من عدن إلى الغيظة… ملفات متراكمة لفضح جرائم «التحالف»
الجنوب اليوم – إسماعيل أبو جلال
حاول «التحالف» بقيادة السعودية والإمارات أن يوهم فئات واسعة من الجنوبيين بأهمية وجوده على الساحة الجنوبية طيلة الثلاث سنوات الماضية، خاصة الفئات المتضررة من فساد النظام السابق، ومن عناصره الممتدة في مفاصل حكومة عبدربه منصور هادي، إلا أن تلك الفئات سرعان ما فهمت الدرس وعادت إلى صوابها، بفعل ما فرضته الحقائق الماثلة أمامها، والمتمثلة بدعم قيادة «التحالف» لحكومة غير مؤهلة سوى لإدارة الفساد، والتنصل عن الحد الأدنى من مسئولياتها الوطنية، وتبنيها لقوى سياسية وعسكرية جنوبية موالية لمصالحها على حساب مصالح الجنوبيين، وقد بدأ ذلك واضحاً في التسيب الحكومي الكامل لمختلف القضايا والهموم المعيشية للمواطنين، وبقاء القوى السياسية والعسكرية الجنوبية مجرد عصا غليظة بيدها في مواجهة الجنوبيين، وقد صار ذلك ملموسا في ممارساتها للوظيفة الأمنية والعسكرية التي كانت سبباً في ملاحقة واختطاف المئات من الجنوبيين والزج بهم في سجون سرية تابعة لقيادة «التحالف»، مازال معظمهم حتى اليوم مخفيين قسراً، ولا تتوفر لأهاليهم أية معلومات عنهم، فيما تتوارد أنباء عن أن كثيرين منهم قد لقوا حتفهم داخل تلك السجون تحت التعذيب.
مناوئة سياسات «التحالف»
كل ذلك يحدث في ظل تدهور الأوضاع الأمنية، والتي كانت سبباً في ارتفاع عدد ضحايا الاغتيالات التي بلغت حصيلتها في السنوات الثلاث الماضية المئات من العسكريين وأئمة وخطباء المساجد والمثقفين المناوئين لسياسات «التحالف»، فيما كل تلك الجرائم ظلت تقييد ضد مجهولين، الأمر الذي أدى إلى تزايد حالة الرفض لوجود «التحالف»، وعبر الشارع الجنوبي عن ذلك في تعاظم المسيرات والوقفات الاحتجاجية أمام الثكنات العسكرية لقيادة «التحالف» في عدن، وأمام قصر الحكومة في معاشيق، وأمام وزارة حقوق الإنسان، وفي الساحات العمومية والمدارس والجامعات، وجميعها تطالب بالإفراج عن المعتقلين والإفصاح عن مصيرهم، وتؤكد رفضها للوجود الإماراتي والسعودي، وهو ذات الموقف الجماهيري لأبناء محافظة المهرة، الذين دخل اعتصامهم عامه الثاني، وتلازم مؤخراً بإعلان قيادة الاعتصام إمكانية البدء في المواجهات المسلحة إذا لم تسحب السعودية قواتها من المحافظة، وتخلي سبيل المعتقلين والمخفيين قسراً.
القتل بالتعذيب
توقف الجنوبيون، في الأسابيع الماضية أمام تقارير إخبارية لوكالات عالمية ومواقع صحفية عربية وأجنبية، تضمنت تصريحات صحفية لمعتقلين ومخفيين قسراً تم نقلهم من السجون السرية الإماراتية إلى سجن بير أحمد، الواقع تحت سيطرتها في محافظة عدن، ذكروا فيها أشكال التعذيب الذي ظلوا يتلقونه، طيلة العامين الماضيين، وأكدوا أن كثيرين منهم قد لقوا حتفهم نتيجة للتعذيب المستمر، ومنهم زكريا أحمد قاسم، عضو المجلس المحلي في مديرية المعلا، والتربوي والناشط الاجتماعي المعروف، والذي ظل مخفيا منذ عامين ويتلقى صنوف التعذيب مع مئات غيره في سجن سري، ملحق بمنزل شلال شائع، مدير أمن عدن، والذي تم تعينه في هذا المنصب بفعل ضغوط مباشرة من الإمارات، ويعتبر من أهم أذرعتها في المحافظة.
كما تناقلت أخبار تحدثت عن المصير ذاته للمعتقل والمخفي قسرا ناصر الكلدي، والمختطف عوض علي عبد الحبيب وولده، الأمر الذي أكد حقيقة ما يعتمل داخل السجون السرية التابعة للإمارات من أساليب بشعة، استدعت مزيد من التفاعل مع الوقفات الاحتجاجية التي ظلت تدعو إليها رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسراً.
