مطار الريّان… الإمارات تبيع الجنوبيين وهماً
الجنوب اليوم | العربي
يبدو أن قرار إعادة نشاط مطار الريّان الدولي المطل على البحر العربي، الذي زفّه محافظ حضرموت من أبو ظبي، خلال زيارته الأخيرة، لا من عدن التي أعلنها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي عاصمة مؤقتة للبلاد، يأتي ضمن الأوهام التي توزعها سلطات الإمارات للموالين لها في المحافظات الجنوبية.
ما يقارب العامين ونيّف، والتصريحات تتوالى من قبل السلطات المحلية، حاملة مبخرة التباشير بقرب إعادة نشاط مطار الريان للخدمة، منذ عهد المحافظ المقال أحمد سعيد بن بريك، مروراً بالمحافظ الحالي اللواء فرج سالمين البحسني، تصريحات لدغدغة عواطف المواطنين كل ما ارتفعت أصواتهم مطالبة بافتتاح المطار، كما يثبت جلياً حقيقة هيمنة الإمارات على القرار السيادي، بعيداً عن سلطات «الشرعية» اليمنية، التي أصبحت عبارة عن ديكور لشرعنة عمليات «التحالف»، ولا تملك من أمرها شيئاً.
لكن الفرضية تؤكد أن دولة الإمارات المشاركة ضمن «التحالف» الذي تقوده السعودية، التي فرضت هيمنتها على محافظات الجنوب بما فيها محافظة حضرموت النفطية، بعد انسحاب عناصر تنظيم «القاعدة» من المحافظة، لن تُعيد نشاط المطار على المدى القريب، بعد أن حوّلته إلى ثكنة عسكرية، وغرفة عمليات للمحافظات الشرقية التي تخضع لها.
مطار الريّان الذي كان نافذة أمل للمواطنين نحو الخارج، أصبح الاقتراب منه أو الحديث عنه أمراً خطير، وقد تجد نفسك داخل السجون السرية التي أنشأتها الإمارات داخل المطار، الذي تمارس فيه أبشع أنواع التنكيل والتعذيب الجسدي والنفسي، وتمتهن فيه كرامة المعتقلين والمخفيين قسراً، كما هو الحال مع الناشط المجتمعي علي حرمل، الذي لازال يقبع داخل زنازين السجون بعد رصده لوقفة احتجاجية لذوي المعتقلين والمخفيين أمام بوابة المطار وغيره المئات يتعرضون للانتهاكات.
تنديد المنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان إزاء تلك الانتهاكات المروّعة التي يتعرض لها المعتقلين والمخفيين داخل السجون السرية لم يصل إلى المستوى المأمول، من خلال الضغط دولياً لإنهاء ملف السجون السرية ومحاسبة المشرفين عليها، والإفراج عن المعتقلين بعد صدور قرار النيابة القاضي بالإفراج عن العشرات، وهو ما عرقلته الإمارات في انتهاك صارخ لسيادة القضاء اليمني.
الضغط الدولي
يقول القيادي في «الحراك الجنوبي»، عبد الله اليهري، إذا وضعت الحرب أوزارها واتخذت الأمم المتحدة قراراً بوقف العمليات الجوية وفك الحصار الجوي والبحري على اليمن، هناك ستكون الاستجابة والضغط الدولي لفتح كافة المطارات اليمنية والموانئ التي يسيطر عليها الاحتلال الإماراتي.
ولفت اليهري خلال حديثه لـ«العربي» إلى أن «السلطة المحلية ليس بيدها قرار، ولا أي مسؤول يستطيع الدخول مباشرة للمطار إلا بأذن من المندوب السامي الإماراتي».
وكشف عن «وجود خبراء أجانب وعرب داخل مطار الريان الذي تبلغ مساحته ما يقارب 21 كيلو متراً، حيث تم تحويله إلى ثكنة عسكرية ولوجستية ضد حركة أنصار الله، والجماعات الإرهابية الأخرى».
الخوف من القمع
وأوضح اليهري، أن موقف الشارع والأحزاب السياسية ومجتمع القوى المدني، ضعيف للغاية بسبب الخوف من القمع والبطش والاعتقالات التي تمارسها القوات الإماراتية ضد من يطالب بعودة نشاط المطار مجدداً.
وأكد أن مطار الريّان «سيبقى معجزة القرن الحادي والعشرين في حضرموت إذا لم يتحرك الشارع الحضرمي بقوة، وهذا من أهم أسباب تأخير فتح المطار»، أما ضعف السلطة المحلية فمردّه إلى «أنها أداة من أدوات الاحتلال الإماراتي»، متسائلاً «ماذا تنتظر من السلطة وهي لم تستطع رفع النفايات من الشوارع؟ فكيف لها أن تضغط على القوات الإماراتية من أجل إعادة افتتاح المطار وهي تستلم مخصصاتها المالية كل شهر من قبل المندوب؟».
تبخّر الوعود
وفي ذات السياق، قال الصحافي عبد الجبار الجريري، إن «مسألة استمرار إغلاق مطار الريّان للعام الثالث على التوالي، ألقت بظلالها على كاهل المواطنين، ومع ذلك منذ اليوم الأول لإغلاقه سمعنا تصريحات من جميع المسؤولين الحضارم، بما فيهم رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر، بل وحتى الرئيس هادي، وعد خلال زيارته لحضرموت عام 2017، بأن مطار الريّان سيعود للعمل في يناير، ومع ذلك ذهبت هذه التصريحات وتبخّرت، ولم نرَ لها أي ترجمة عملية على أرض الواقع».
