قلب السعودية يحترق!
تكشف العملية هشاشة قدرة الدفاع السعودية على رغم كلّ ما تنفقه المملكة على عمليات التسلح
فجر أول من أمس، بدت السعودية كما لم تُرَ يوماً من قبل: ألسنة من اللهب وأعمدة من الدخان تتصاعد من أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم (تزيد قدرة إنتاجها على سبعة ملايين برميل يومياً، وتبعد عن الأراضي اليمنية أكثر من 1200 كيلومتر). مشاهدُ سرعان ما فاقمت وقعَها الأنباء عن اضطرار «أرامكو»، بفعل الضربة اليمنية، إلى وقف نحو نصف إجماليّ إنتاجها من النفط، أي ما يعادل 6% من الإنتاج العالمي، وبالتالي اللجوء إلى المخزون من أجل تعويض النقص في الإمدادات. هذه الفاتورة الباهظة، والتي تكشف هشاشة قدرة الدفاع السعودية على رغم كلّ ما تنفقه المملكة على عمليات التسلح، توعّدت صنعاء، الرياض، بما هو أعظم منها، مهدّدة بـ«اتساع نطاق العمليات الهجومية الجوية في أراضي العدوان ما لم يتوقف النظام السعودي عن عدوانه وحصاره» وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية يحيى سريع، الذي أكد أيضاً أن عملية السبت «النوعية والواسعة حققت أهدافها بدقة عالية»، وأنها «لن تكون الأخيرة».
استهداف مصافي النفط في بقيق وخريص، والتي تُعدّ الهدف السادس من بين 300 هدف أعلنتها صنعاء مطلع الربع الثاني من العام الجاري، يؤكد – على المستوى العسكري – أن القدرات اليمنية باتت في مراحل متقدمة جداً، وخصوصاً منها الطائرات المسيّرة التي يبيّن الخبراء أن حديث المسافات في شأنها ليس مهماً؛ إذ إن تقنياتها تعمل وفق نظام مغلق وغير قابل للاختراق، كما أنها تحمل في ذاكرتها خطّ سير محدداً مسبقاً وصولاً إلى هدف «نقطوي»، بحيث يصعب على الرادارات التقاط بصماتها، فضلاً عن أن خبراء المنظومات الفنية في اليمن قادرون على تضليل منظومات الدفاع السعودية التي يدير أكثريَتها أميركيون وبريطانيون. وعليه، يُتوقع، بالاعتماد على تلك التقنيات وغيرها، أن تشهد المرحلة المقبلة انتخاباً لمزيد من الأهداف النوعية والحيوية في العمق السعودي، والتي يحدث ضربها تأثيراً استنزافياً إشغالياً. أما على المستوى السياسي، فإن «أنصار الله» تبدو في موقع المفاوِض القوي الذي يملك الكثير من الأوراق، فيما خصومها مشتّتون ومنشغلون بالاقتتال (كما يجري في جنوب اليمن) وعاجزون عن حماية أراضيهم بعدما كان هدفهم مع بداية الحرب سحق الحركة اليمنية. وتلك معطيات ستجد سبيلها، حتماً، إلى طاولة أيّ مفاوضات يمكن أن تلتئم في المرحلة المقبلة، بما يجعل النتيجة لغير صالح السعودية وحلفائها.