اللجوء للمحاكم الدولية
وفي زيارة «العربي» إلى مدرسة الحمزة في المعلا بمدينة عدن، التي شهدت فعالية طلابية، منددة بالسجون السرية وبشاعة التعذيب الذي تقوم بها القوات الموالية للإمارات، والذي أدى إلى مقتل العديد من المعتقلين، تحدثت إلى «العربي» الأستاذة صفية الردماني، قائلة، «هذه الفعالية دعا إليها طلاب وطالبات الأستاذ زكريا أحمد قاسم، وحضرنا من مدارس المعلا والتواهي والقلوعة وغيرها من مديريات عدن، لنعبر عن استنكارنا الكبير لما يحدث لأهلنا وإخواننا في السجون السرية الإماراتية من اختطافات وإخفاءات قسرية وتعذيب حتى الموت».
وأشارت، إلى مستقبل الوقفات الاحتجاجية، قائلة، «أنا وغيري حضرنا هذه الفعالية الاحتجاجية لنعبر عن موقفنا الوطني والإنساني مع أسر المعتقلين والمخفيين قسرا في السجون السرية التابعة للإمارات، ونؤكد أننا في الأسابيع القادمة سنزيد من وتيرة وقفاتنا، وسندعو إلى اعتصام مفتوح، لنحمي أبنائنا من القتل تحت التعذيب».
وأضافت الردماني، «كما أننا نعمل باتجاه إيصال ملفات المعتقلين وكل الوثائق إلى اللجنة الحقوقية المشكلة من محاميين متبرعين لرفع القضية ضد الإمارات وعملائها أمام المحاكم الدولية، بعد أن وصلنا إلى طريق مسدود في الداخل».
«عتاب» المهرة
من جهتهم مازال أبناء مديرية عتاب بمحافظة المهرة، منذ منتصف الأسبوع الماضي ينفذون وقفة احتجاجية في محيط معسكر سعودي على امتداد ساحل المديرية، تنديدا بقرار السلطة التنفيذية والحكومة ضد علي عبد الله بن عفرار مدير مكتب حقوق الإنسان في المحافظة، حيث أصدر المحافظ سعيد باكريت، قرارا بتوقيف بن عفرار عن عمله، على خلفية التقرير الحقوقي الذي أصدره يوم الأحد 20 من الشهر الجاري، وكشف فيه الانتهاكات السعودية في محافظة المهرة، والمتمثلة في شراء الذمم والولاءات، ودعم الجماعات المسلحة، كما أوضح التقرير أن السعودية أنزلت كميات كبيرة من السلاح بمطار الغيظة وميناء نشطون وحرمت الأهالي من استخدامهما، لافتا إلى أنها حولت المطار والميناء إلى ثكنات عسكرية.
وأكد التقرير: «أن القوات السعودية رفضت السماح للنيابة العامة أو أية جهة رسمية بزيارة مطار الغيضة لتقصي الحقائق».
وأضاف: أن «تلك القوات استقدمت جماعات متشددة من مديرية قشن ومدتهم بالمال والسلاح، كما أدخلت السلاح إلى المهرة ومدته إلى جماعات مشبوهة، ناهيك عن استقدامها قوات غير يمنية ومنعها أبناء المحافظة من الالتحاق بالقوات العسكرية الأمنية».
وقد برر محافظ المهرة قرار إقالة بن عفرار، بأنه كان وراء إصدار تقرير حقوقي «غير صحيح»، وأنه يستهدف دول «التحالف»، ليأتي بعدها قرار وزير حقوق الإنسان محمد عسكر، بإحالته إلى التحقيق.
إلى ذلك تحدث إلى «العربي» الصحفي مختار الوليدي، قائلاً، «تضمن التقرير حقائق لا يمكن تغافلها، واعتقد أن التعامل معه بهذه الطريقة، سيستدعي تدخل منظمات حقوقية دولية، وسيؤثر ذلك على مستقبل الوجود السعودي في المحافظة».
تطويق معسكر سعودي
ويرى مراقبون أن تعامل السلطة المحلية ووزارة حقوق الإنسان مع تقرير مكتب الوزارة في المحافظة، يؤكد مدى سلبية الحكومة وموقفها الحريص على وجود القوات السعودية على حساب استقرار أبناء المحافظة، خاصة أن تلك القوات تحتفظ بسجون سرية في المطار والميناء، وضيقت على المواطنين في مصادر رزقهم سواء في الرعي أو الصيد، ناهيك عن كثافة نقاط التفتيش التي شكلت أذى لا يطاق، وكان كل ذلك من الأسباب التي زادت من إثارة حفيظة أبناء المهرة، فتداعوا إلى مركز مديرية عتاب الساحلية، رافعين العلم اليمني، وهم يطوقون المعسكر السعودي القابع على ساحل المديرية، وكان قد وصل في صبيحة الخميس 24 من الشهر الجاري إلى ساحة الاعتصام الشيخ علي سالم الحريزي، وكيل المحافظة السابق، وأبرز القيادات المنظمة، والقي في المعتصمين خطاباً، أكد فيه على أن «أبناء المحافظة سينتقلون إلى مواجهة المحتل السعودي بالسلاح، إذا لم ترحل قواته عن أرضهم».