تقلبات مزاجية الوحدة والانفصال في ميزان القوى الجنوبية.
الجنوب اليوم | مقال
بقلم عبد الرحمن العابد – نقلاً عن صحيفة عدن الغذ
فجأة، تقلب القوى الجنوبية المشهد رأساً على عقب، ناشرة المزيد من الجدل عن أهدافها وسقف طموحاتها أو حتى من يتحكم بمجريات قرارها. الانتقالي يهرول إلى الوحدة بينما الاشتراكي الذي يشكل أبرز أعمدة الشرعية يتخلى عنها. لا شيء مفهوم حتى الآن. المجلس الذي كان حتى وقت قريب يرعد ويزبد بشأن استعادة الدولة، وجد قادته أنفسهم في الذكرى التاسعة والعشرين لميلاد الوحدة اليمنية، عاجزين عن توحيد المواقف وحتى الرؤى. صمت رئيس المجلس عيدروس الزبيدي، ذو التوجه الاشتراكي، فحضر نائبه هاني بن بريك، ذو التوجه اليميني، الذي لطالما حث الناس في خطبه عن الوحدة وخطورة الانفصال، وقد اختار عشية الاحتفال الظهور بمعية نجل الرئيس السابق علي صالح، الذي يدعي تحقيقه للوحدة في استفزاز مباشر للجنوبيين التواقين لفك الارتباط.
هي صورة مكتملة، تكشف بأن قرار الوحدة والانفصال ليس بيد الانتقالي، فهو كما أرادته الإمارات منذ البداية مجرد عباءة خليجية لا أكثر، ينام مع هادي ويصحو منقلباً عليه، يدعي استعادة الدولة ويهرول إلى خزينة الوحدة.
لا أحد يعرف ما يجري، التوهان ظهر بارزا على خطابات قادة الانتقالي في الجنوب. الناطق باسم المجلس يتحدث عن ضرورة دعم القوى الشمالية، وهو بذلك يجهض آخر حلم للجنوبيين في إمكانية حماية بلادهم التي تكاد أن تكون قاب قوسين أو أدنى من السقوط بيد من يدعي الانتقالي ضرورة دعمهم، مع أنه فعلياً بدأ دعمهم من خلال محصلة العربات التي سلمت لهم مؤخرا ونشرها الإعلام الحربي للحوثيين كغنائم.
رئيس فرع المجلس في حضرموت، أحمد بامعلم، يتحدث بأن الدولة المقبلة ينبغي أن لا تكون “مركزية” وهو بذلك يشير إلى الأقاليم المشئومة التي يسعى هادي لتنفيذها على أرض الجنوب.
لا رهان على الانتقالي بعد اليوم؛ وقد أظهر بأن بإمكانه المساومة والتفريط بالقضية الجنوبية في سبيل مصالح آنية. هو يسعى فعلاً للتحالف مع نجل صالح، وهو بذلك يعتقد ما تراه الإدارة الإماراتية من أن هذا التحالف سيشكل ضربة لجماعات الإسلام السياسي، لكنه مخطئ بذلك، فالتدخل شمالا يعني سقوط ورقة التوت عن القضية الجنوبية، وفتح باب للتصعيد الحوثي في الجبهات وصولاً إلى عدن، أضف إلى ذلك تقاربهم مع الإخوان وما سيشكله تحالفهما ذلك من خطر محدق.
ضلل الانتقالي القوى الجنوبية والجماهير، كلاً على حدة. وعدهم بتحقيق استعادة الدولة وفجأة انقلب 360 درجة، هذه التقلبات ليست سمة الانتقالي وحده. سبقه في ذلك قوى عدة في الحراك. ياسين مكاوي ومحمد علي أحمد والعطاس وفؤاد راشد وآخرون، وجميعهم انخرطوا في سلك هادي، وحتى الاشتراكي الذي كان يوما ندا للشمال لا يزال يعيش على ظلاله، فهو الآن منقسم كشظايا قنبلة صوتية. يحتفظ بكتلة من الأنصار مع الحوثيين، ويتقدم قادته في الضالع صفوف الحوثيين لإسقاط عدن، بينما ساسته يعلنون من عدن خلال لقاء جمعهم مع رئيس اللجنة الوطنية للانتقالي، أحمد بن بريك، عن اتفاق لاستعادة الدولة وتقرير المصير، في وقت يهاجم الأمين العام السابق للحزب من يصفهم بـ”الانفصاليين”.
التعويل على القوى الجنوبية في استعادة الدولة يبدو الآن أكثر استحالة، فهذه القوى المتقلبة المزاج، لا شيء يهمها من الوحدة أو استعادة الدولة سوى ضبطها على إيقاع مصالحها؛ تلك المرتبطة بالمناصب والوظيفة والفساد، فصالح الجبواني كان يوماً من أشد أعداء الوحدة؛ وفجأة أصبح من منظريها، ومثله العديد من الشخصيات التي حضرت هنا نِدّاً للوحدة وذابت فجأة كقطعة جليد، فما الذي تغيّر؟