هل يشرعن مجلس النواب اليمني أطماع السعودية في المهرة؟
الجنوب اليوم | تقرير – أحمد باعباد
لا يكاد يخفى على المتابعين للشأن اليمني تدخلات قطبي التحالف العربي “السعودية والإمارات” في كل تفاصيل الشأن السياسي والعسكري للبلاد منذ إعلان الحرب ضد حركة أنصار الله “الحوثيين” في مارس 2015م، وإصرار المملكة العربية السعودية مؤخراً على عقد جلسة مجلس النواب اليمني المنتهية ولايته المقرر عقدها في مدينة سيئون كبرى مدن وادي حضرموت في الأيام المقبلة.
لم تكترث السعودية التي تقود التحالف العربي للرفض الشعبي والسياسي لعقد جلسة مجلس النواب في المحافظات الجنوبية من قبل بعض المكونات السياسية في الجنوب الحليفة للرياض وأبوظبي، بل تحدت الرياض تلك الإرادة الشعبية وأرسلت لواء عسكري ميكانيكي وصواريخ باتريوت بالإضافة إلى عشرات الجنود لحماية جلسة مجلس النواب الذي يحتدم الصراع فيه على الرئاسة.
ويرى مراقبون أن إصرار الرياض على عقد جلسة مجلس النواب في مدينة سيئون وليس العاصمة والذي يعد مخالفاً للوائح مجلس النواب، فضلاً انتهاء ولايته القانونية تهدف من خلاله إلى اخراج تشريعات تشرعن أطماعها الاقتصادية في محافظة المهرة التي تسعى إلى تنفيذها برغم الرفض الشعبي لتلك الأطماع في المهرة.
عقبة المهرة
رغم التصعيد العسكري للمملكة العربية السعودية في المهرة منذ دخولها المحافظة في أواخر عام 2017م وسيطرتها على ميناء نشطون ومطار الغيظة المدني الذي حولته إلى ثكنة عسكرية ومقراً لقواتها، لم تستطع الرياض تحقيق أطماعها في محافظة المهرة وتحاول اليوم اخراج تشريعات عبر مجلس النواب لشرعنة أطماعها في المحافظة.
محافظة المهرة شرق البلاد ظلت بعيدة عن تواجد أي جماعات إرهابية كالقاعدة وتنظيم “داعش”، فضلاً عن عدم أي تواجد عسكري لحركة أنصار الله “الحوثيين التي تقاتلها السعودية، وتعتبر المهرة من المحافظات التي لا تصلها أي صراعات منذ زمن طويل.
أطماع السعودية قوبلت برفض شعبي واسع في المهرة واعتصامات سلمية تزعمها الشيخ “علي سالم الحريزي” الذي أقيل من منصب وكيل المحافظة على خلفية مواقفه الرافضة لأطماع السعودية في المهرة.
الرياض حاولت مرات عدة إلى إنهاء الاعتصام السلمي الرافض للتواجد العسكري الغير مبرر في محافظة المهرة، وعرضت على الشيخ “علي سالم الحريزي” عروض وإغراءات خيالية مقابل فض الاعتصام السلمي وقوبلت كل تلك العروض بالرفض حتى تحقيق مطالب المعتصمين والنقاط الست التي أخلت بها السعودية بعد الاتفاق عليها مع المعتصمين.
بعد فشل السعودية في اقناع المعتصمين لجأت إلى الإعلان عن مشاريع لإعادة الاعمار في محافظة المهرة التي لم تصلها الحرب وتركت المحافظات التي دمرتها الحرب ولم تعيد اعمارها، ووتعتبر تلك المشاريع التي لم يتنفذ منها شيء وسيلة للسعودية للسيطرة على المحافظة لكن تلك الوسائل والذرائع أيضاً فشلت ولم تلقَ قبول في المحافظة.
إلى ذلك دعا عضو اللجنة الإعلامية لاعتصام المهرة السلمي “أحمد بلحاف” مجلس النواب اليمني الذي سيعقد جلسته في مدينة سيئون في الأيام المقبلة بأن يكون مُمثلاً لتطلعات الشعب لا مُشرعن لأي مشاريع تخدم أجندات الدول الخارجية. مشيراً على أعضاء مجلس النواب أن يعوا جيداً أن مصدر شرعيتهم أولاً وأخيراً الشعب وليس الخارج.
عقد الجلسة يشرعن أطماع السعودية
في تعليقه على عقد جلسة مجلس النواب في مدينة سيئون وبحماية السعودية، قال الكاتب السياسي “صلاح السقلدي” أن الغرض من عقد جلسة مجلس النواب اليمني وفي حضرموت بالتحديد ليس لإحياء دوره السياسي كمؤسسة سياسية ودستورية وأن كانت القوى الحزبية فيه ستوظف هذا اللقاء توظيفا سياسيا مخادع، فالسعودية التي تدفع بشدة نحو عقده لا تعترف أصلاً بشيء أسمه برلمان ولا انتخابات ناهيك عن ديمقراطية من أساسه.
وأضاف السقلدي، أن مجلس النواب يُــراد له أن يكون مجلس مشرعن قانونياً -أو بمعنى أوضح محللا شرعياً- لاتفاقيات اقتصادية – وغير اقتصادية – بين السعودية والشرعية منها الإطلالة النفطية السعودية على بحر العرب عبر محافظة المهرة كنافذة قريبة ومختصرة صوب أسواق النفط وغيرها من الأطماع يتم قد يتم تمريرها على حين غفلة من الزمن مستفيدة أي السعودية من الظروف الاستثنائية ، غرار اتفاقيات الحدود اليمنية السعودية عام2000م بعد ظروف حرب 94م، حتى تأخذ هذه الاتفاقيات اليوم السند القانوني والشرعي لها، خصوصاً وأن كل الأحزاب الممثل بالمجلس -على اختلافاتها وخصوماتها الدموية- ما تزال تجمع على شرعيته.
