إستقلال الجنوب .. بين إتفاقية جنيف واتفاق الرياض .
الجنوب اليوم | خاص
بعد 52 عاماً من إستقلال الجنوب من الإحتلال البريطاني الغاصب على مدى 129 سنة، يعود الاستعمار والاستبداد الأجنبي إلى الجنوب بشكل أخر، فلا فرق بين مستعمر عربي واخر أجنبي، ففي نوفمبر 67 م غادر المندوب السامي البريطاني السير همفري تريفيليان عدن مرغماً من أرض الجنوب، وفي العام 2015، عاد الاستعمار بحلة أخرى وتحول السفير السعودي لدى اليمن محمد ال الجابر من سفير إلى مندوب سامي جديد في الجنوب باسم تحالف دعم إعادة الشرعية، فخلال 52 عاما لم يحافظ الجنوبين على الاستقلال بل قدموه على صحن من ذهب للمستعمر الإماراتي والسعودي الجديد .
اليوم تتداول السعودية والإمارات احتلال الجنوب ولكن ليس تحت شعار دعم إعادة الشرعية الذي يرفعه التحالف بقيادة السعودية منذ أواخر مارس 2015م ، بل إنتقل الاحتلال من الوضع الهامشي إلى الوضع القانوني ، واصبح المحتل اليوم المتحكم الأساسي في الجنوب وصاحب القرار الأول فيه ، فالسفير ال جابر مثلا ليس كالمستعمر هينز ولا كالمندوب السامي البريطاني السير همفري تريفيليان بل اصبح وفق اتفاق الرياض التي وقعت مطلع شهر الاستقلال بين المجلس الانتقالي الموالي للإمارات وبين حكومة عبدربه منصور هادي في العاصمة السعودية في الرياض ينتزع قرار حكومة هادي والانتقالي الجنوبي ويضعة تحت تصرف السفير السعودي الذي اصبح بدون منازع رئيس الرئيس وفق الاتفاق الذي لم تكن عملية توقيعه مصادفة وانما كانت رسالة سعودية لثوار أكتوبر ونوفمبر ولأبطال الجبهة القومية لتحرير الجنوب اللذين بددو حلم الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز بالتهام الجنوب ووضعها تحت تصرف الرياض وتعيين نجلة محمد حاكما في عدن .
فبين اتفاقية جنيف التي عقدت في نوفمبر 1967م واستطاعت الجبهة القومية انتزاع الجنوب من بريطانيا ونيل الاستقلال ، وبين اتفاق الرياض بون شاشع ، فوفقاً لاتفاقيه جنيف التي عقدت بين وفدي حكومة دولة الاحتلال البريطاني والجبهة القومية كمثثل للجنوب وشعبة ، وعقدت في جنيف شهر نوفمبر 67م والتي انتزع فيها وفد الجبهة القومية أعتراف بسيادة الجنوب وهويته واستقلاله والتزم المحتل البريطاني بالانسحاب من كافة اراضي الجنوب والاعتراف بأستقلال الجنوب ، وفي صباح يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967 أستقبل الشعب الجنوبي المناضل الشهيد الرئيس قحطان الشعبي والوفد العائد من جنيف بعد أن انتزع من الوفد البريطاني استقلالا كاملا على مستوى السيادتين الداخلية والخارجية، وقالت وكالات الأنباء بأن الشعب أستقبل في عدن قحطان الشعبي كبطل تاريخي، فقحطان لم يعد هذه المرة إلى مكان أخر بل عاد إلى مقر الحكم بحي التواهي الذي كان فيه مقر المندوب السامي البريطاني سابقاً ، ليعلنه مقراً لحكم الدولة الجنوبية المستقلة ، وفي مثل هذا اليوم انتخبت القيادة العامة للجبهة القومية المناضل قحطان الشعبي رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لمدة عامين وكلفته بتشكيل الحكومة واعلان الاستقلال رسمياً.