على المقلب المضاد، بدا الارتباك واضحاً على الرياض، التي لم تتأخّر في الإقرار بالهجمات وأضرارها الاقتصادية، مُعلنةً أنها باشرت تحقيقاً لمعرفة مصدرها، في الوقت الذي كان فيه حليفها الأميركي، على لسان وزير الخارجية مايك بومبيو، يقول إنه لا دلائل على انطلاق الهجمات من اليمن، مُحمّلاً إيران المسؤولية المباشرة عنها. وهو اتهام دائماً ما يتكرر على ألسنة المسؤولين الأميركيين والسعوديين في محاولة للتهرّب من الاعتراف بحقيقة الواقع الذي بات قائماً في اليمن، الأمر الذي شدّد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، على أنه «لن ينهي الكارثة»، معتبراً أن «القبول بمقترحاتنا وإنهاء الحوار يمكن أن يؤديا إلى ذلك». هل ستصغي السعودية إلى «النصيحة»، مثلما كانت فعلت – جزئياً – حليفتها الإمارات؟ ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، الذي وصف عملية بقيق وخريص بـ«العدوان»، أبلغ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن بلاده «قادرة ومستعدة» للردّ على الهجمات، في تصريحات تعيد إلى الأذهان ما كان تبجّح به سابقاً من أن السعودية قادرة على «اجتثاث الميليشيات في أيام قليلة»، ولاحقاً من أنه «لم يعد ضدنا هناك (في اليمن) إلا فلول الحوثيين». لكن ابن سلمان يدرك جيداً أنه يَعِد بما لا يقدر عليه، وأن جلّ ما يتطلّع إليه اليوم هو مخرج «لائق» يحفظ ماء وجه المملكة، ويساعدها على الانسحاب من المستنقع الذي تتخبّط فيه، خصوصاً في ظلّ ما بات واضحاً أنه ترجمة يمنية لتسمية «عام الحسم»، سواءً بتصعيد الهجمات على المطارات والمنشآت الحيوية والقواعد الاستراتيجية السعودية، أم بالانتقال في الداخل من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم، عبر سلسلة عمليات نوعية تمتدّ من الجنوب وصولاً إلى الحدود، وكان آخرها في جبهة كتاف، حيث أوقع الجيش واللجان جميع أفراد «لواء الوحدة» (الموالي للسعودية) وضباطه (2000 جندي وضابط) في الأسر.
الردّ بالمثل
ويُعدّ استهداف المواقع النفطية السعودية جزءاً من استراتيجية الردّ اليمنية على الحصار المفروض على هذا البلد، وتعمّد «التحالف» تضييق الخناق على صنعاء، وتصدير أزماته في المحافظات الجنوبية إليها، فضلاً عن استهداف الاستقرار التمويني في السوق اليمني. وفي هذا الإطار، أقدمت قوات «التحالف»، على مدى الأسبوعين الماضيين، ومن دون مبرر، على احتجاز 13 سفينة محمّلة بالوقود والغذاء كانت في طريقها إلى ميناء الحديدة، بعدما خضعت لآلية التفتيش الأممية في جيبوتي، وحصلت على تراخيص دخول إلى الميناء الذي يستقبل قرابة 70% من واردات اليمن الخارجية. خطوة سارعت حكومة الإنقاذ في صنعاء إلى إدانتها، محذرة الرياض من تبعات تلك الإجراءات التي تستهدف ما تبقى من استقرار اقتصادي ومعيشي للملايين من اليمنيين، ومُحمّلة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني كامل المسؤولية عنها. ومساء الجمعة، حذرت «شركة النفط اليمنية» في صنعاء من تفاقم الوضع الإنساني بسبب استمرار «التحالف» في احتجاز ستّ سفن مشتقات نفطية، تحمل أكثر من 87 ألف طن بنزين، و42 ألف طن ديزل، ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة. ويتزامن تشديد الحصار على الميناء، ومنع دخول الشحنات التجارية إليه، مع تحذير الغرف الصناعية والتجارية في صنعاء من توقف عملية الاستيراد، وإعلانها توقفها إجبارياً (جراء الانتهاكات العنصرية التي يتعرض لها التجار في المحافظات الجنوبية من قِبَل المليشيات الموالية للإمارات) عن استقبال شحنات الغذاء والدواء والوقود من ميناء عدن منذ العاشر من آب/ أغسطس.
وكان زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، حذر السعودية، مراراً، من أن الحركة لن تسمح بأن يموت الشعب اليمني جوعاً، ولن تلتزم الصمت إزاء سياسة التجويع التي يمارسها «التحالف». ونصح الحوثي، في أكثر من خطاب، الشركات الدولية ورؤوس الأموال الأجنبية بعدم الاستثمار في السعودية، والابتعاد عن الشركات النفطية وحقول النفط في المملكة، قبل أن يتعهّد عقب استهداف الطائرات المسيّرة حقل الشيبة بـ«استهداف الضرع الحلوب حتى يجفّ»، في إشارة إلى أن حقول النفط كافة أصبحت اهدافاً لسلاح الجو المسيّر.