صلاح السقلدي: الهجمات الصاروخية على مطار أبها السعودي… ماذا يعني سعودياً ويمنياَ ودوليا؟
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
لم تعد المملكة العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة بعد قُــرابة خمسة أعوام حرب باليمن تتطلع إلى تحقيق هدفها المعلن من هذه الحرب والمتمثل – بإسقاط الحركة الحوثية “أنصار الله” والمتحالفين معها مِـن سُــدّة الحكم في صنعاء- وإعادة الرئيس منصور هادي-المحتجز- بالرياض الى السلطة، بعد أن وجدتْ “المملكة ” صعوبة عسكرية وشعبية في ذلك وخذلان حزبي ونخوبي واضحين، وفي وقت عجزتْ فيه هي وشركاؤها عن إيجاد قوة سياسية وجماهيرية وعسكرية موثوق بها -خصوصا بالشمال- لسد الفراغ السياسي الناشئ هناك بعد تشتت قوات وجماهير حزب الرئيس السابق علي صالح الذي وبرغم اصطفافه مع الحركة الحوثية إلّا أن الرياض وأبوظبي ظلتا تراهنان عليه كحليف يمكن الركون عليه بمواجه حركتَــيّ الحوثيين والإخوان المسلمين على السواء، فهذه الأخيرة برغم قتالها بخندق التحالف السعودي إلّا أنها محل شك وتوجس منه ولا تتطمئن الرياض وأبوظبي للشراكة معها مستقبلاً، ضاعف ذلك التوجس الخلاف السعودي الإماراتي المستعر بشدة مع قطر التي تؤازر بقوة حركة الإخوان متمثلة بحزب الإصلاح.
نقول أن السعودية لم تعد تصب جهدها في تحقيق ذلك الهدف بل أضحى تركيزها منصبا بالوقت الراهن على هدفين رئيسيين -على الأقل – هما:
- أمنها في الحد الجنوبي الذي برغم استعانة المملكة بالمقاتل اليمني والجنوبي بالذات للدفاع عنه فأنه ما زال يتعرض بقسوة لضربات واختراقات حوثية بالعمق على شكل توغلات عسكرية خاطفة أو هجمات صاروخية وطيرانية مُسيّــرة عن بُــعد, -كان أخرها قصف مطار أبها بصاروخ قالت الحركة الحوثية انه من نوع كروز- .
- ترسيخ وجودها العسكري والسياسي باليمن وفي المحافظات الجنوبية المهمة كمحافظة حضرموت الغنية بالنفط ومحافظة المهرة المطلة على بحر العرب التي تكدس بها السعودية قواتها بشكل مكثف لتتخذ منها قاعدة عسكرية تحمي تطلعاتها بإنشاء ميناء نفطي من العمق السعودي وتقترب من خلالها من الحدود العمانية بعد تفاقم الازمة الصامتة بين الرياض ومسقط.
السعودية وبرغم ما تحققه من مكاسب وأطماع اقتصادية تاريخية باليمن وبرغم هيمنتها المطلقة على القرار السياسي اليمني وسلبها للإرادة الوطنية للسلطة اليمنية الموالية لها المعترف بها دوليا والمسماة بالشرعية وبرغم شرءاها لمواقف كثير من النخب والرموز اليمنية وبرغم نجاحها في تحشيد المواقف العربية والاسلامية – وحتى الدولية- خلفها مستفيدة من حالة الشتات اليمني ومن مفعول أموالها الضخمة أمام أنظمة حكم جائعة مرتعشة– كان آخرها قمم مكة الثلاث- إلّا أنها أي الرياض تشعر بمرارة الخيبة بالداخل اليمني و بمدى الخذلان من هذه الأنظمة التي تجزل لها العطاء، كما انها تشعر بحجم الورطة التاريخية لها باليمن وبمدى تردي حالتها الأمنية بحدها الجنوبي فضلاّ عن خساراتها الأخلاقية التي تخلفها قنابل وصاريخ طائراتها المقاتلة على المدنيين وحالة الحصار الخانق الذي يرى فيه المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية انتهاكا صارخا لحقوق الانسان باليمن.
فالهجمات الصاروخية الحوثية على مطار أبها التي حدثت صبيحة الاربعاء12 حزيران يونيو الجاري خير دليل على ما ذهبنا اليه بالحديث عن تعثر الحل العسكري وعن تردي الوضع الأمني السعودي جنوباً قياسا بما كان يمتع به من سكينة قبل الحرب، وعلى ما ذهبنا الى بالحديث عن الخيبة السعودية من مواقف الأنظمة التي تغدق عليها بالمال دون جدوى.
فحين نقول ان السعودية في ورطة حقيقة باليمن برغم ما تظفر به هناك من مكاسب اقتصادية فنحن نشير الى هذا الكم الهائل من الفشل والإخفاق المتعاظم وحجم المآخذ التي تطاول السعودية وحلفائها، فحتى لو فكرت الرياض بالانسحاب من اليمن ووقف الحرب ولو بصورة تدريجية والشروع بتسوية سلمية بالمدى المنظور فهي لم تعد الطرف الوحيد من تقرر ذلك، خصوصاً بعد أن بات التخلص من الحركة الحوثية عسكريا وجماهيريا على الأرض أو حتى أضعافها أكثر استحالة، وتشابك المصالح وتصدامها أحيانا مع الشريكة الرئيس بهذه الحرب،ونقصد هنا الإمارات ،فضلاً عن مواقف الادارة الأمريكية ورئيسها الجشع ترامب اللذان يمانعان بوقف هذه الحرب ويحرصان عن بقاءها أكثر فترة ممكنة كسوق سلاح مزدهر وصنور مالي زاخر.. وخير دليل على هذا الحرص الامريكي هو استخدام ترامب لحق النقض ضدا على قرار مجلسَيّ النواب والشيوخ الداعي لوقف المشاركة العسكرية الامريكية بالحرب باليمن.فحتى لو فكرت الرياض التحلل من هذه الحرب لحفظ ماء وجهها وطاقاتها وسمعتها الاخلاقية أمام العالم فهي لا تستطيع الفكاك بسهولة من الربقة الأماراتية واليمنية ومن المخالب الأمريكية الناشبة بقوة بالظهر السعودي والعربي ككل.