إستدعاء القاعدة إلى أبين .. للدفاع أم خلط الأوراق؟ (تقرير)
الجنوب اليوم | وكالات
قد يكون من السابق لأوانه التكهن بأسباب استحضار القاعدة في أبين مجدداً، لكن المعطيات تشير إلى أن العديد من القوى الجنوبية والخليجية تواقة الآن لعودة التنظيم بطرازه القديم. تؤكد ذلك استقالة قائدي الفصيل الموالي للإمارات في المنطقة الوسطى، علي المحوري وعلي المسهرجي.
كان هذان القياديان السلفيان، المحسوبان أصلاً على القاعدة، يخوضان قتالا ضد فصيل آخر مدعوم من السعودية، وقد سقط العشرات من أتباعهما خلال المواجهات والعمليات التي استهدفتهم في مودية والمحفد والوضيع ولودر، وحتى شقرة والخبر.
هما اعترفا بذلك في بيان الاستقالة. قالا إن التحالف أوقف الدعم عن قواتهما التي تنتشر في المديريات سالفة الذكر، والتي لا تزال تعد أبرز معاقل القاعدة، ولمحا أيضا إلى أن التحالف يسعى بذلك لتمكين القاعدة مجدداً.
فعلياً لم ينتهِ القاعدة، وإن تلاشى منهجه القديم. هو الآن جزء من منظومة الحكم في المحافظة التي يراها التنظيم أرض الميعاد بالنسبة لأنصاره. أوقف العمليات الارهابية والاغتيالات الفردية، لكن شريعته لا تزال تطبق في عموم مديريات المحافظة. لا تزال ثمة عقوبة قطع يد السارق ولو المسروقات لا تساوي ثمن قطرة دم واحدة. تنفذ أحكام عرفية صاغها التنظيم، وعلى مرأى ومسمع الجهات الحكومية، التي أصبحت تعمل كظل وغطاء لممارساته البشعة. تنفذ أحكام إعدام بدون حكم المحاكم. الجلد وغيره. من يدير المحافظة إذن؟ طالما والتحالف أشغل اليمنيين خلال السنوات الماضية بمسلسل عمليات ملاحقة التنظيم، والتي استدعى لها قوات أمريكية وإنزالاً جوياً وقصفاً بحريا؟
تجيب صحف أجنبية كالجارديان والاندبندنت البريطانية إضافة إلى الواشنطن بوست. هذه الصحف المهتمة بالجماعات الارهابية أجرت على مدى السنوات الماضية أكثر من تحقيق استقصائي. أرسلت وفوداً صحافية ومحترفين أجانب إلى مناطق القاعدة لتكشف بعدها عن كوارث إدارة التحالف لهذه التنظيمات.
تحدثت تلك الوفود عن سياسة التحالف في احتواء هذه الجماعات، التي مكنتها من الحضور في كافة المؤسسات الحكومية، بما فيها أجهزته الأمنية والعسكرية، تقول تلك المصادر. ونقلت عن ضباط إماراتيين اعترافهم بأن هذه السياسة هدفها عزل التنظيمات المتطرفة عن المجتمع والتوغل في عمقه. وتشير أيضا إلى أن التحالف دعم هذه التنظيمات ماليا وعسكريا وأوردت العديد من الشواهد، أبرزها كما تقول الصحف؛ تمرير مبالغ مالية من الإمارات إلى جناحها في التنظيم تحت مسمى “فدى لإطلاق أجانب” وقد وصلت بعض تلك المبالغ إلى أكثر من 20 مليون دولار، ناهيك عن استمراره دفع الجزية للتنظيم في شبوة وأبين وحضرموت.
تدعي الإمارات قتالها للقاعدة، لكن جميع الشواهد هنا تشير إلى أن القاعدة بالنسبة لها هم التيار الموالي للإخوان فقط، بينما التيار المتشدد الذي بايع “داعش” لا يزال محل ترحاب لدى القادة الإماراتيين الذين نجحوا فعلاً بضم العديد من قياداته إلى صفوف النخب والأحزمة.
