وخزة قلم أمنية
الجنوب اليوم | مقالات
صلاح السقلدي
لم نتردد لحظة في الانتقاد و التنبيه لكلما نعتقد أنه يستحق النقد والتصحيح منذ بداية هذه الحرب -وتحديدا بعد استعادة عدن والجنوب منتصف 2015م, ومن الجوانب التي تعرضنا لها وحذرنا من خطورة العبث بها هو الأمن والجيش لإدراكنا أهمية هذا الجانب،ولمعرفتنا بكارثية غيابه. حين كان يتم تلغيمه بلغم الجهوية – وبقرارات جمهورية للأسف- في وقت كان فيه معظم من يطالبون اليوم برمي التشكيلات الأمنية الموجودة اليوم الى خلف الشمس يؤيدون ويصفقون بشدة لعملية التفخيخ تلك حين كانت توافق جيوبهم، وكانوا يعتقدون أن القضية الجنوبية بهذه الطريقة يمكن وضعها بالجيب الخلفي لجاكت الحكومة وخنقها بحبل الفشل.
نعم تم تأسيس التشكيلات العسكرية والأمنية وفق حسابات جهوية وبقرارات جمهورية كما أسلفنا، وهذا يمكن أن نلمسه من قائمة ضحايا الجنود والضباط الذين يسقطون تباعا للاسف الشديد. فمثلا معظم شهداء الحزام الأمني تنتهي اسمائهم بـــ اليافعي اليافعي اليافعي اليافعي..وشهداء الأمن العام ينتهي بـــالشاعري الشاعري الضالعي الشاعري الضالعي الشاعري, وألوية الحماية وبعض ألوية الجيش تُــذيل قائمة شهداءها بـــ الكازمي الكازمي الكازمي. خزوة بكل المقاييس.
ومحرك بحث جوجل لا يكذب ولا تجمل.وقد تعرضت شخصيا أكثر من مرة لهذه النقطة على حساسيتها طبعا, ولكن دون جدوى.
نقول أنه فعلا تم تأسيها على هذا النحو، والجميع يجب أن يقر بهذا الجُــرم وهو من يتحمل المسئولية – مع تفاوت حجم المسئولية بين هذا وذاك-. ولكن مثلما نرفض وجود الخطأ يجب ألا تكون المعالجات بخطية. فهل تفكيك هذه الأجهزة الأمنية اليوم كما يطالب البعض سيجعل الوضع الأمني أفضل حالاً؟ بالتأكيد لا.- طبعا نضع هذا التساؤل على افترض أن هذه المطالب خالية من أية حسابات سياسية ونفعية – فترك الساحة شاغرة في ظل غياب البديل المصحح وفي استعار خرب المشاريع السياسية، واحتدام الصراعات والأطماع الإقليمية, فأن هذا يعني ذهابنا الى هوة سحيقة من الضياع والفتن. فمثلما رفضنا التطرف والهرولة في فترة صناعة الخطأ يجب ألا نهرول بذات السرعة وبذات ضحالة التفكير.
لا نحتاج الى من يذكرنا بأن ثمة أخطاء أمنية ترتكب وبأن بلطجة واستحواذ على حقوق الغير تتم باسم الأمن، وبأن بعض هذه الأجهزة تحولت الى إقطاعيات وشركات استثمارية، فهذا أمر لا غُــبار عليه، ومثلما ظللنا منذ سنوات نرفض هذه الأخطاء بشدة سنظل نفعل الشيء ذاته, إلى أن يستقيم الحال،ونتذكر قبل هذا وبعده أن لدينا قضية وطنية سياسية أسمها القضية الجنوبية,استهدافها من الزاوية الأمنية يجري على قدمٍٍ وساق من كثير من القوى بالساحة ومنها قوى وشخصيات جنوبية للأسف، ولن ندع القضية الجنوبية في مرمى هذه القوى التي تتخذ من أخطاء الأمن ككلمة حق يُــراد بها سياسة ومصلحة شخصية.
أغرب ما بالأمر أن مَـــن ينعتون اليوم هذه التشكيلات بالمليشيات كانوا حينها وما زالوا يقبعون بوسط المكاتب التي كانت تصدر منها القرارات الجمهورية والحكومية القاضية بتشكيلها وبترقية قادتها بالرتب والمناصب. واليوم بعد أن طفت صراعات المشاريع السياسية على السطح بوضوح وتهددت المصالح الذاتية للبعض فقد أصبحت هذه الأجهزة الأمنية مليشياوية وانقلابية. وحين كانت هذه المليشات -بحسب وصفهم- تتصدى للجماعات الإرهابية وتقدم التضحيات الهائلة كان في أذان هؤلاء الانتهازيون وقرا متحجرا،وعلى أعينهم غشاوة سميكة.
فلو كان لديّ ذرة من يقين بأنهم يخاصمون هذه القوى الأمنية لغيرة وطنية خالية من كولسترول الحزبية ودسومة النفعية الذاتية لطالبتُ بطرد هذه القوى الى أبعد نقطة بالكون .ومع ذلك سنحسُن الظن بهم غصبا عنا, ونقول لهم ما هو البديل والحل لديكم وسنشد على أيدكم صادقين مخلصين ونأتي بما معنا من حلول نعتقد أنها ستكون جزء من الحل، ولكن بعيدا عن استهداف هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية الجنوبية لحسابات سياسية كما تم الإجهاز على الجيش والأمن بالجنوب غداة حرب 94م. فأمن الناس يجب ألا يكون ورقة مساومة سياسية.فمثلما حضور الأمن – أي أمن – هو نعمة للجميع فأن غيابه سيكون نقمة على الجميع، بل أم الكوارث, وما نراه بالمنطقة العربية من دمار ومآس خير دليل.