، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، التي مثلت لها هذه الثورة صدمة سياسية كبيرة، خاصة ثورة 14 أكتوبر، التي أوصلت إلى السلطة في الجنوب نظاماً يسارياً صارماً، استطاع تحدي الأنظمة الاقطاعية والسلطوية، وهددها أيّما تهديد». وتابع عبد الرحمن «لذلك ظلت تتحيّن الفرص المواتية لتحقيق أهدافها، حتى تحقق لها ذلك في السنوات الأخيرة، التي شهدت فيها اليمن اختلالات سياسية وحروب داخلية، أدّت إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما فتح الطريق أمام هذه الدول كخصوم تاريخيين للثورة اليمنية للتدخل، وفرض أهدافهما في اليمن بالقوة»، لافتاً إلى «خطورة ما آلت اليها الأوضاع اليمنية، بعد أن وجدت هذه الدول فرصتها» وأردف «تأتي هذه المناسبة في ظل هذا الظرف الاستثنائي وغيرها من المناسبات الوطنية، لتعبر عن حجم الخسارة التي لحقت باليمنيين، خاصة بعد اتضاح أهداف التحالف العربي، بقيادة السعودية والامارات، في الحرب التي تدور رحاها منذ قرابة أربعة أعوام، ونجاحهما في إلغاء السيادة اليمنية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهما، وتحولهما الى دور المحتل». وانتهى إلى القول «مشكلتنا في اليمن أننا لم نقرأ تاريخ علاقتنا بهذه الدول، ولم ننقل ذلك إلى الأجيال في الإعلام والتعليم وغيرها، لا أدري من ماذا نخشى؟ وها نحن صرنا ضحايا!».