من يقف خلف حرائق خزانات النفط في «مصافي عدن»؟
الجنوب اليوم | رشيد الحداد
لم تخمد شعلة مصافي عدن طيلة 6 عقود من زمن، وعندما انطفأت بفعل الحرب والحصار وتوقف إنتاج النفط مطلع الربع الثاني من العام 2015م، تكالبت عليها مراكز القوى المحلية والخارجية، ومرت بعملية إنهاك ومن ثم محاولات إجهاز واستحواذ.
فالمصافي تواجه عملية تدمير ممنهجة بدأت بالسيطرة على ميناء الزيت وإفراغه من مهامه، مروراً ببيع أصوله من ناقلات وأراضي، ومن ثم إشعال الحرائق في خزاناته، المصفاة الرئيسية.
كل ذلك لم يكن طبيعياً بل عملاً مدبراً تقف وراءه مراكز قوى محلية وخارجية التقت أطماعها في مصفاة عدن، التي يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1954م، من قبل «شركة الزيت البريطانية»(BP) بطاقة إنتاجية 170 ألف برميل في اليوم، 8.5 مليون طن متري سنوياً. وبعد عدة أيام من الكشف عن خطة لخصخصة المصفاة وبيعها لمراكز نفوذ اقتصادية مقربة من الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الجنرال علي محسن الأحمر، في ظل وجود منافسة إماراتية لتدمير المصفاة أو الحصول على حصة من أصولها، اندلعت الحرائق في المصافي.
من أحرق خزانات النفط ؟
الكثير لا يزال يبحث عن المستفيد من إشعال الحرائق في مصفاة عدن التي يصل عمرها 64 عاماً، هل الإمارات التي تعمل على تدمير المصفاة والتي سيطرت على ميناء الزيت الذي كان أحد مرافق المصفاة منذ تأسيسها في خمسينيات القرن الماضي، وأوقفت منشأة تموين السفن والناقلات البحرية منذ عامين؟ أم أنه تاجر النفط الكبير أحمد صالح العيسي وشريكه الجديد جلال هادي، واللذين حوَّلا المصفاة إلى مخزن خاص بالمشتقات النفطية التابعة لهما. ثم ما سبب اندلاع الحرائق في خزانات المصفاة ليومين متتالين؟ هل أنه لطمس معالم فساد كبير؟ خصوصاً وأن المصفاة تشهد عملية تحديث وصيانة من قبل شركة صينية وخبراء أجانب. أم أن إشعال الحرائق ضربة استباقية لكافة المساعي المحلية والأجنبية الهادفة إلى إعادة انتاج النفط والغاز من حقول النفط اليمني في شبوة وحضرموت، والواقعة تحت سيطرة الإمارات، والتي لو عادت إلى العمل فإن شعلة المصافي المنطفئة منذ أربع سنوات ستعود من جديد، خصوصاً وأن المصافي تغطي احتياجات اليمن من المشتقات النفطية من نفط مأرب الخفيف منذ عقود زمنية، وكانت تستقبل قبل الحرب اكثر من 1.5 مليون طن من النفط الخام شهرياً من خام مأرب .
تجاهل الحرائق
اندلاع الحرائق في خزانات الشركة كان مساء الجمعة بغطاء اندلاع اشتباكات مسلحة بين تيارين مسلحين مواليين لـ«التحالف» بالقرب من الخزانات النفطية، ولكن الحريق عاد من جديد بعد الإعلان عن إخماده، من دون ذكر الأسباب، يضاف إلى أن «التحالف» ممثل بالإمارات، التي تعد الحاكم العسكري لعدن، لم تتحرك لإخماد الحرائق، فيما تجاهلتها السعودية التي تمتلك إمكانيات ضخمة لإطفاء مثل تلك الحرائق التي خرجت عن سيطرة عمال المصافي.
فبعد اندلاق الحريق مساء الجمعة، سارعت وسائل إعلام «التحالف» إلى تغطية الجريمة باتهام الطيران المسير لحكومة «الإنقاذ» باستهداف المصافي، إلا أن متحدث قوات «الإنقاذ» العميد يحيى سريع سارع إلى النفي، ليؤكد أن «لا علاقة لصنعاء بحريق خزان نفط في مصافي عدن، وأن الطيران المسير لم يصنع لاستهداف مصالح وطنية»، لتعترف بعد ذلك «مصافي عدن»، ووزارة داخلية الرئيس عبدربه منصور هادي بأن «الحريق الذي اندلع في أحد الخزانات الصغيرة، كان يحتوي على بقايا مشتقات نفطية ناتج عن عمل جنائي».
قبل الخصخصة
الحريق جاء بعد عدة أيام من كشف أحد كبار مهندسي المصفاة عن وجود نوايا حكومية لخصخصة المصفاة، وبيعها لتجار نفط، ووفقاً للمصدر فإن نقابة عمال وموظفي المصفاة اكتشفوا وجود مخطط لبيع المصفاة من قبل أطراف حكومية وغير حكومية، ولكنها وقفت لهم بالمرصاد، فعبرت عن رفضها المطلق لذلك الاتجاه.
ووفقاً لأحد مسؤولي النقابة العمالية في المصفاة، فإن «هناك تعمد لإبقاء المصفاة خارج الجاهزية، والدليل على ذلك عدم إصلاح البابور في المصافي طيلة أربعة أعوام».
قبل عدة أيام من اندلاع الحرائق التي كانت بفعل فاعل، هدد عمال وموظفو مصفاة عدن بالإضراب الشامل عن العمل، وطالبوا قيادة «شركة مصافي عدن» بالتوضيح عن مستوى الإنجاز في تحديث المصفاة، والذي قالت الإدارة إنه سوف يشمل عدة أقسام في المنشأة النفطية.
ومن خلال بيان حصل «العربي» على نسخة صادرة منه في الـ8 من الشهر الجاري، تبين أن عمال وموظفي المصافي البالغ عددهم 3.000 عامل وعاملة، لا يعلمون ماذا يجري في المصفاة ولا إلى أين وصلت عملية التحديث في مختلف الأقسام، وبالذات في محطة الطاقة، حتى يكونوا على اطلاع بما يجري في داخل المصفاة.
خزانات مؤجرة
بعدما كانت قدرات وإمكانات «شركة مصافي عدن» توصف بـ«الإمبراطورية المالية»، أصبحت اليوم على وشك الإفلاس، بل اضطرت إلى تأجير خزاناتها الكبيرة لتاجر النفط العيسي، وفق صفقة مالية يكتنفها الغموض. بل تعرضت أراضيها للنهب بقوة السلاح في عدن خلال العام الماضي، ولا تزال عملية النهب لأراضي المصافي مستمرة من قبل قوات موالية للإمارات، من دون تدخل أي من الجهات التابعة الحكومة هادي في عدن.
فساد الديزل السعودي
مصادر في مصافي عدن «لم تستبعد وجود علاقة بين فساد شحنات النفط السعودية التي تقدر بـ 60 مليون دولار شهرياً، والتي ارتبطت ظاهرة حرائق خزانات النفط ابتداء بخزانات نفط الكهرباء الشهر الماضي لتغطية صفقات فساد، وصولاً إلى حرائق خزانات نفط مصافي عدن التي تستقبل تلك الشحنات النفطية السعودية من مادة الديزل».
العربي