بينما اعاد اتفاق الرياض الاستعمار للجنوب بصفة رسمية بعد 52 عام من التحرير والاستقلال فملوك السعودية اللذين فشلوا في الانقضاض على الجنوب في ستينيات القرن الماضي عادو اليوم بصفات متعددة ، فالسعودية التي لم تستطيع احتلال الجنوب بالقوة طيلة 50 عام عادت اليوم عبر الوصاية والخنوع ممن يصفون انفسهم قادة الانتقالي وصنعتهم أبو ظبي واخرين يدعون الشرعية التي صنعتها الرياض ، واصبح الاحتلال اليوم شبة قانوني وبموجب انفاق يمنح السعودية والإمارات تبادل الأدوار في الجنوب وتبادل المصالح ، فاتفاق الرياض الذي رفضته عدد من مكونات الجنوب يضع الجنوب تحت الوصاية الكاملة ويسمح بدخول قوات اجنبية للبلاد ، وهو ما يعد تقويضاً للاستقلال وتسليم بالاستعمار ، ففي الخامس من الشهر الجاري وقعت حكومة ال هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في قصر اليمامة في العاصمة السعودية الرياض على ” إتفاق أعدته المخابرات السعودية والاماراتية يمنح دول التحالف حق الوصاية الكاملة على المحافظات الجنوبية ، وينزع معظم صلاحيات الرئيس هادي وحكومته في تعيين القيادات العسكرية والإدارية والوزراء والديبلوماسيين وإدارة الملفين الأمني والعسكري، كما اسقط القضية الجنوبية ، كما منح الاتفاق دول التحالف حق التصرف بالشأن العام والتحكم بالملفين الأمني والعسكري ، وحتى وزارة الدفاع في تلك الحكومة المزعومة بعد اتفاق الرياض سلبها كافة الصلاحيات ، وخول دول الاستعمار الجديد حق مليشيات الانتقالي الجنوبي الموالية للإمارات تحت قيادتها ، استحوذ على القرار العسكري المتعلق بتحريك قوات الطرفين وتوجيهها وتحديد مقرات المعسكرات ونقل الأسلحة المختلفة وتخزينها والإشراف عليها عقب التوقيع على الاتفاق ، واستطاعت الرياض ان تتحكم بكل صغيرة وكبيرة في الجنوب ولها حق التعيينات والإقالات والرفض والقبول وقرار السلم والحرب .
وعلى نهج المستعمر البريطاني مضت الإمارات في انشاء السجون السرية وطمس معالم الجريمة المنظمة ونهب الثروة وتدمير البنية التحتية وإذلال المواطن الجنوبي وإرهابه وانشاء مليشيات متعددة كما أسس الانجليز قوات عسكرية عدة منفصلة عن بعضها كـ (جيش عدن أو “جيش الليوي”، الحرس الحكومي، الحرس القبلي، جيش البادية الحضرمية، الجيش اللحجي، جيش المكلا النظامي، الجندرمة القعيطية والكثيرية)، واختارت المجنّدين على أساس مناطقي (فصيل العوالق والعواذل، فصيل يافع وعزان، فصيل الحسني والميسري) حتى يسهل التحكم بها وتضمن عدم التمرد عليها الأن تلك القوات المقسّمة لا يمكن ان تكون تكتلاً عسكرياً كبيراً ، مضت الإمارات بتأسيس نخب محلية واحزمة امنية وقوات تدخل سريع وقوات دعم واسناد على أساس مناطقي متزمت باموال سعودية وصلت 48 مليار ريال سعودي طيلة اربع سنوات ماضية ، ولكون السعودية من مولت انشاء تلك المليشيات المتعددة الولاء ، فقد سلمت أبوظبي الرياض قيادة تلك المليشيات التي حاولت السعودية وفق اتفاق الرياض منحها صفة رسمية من خلال إقرار دمجها في اطار القوات الرسمية ، لضمان بقاءها الاستعماري في الجنوب لفترات أطول .
وعلى ذات المنوال تمر السعودية في طمس معالم الجريمة المنظمة وانشاء المزيد من المليشيات على أساس مناطقي من العوالق والعواذل ويافع وعزان، ولحج وغيرها، وتعمل على تأسيس جيش عقائدي في محافظة أبين كالوية الاماجد السلفية المتطرفة ومعسكرات أخرى .