تحقيق للجزيرة: محرقة الطفولة اليمنية على الحدود السعودية
الجنوب اليوم | الجزيرة نت
“درس إلى الإعدادية ثم ترك الدراسة واتجه للعمل، ثم فاجأنا بتصميمه على الذهاب إلى البقع”. هكذا بدأ والد محمد حديثه عن ابنه ذي الـ15 ربيعا، الذي اختفى فجأة، ليعلم في نهاية المطاف أنه غُرر به للقتال ضد جماعة الحوثي من أجل المال.
على الحدود اليمنية السعودية جرى الترويج لمنطقة جغرافية تسمى البقع، تدور فيها معارك طاحنة بين جماعة الحوثي والتحالف السعودي الإماراتي وجيش “الشرعية”.
تبعد هذه المنطقة نحو 150 كيلومترا عن صعدة ومئة كيلومتر عن نجران، وهي أحد المنافذ البرية التي تربط بين اليمن والسعودية.
كل يوم يقتنص السماسرة فرصة للتغرير بأطفال، دفعهم شظف العيش لترك ذويهم وحمل السلاح دفاعا عن حدود المملكة العربية السعودية من التقدم الحوثي تجاهها. يضيف والد محمد “خرج لعدن، واتصل علينا من هناك ثم غادرها، ومنذ خمسة أشهر لم نسمع عنه خبرا ولا ندري أين هو”.
أطفال يمنيون يقفون على ركام منزل دمرته الحرب في الساحل الغربي لليمن (الجزيرة نت) |
أما والد أحمد النقيب (طفل آخر خاطر بحياته من أجل المال)، فيقول: “تبدأ السمسرة من السواق، أو بعض الناس الذين يستقطبون عددا من الأشخاص، ثم يرتبون الاتصال مع أحد الباصات، ويتولى الإنفاق عليهم إما السمسار أو سائقو الباصات، ثم يوصلونهم إلى منطقة المعارك بعد أن يجمعوا الأوراق الثبوتية، ويسلموها لأحد الأشخاص، ويستلمون عن كل طفل خمسمئة ريال سعودي (نحو 133 دولارا)، ثم يستلم الطرف الثاني ألف ريال سعودي (نحو 266 دولارا) ويسلمهم لطرف ثالث، مع احتجاز الأوراق الثبوتية التابعة للمجموعة، وهو بدوره يستلم عن كل شخص 1500 ريال سعودي (أربعمئة دولار)، ثم يزج بهم في المعارك بعد ذلك”.
محمد علي محمد الحميد واحد من عشرات الأطفال، الذين غامروا بحياتهم مقابل لقمة العيش، فقريته الصغيرة عرفت خروج عدد من أقرانه خلال فترة زمنية وجيزة، حسب ما أكده والد محمد، الذي عدّد أسماء عدد ممن ذهب منهم.
ويقول توفيق الحميدي من منظمة سام لحقوق الإنسان إنه “لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المدنيين والأطفال في تلك المعارك بسبب عدم قدرة المنظمات الدولية على الوصول إلى تلك الجبهات، لكنهم يقدرون بالآلاف”.
حياة مقابل المال
يقتاد السماسرة أطفال اليمن إلى منطقة البقع، من أجل حماية حدود المملكة مقابل حفنة من المال تتراوح بين 1500 و3000 ريال سعودي، بعد أن يصبح جنديا وهميا في صفوف التحالف السعودي الإماراتي وجيش الشرعية.
يلجأ عدد من الأطفال للانخراط في الحرب نتيجة الفقر والحاجة (الجزيرة نت) |
ويؤكد أهالي القرية أن الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اليمن بسبب الحرب؛ دفعت الجميع للبحث عن مصدر دخل مهما كان الثمن، وتحت ضغط الحاجة يتسابق الأطفال والشباب إلى اتخاذ قرار المخاطرة.