أطلقت الإمارات سراح أبرز قادة التنظيم في يافع ويدعى خالد عبدالنبي، وقبله أبو سالم العدني وحلمي الزنجي، بعد أن خاضت ضدهما معارك عنيفة في المنصورة. كانت الامارات تتهم هؤلاء بأنهم أبرز زعماء “داعش”، لكن فجأة وبدون سابق انذار عادا لممارسة حياتهما كقيادات في “مجلس المقاومة الجنوبية” الذي أسسه هاني بن بريك والقيادي المستقيل من حزب الاصلاح نائف البكري.
كانت الإمارات بحاجة لقيادات تبقى في المجلس الذي أعلن بن بريك حله، وأصر البكري على بقائه على الأقل لضرب خصومها بحجة الإرهابيين.
تاريخيا، ما بدأ على شكل عناصر قليلة تطلق على نفسها القاعدة وبالكاد تنفذ اغتيالات فردية، شهدت تقلبات محورية كشفت عن وقوف أجهزة استخبارات دولية وراءها، فما كان في تسعينيات القرن الماضي مجرد عناصر مارقة هاجمت سفينة امريكية في خليج عدن؛ تحولت فجأة إلى وحش كاسر يشق بصوته العالم، ليس لكثرة عدده أو خطورته، لكن لأن المخرج أراد ذلك.
شكلت القاعدة إمبراطوريتها انطلاقا من أبين، لتصبح بعد ذلك زوبعة امريكا لاستدرار المال الخليجي لمكافحة الارهاب، لكن السعودية دفعت بعناصرها إلى داخل التنظيم ونجحت في التحكم بمصدر قراره، قبل أن تحوله مع الوقت من تنظيم إرهابي إلى لجان تقاتل التنظيم بقيادة عبداللطيف السيد، الذي تحول في عام 2016 إلى قائد للحزام الأمني المدعوم إماراتيا، وربما قد يصبح غداً قائداً لتنظيم جديد لا أحد حتى الآن يعرف هويته.
عودة تنظيم القاعدة بثوبه السابق ممكنة في ظل المعارك التي يخوضها الآن على تخوم أبين، وتحديدا في البيضاء، لكن الأخطر أن ينجح “داعش” في هزيمة القاعدة ليحل محلها، لا سيما في ضوء الدعم الذي تلقاه الأخير من التحالف، سواء، كما يقول الصحافي مجاهد السلالي، بنقل عناصره الاجنبية من الخارج أو بإسناده جويا بغارات استهدفت مواقع لتنظيم القاعدة في أبرز مناطق المواجهات.
أبين على موعد بائس آخر. هي الآن مسرح لتجارب التحالف على الفصائل الموالية له. فشلت لجان السيد في تنفيذ أجندته فحولها إلى حزام، وهو غير متأكد حالياً ما إذا كان الأخير قادراً على حماية أبين التي باتت قاب قوسين من السقوط بيد الحوثيين، خصوصاً بعد انهيار دفاعاته في الضالع. يحرك التحالف الآن الورقة الايديولوجية، فالقاعدة – كما تقول الواشنطن بوست – يجمعها بالتحالف البعد الايديولوجي وعناصرها يقاتلون من هذه الزاوية التي أكسبت التحالف زخماً في المعارك منذ 2015 هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن حكومة هادي قد تكون بإعادة نشرها للقاعدة هنا هدفاً آخر، وهو سحب بساط خصومها الذين انتشروا مؤخرا على خطوط التماس في هذه المناطق ويحاولون جر المعارك إلى أبين انتقاما للضالع.
هي تعرف أن الحزام الامني قد يسلّم أبين للحوثيين انتقاما لانسحاب الحماية الرئاسية من الضالع، لكنها لا تستطيع إيقافه وقد تكون القاعدة أحد خياراتها، كما هو الحال بالنسبة للانتقالي الذي يرى أن سيطرة القاعدة على مناطق، خصوصا مسقط رأس هادي، فرصة لإعادة إثخان جروح أهلها بحجة “مكافحة الإرهاب”.
وكالة عدن الأخبارية