وأشار السقلدي، إلى أن السعودية تخطيط لهذا قبل أية تسوية سياسية شاملة، حيث سيكون من الصعوبة بمكان بعد ذلك تمرير ما يتم يُـــخطط له ، ولكن هكذا خطوة خطيرة في حال أن تمت ستمثّــل هجمة تصعيدية ، وتصرف طائش سيصبّ مزيداً من الزيت على جمر نار هي مضطرمة بشدة، وستعمل على تعقيد الوضع المعقد وتأزيم الأوضاع أكثر مما هي متأزمة.
من جهته قال الكاتب “عبدالله” اليهري” أن أهداف السعودية امتداد لأطماعها السابقة في المنطقة ومحافظة المهرة هي جزء من مخطط توسعي لها.
وأشار اليهري، أن السعودية كانت تستطيع عقد جلسة النواب في “الرياض” لكنها تريد أن تأخذ الشرعية الدستورية من داخل اليمن عبر مجلس النواب من اجل تحقيق أهداف استراتيجية تضاف إلى أطماعها السابقة.
ولفت “اليهري” إلى أن السعودية تسعى إلى خنق سلطنة عُمان وتجعلها بين فكي “الرياض وأبوظبي” عبر السيطرة الكاملة على محافظة المهرة وحضرموت بحراً وجواً وبراً.
ما هي أطماع السعودية في المهرة؟
منذ قيام المملكة العربية السعودية في ثلاثينات القرن الماضي وهي تحلم في كيفية الحصول على اطلالة على البحر العربي. تحدث تقرير لمركز “أبعاد” اليمني للدراسات، عن أن الرياض تسعى إلى “إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، وهو الحلم الذي ظل يراود السعودية للتنفس جنوباً عبر المحيط الهندي من دون قلق من تهديدات إيران حول مضيق هرمز”.
وتابع تقرير مركز ابعاد أنه “بعد خمس سنوات من تحويل محافظة خرخير (تابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية) إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها، يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة”.
وأضاف التقرير: “بقراءة واقعية لدراماتيكية الحرب في اليمن، فإن التحالف العربي لا يبحث عن انتصار سهل وسريع في اليمن، وإنما يريد أن يحقق مصالح استراتيجية، على رأسها منع نشوء دولة يمنية قوية منافسة إقليمياً في المنطقة”.
وتُعدّ الأطماع السعودية المفترضة في الشرق اليمني، غير جديدة في الواقع، إذ كانت أحد أسباب عدم استقرار العلاقات السعودية – اليمنية على مدى العقود الماضية.
مشروع القرن
لا ينحصر الحديث حول المشروع السعودي في شرق اليمن، بميناء نفطي وأنبوب يمر عبر اليمن، بل يصل إلى “قناة بحرية”، وهو ما أطلقت عليه مجلة “المهندس”، الصادرة عن الهيئة السعودية للمهندسين السعودية خلال العام 2015، اسم “مشروع القرن”. فيما قالت صحيفة “عكاظ”، في إبريل/نيسان 2016، إن السعودية أكملت “الخطوات الإجرائية لدراسة مشروع القناة البحرية، التي تربط الخليج العربي مروراً بالمملكة، إلى بحر العرب، للالتفاف حول مضيق هرمز، ما يمكّن المملكة من نقل نفطها عبر هذه القناة المائية الصناعية الأكبر في تاريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم”.
ونقلت الصحيفة عن المهندس عصمت الحكيم، الذي كشف فصول المشروع الأكبر العائد لدراسة في شركة الكهرباء السعودية، أن الفكرة تتمحور حول إنتاج الطاقة الكهربائية في مرحلته الأولى، ثم يتحوّل إلى مشروع متكامل تحت اسم “النهضة الثانية للمملكة”. وتتلخص “الفكرة الرئيسية في فتح قناة بحرية من بحر العرب، مروراً بالحدود العُمانية واليمنية، وتمتد إلى داخل المملكة في الربع الخالي ثاني أكبر صحراء في العالم، وتحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعودية، بمساحة 600 ألف كيلومتر مربع، وتمتد ألف كيلومتر طولاً، و500 كيلومتر عرضاً”. وتطرقت المجلة السعودية، حينها، إلى تفاصيل مثيرة حول مشاريع نووية وصناعية ضخمة تقوم في ضوء المشروع.
وفي ظل مختلف المعطيات التي تؤكد وجود أهداف اقتصادية واستراتيجية سعودية في شرق اليمن، تبرز التساؤلات عن السبب الذي يدفع الرياض للعمل على هذه الأهداف بغياب دولة يمنية قوية، وليس من خلال الدعم والتنسيق مع الجانب اليمني، إذا كان ذلك يعود بفوائد للطرفين. إلى جانب تساؤلات أخرى، وثيقة الصلة بالحرب الدائرة في اليمن، بما فيها محاولة تفسير السياسات السعودية بالإبقاء على الحرب في المناطق الشمالية وحتى الفوضى جنوباً في ظل حكومة يمنية ضعيفة، وما إذا يشكل الحوثيون بالفعل تحدياً عسكرياً يستدعي كل هذه السنوات من الحرب، أم أن بقاءهم ربما يغطي رغبة سعودية، في إعادة رسم الخارطة اليمنية، بما يحقق الأهداف الاستراتيجية – الخفية للحرب، وفقاً للمعطيات المذكورة سابقاً.