ينهي والد محمد حديثه مع الجزيرة موضحا أن الناس يذهبون إلى البقع لأنهم يحصلون على مردود مادي يعيلون به أسرهم، خاصة مع عدم توفر الأعمال وتخريب كل شيء والحصار المفروض علينا، يضطر الناس بعد ذلك إلى الذهاب للبقع وبيع أنفسهم”.
رحلة الموت
من مدينة تعز في رحلة برية تستغرق أياما عبر حافلات السماسرة، لم يهرب محمد وحده، بل هرب أحمد النقيب أيضا، في رحلتين منفصلتين، وكلاهما لم يتجاوز 16 عاما، وذلك من خلال مسارات وطرق بعيدة عن سيطرة الحوثيين، متجهيْن إلى منفذ الوديعة الحدودي مع السعودية.
غير أن أحمد النقيب اكتشف الخديعة، واختار الفرار قبل أن يقتل في إحدى المعارك، وحاول العودة إلى تعز، لكن الموت هذه المرة كان في انتظاره، إذ أصيب برصاصة في الرأس، من سلاح منفلت أنهى نضاله من أجل الحياة في يمن حوله تجار الحرب إلى مقبرة.
أحلام تبددها الصواريخ
عندما يبلغ الطفل اليمني 15 عاما، ويكون طالبا في الصف التاسع، تمنحه المدرسة رقم جلوس كبطاقة تعريفية تسمح له بدخول منفذ الوديعة، وإذا لم يكن بحوزة الطفل رقم جلوس فتصدر له بطاقة عسكرية غير رسمية، وهذا ما شجّع السماسرة على المتاجرة بأطفال تركوا مقاعد الدراسة بحثا عن عمل.
صحف أجنبية أشارت إلى تجنيد السعودية آلاف الأطفال اليمنيين |
وتمكنت الجزيرة في هذا التحقيق من الحصول على فيديوهات حصرية، تثبت وجود الأطفال في تلك الأماكن، وتحديدا جبهتي البقع وكتاف الحدوديتين مع السعودية.
ويشرح لنا والد أحمد النقيب كيف تم استقطاب ابنه للقتال على الحدود اليمنية السعودية، حين أغروه بالعمل في الطباخة، وهو لا يعرف الطبخ، وحين وصل للحدود اليمنية السعودية زجوا به في المعارك.
الجندي السعودي باهظ الثمن
لم تتمكن السعودية من حماية حدودها من هجمات الحوثيين، فلجأت لتجنيد المدنيين والأطفال بطرق ملتوية من داخل وخارج اليمن، وتوظيفهم للدفاع عنها في البقع وكتاف وعلب وباقي المنافذ الحدودية للمملكة العربية السعودية.
لماذا تستعين السعودية بمقاتلين يمنيين بدل الاعتماد على جنودها في حماية الحدود؟ سؤال كبير يجيب عنه موقع وزارة الدفاع السعودية؛ ففي حال قتل الجندي السعودي، تمنح مساعدة عاجلة لأهله بقيمة مئة ألف ريال، ويصرف لأسرته تعويض بقيمة مليون ريال سعودي، إضافة إلى التزامات أخرى تتكفل بها الحكومة السعودية.
هنا يبدو من المنطقي أن تزج السعودية بمرتزقة يتم شراؤهم بثمن بخس لرميهم في الصفوف الأولى من الجبهات، دون تدريبهم وتأهيلهم. فما دام الجندي السعودي باهظ الثمن كان لزاما عليهم إيجاد بديل أرخص قد لا يكلف 15 ألف ريال.
سؤال الأخلاق
صادقت السعودية على البروتوكول الخاص بعدم إشراك الأطفال في الحروب عام 2011، لكنها اتهمت مؤخرا بتجنيد أطفال من دارفور، واستغلال حاجة الفقراء في حربها على اليمن، واليوم تجند السعودية الأطفال اليمنيين بطرق خفية للدفاع عنها.
المصدر : الجزيرة