وعبّر الجريري، خلال حديثه لـ«العربي»، عن أسفه أن «يبقى المواطن الحضرمي ضحية لكل هذه التصريحات ويعاني في نفس الوقت من عدم تشغيل مطار الريّان»، موضحاً أن المواطنين «باتوا يخشون حتى من مجرد الحديث عن مطار الريّان، لما لهذا الاسم من ارتباط بالسجون السرية التي تم إنشاؤها داخل المطار من قبل القوات الإماراتية».
ولفت إلى أنه «إذا شعر المسؤولون بجدية المواطنين في مطالبتهم بفتح الريان، فإن ذلك سيشكل ضغط قوي، قد يدفع السلطات بالإسراع في عملية إعادة الريان للعمل من جديد»، مشيراً إلى أهمية الضغط الشعبي والإعلامي للمطالبة بفتح الريّان، مستدركاً «لكن الوضع الاقتصادي وغياب الخدمات الأساسية في حضرموت أشغلت المواطن عن مطار الريّان وغيره من القضايا التي تحتاج إلى ضغط شعبي لتحقيقها».
القرار مسلوب
الناشط عمر باعوم، أوضح أن «الجميع يدرك بأن مطار الريّان وكافة مفاصل البلاد بات يتحكّم بها مندوبان غير ساميين، المحتل الإماراتي والسعودي، وكافة الجهات المحلية مجرد أدوات منزوعة الإرادة والسلطة».
وأشار باعوم، خلال حديثه لـ«العربي»، أن «سبل الضغط والتصعيد لانتزاع مطار الريّان من القوات الأجنبية معروفة للجميع، ولكن ما زال الخوف القمع والتنكيل والتعذيب، مسيطراً على بعض العقليات في حضرموت خاصة والجنوب عامة».
من جهته، أكد الناشط وهبي الجريري، أن التصريحات المعلنة عن عودة مطار الريّان للخدمة، هي «مجرّد تضليل على أبناء حضرموت منذ تولي المحافظ بن بريك، ويستمر هذا التضليل في فترة المحافظ البحسني»، مشيراً إلى أن «المواطنين أصابهم اليأس من وعود السلطات المحلية».
ودعا الجريري، خلال حديثه لـ«العربي»، أبناء حضرموت إلى «تنظيم برنامج واضح لتنظيم وقفات احتجاجية سلمية يشارك فيه كل الطيف السياسي والثقافي والشعبي الحضرمي ترفع شعار حضرموت ومصالحها فوق الجميع»، وقال «لقد تعبنا من التنقل إلى سيئون من أجل السفر بغرض تلقي العلاج في الخارج عبر المطار الدولي، وهناك مطار الريّان الدولي لا يبعد عنا سوى دقائق، مغلق لأسباب لحد الآن غير مقنعه لأبناء حضرموت».
معاناة
بدوره، أشار الناشط أبراهيم الجفري، إلى أن «الاحتلال الإماراتي لا يأبه بما يعانيه أبناء حضرموت والمحافظات المجاورة من تبعات إغلاق مطارهم الوحيد، حيث باتوا يقطعون مسافة يوم ونصف إلى يومين للوصول إلى مدينة صلالة العُمانية للسفر للخارج أو السفر إلى مدينة سيئون».
وأوضح الجفري، خلال حديثه لـ«العربي»، أن «الأصوات المطالبة بفتح المطار ارتفعت بين الحين والآخر، ويخرج أذناب الاحتلال يصرّحون، وبالتاريخ، حول موعد الافتتاح، وكأنهم يبنون مطاراً جديداً»، معتبراً ذلك أنه «نوع من الاستهتار بمشاعر الشعب، وبيع الوهم والأكاذيب للمواطنين».
وبيّن الجفري، أن «الإمارات لا تريد التخلي عن المطار بعد أن حوّلته إلى ثكنة عسكرية ومعتقل سيء الصيت، ولموقعه الهام المطل على البحر، والذي تستخدمه للوصول لبوارجها البحرية، وهو ما جعلها تمنع الصيّادين من دخول البحر للاصطياد الذي كانوا يكسبون منه قوت أطفالهم».
مناصرة
في إطار الضغط المجتمعي لإعادة نشاط مطار الريّان الدولي، نظّمت ورشة عمل، في مدينة المكلا بمشاركة عدد من الفنانين والمبدعين في مجال التمثيل المسرحي والرسومات التشكيلية والشعراء والمصورين، باعتبارهم جهة فعّالة ولها تأثيرها في المجتمع لإيصال رسالة قوية وواضحة من خلال إقامة فعاليات هادفة وأفلام وثائقية قصيرة تحكي عن معاناة المواطنين ومطالبتهم بفتح مطار الريّان الذي أغلق منذ سيطرة تنظيم «القاعدة».
كما ناقشت الورشة أبرز القضايا التي يعاني منها المواطنون بسبب إغلاق المطار، منها عدم مراعاة المرضى الذين يتطلب منهم السفر إلى بعض الدول المجاورة لتلقي العلاج، ومعاناة طلاب الجامعات من أبناء الساحل الذين يواجهون صعوبة ومشقّة أثناء سفرهم وعودتهم عبر مطار سيئون الدولي، علاوة على الخسائر الاقتصادية.
(العربي)