الجنوب في ظل الاحتلال الناعم .. توغل جديد وترحيل الملفات الشائكة إلى 2020
الجنوب اليوم | تقرير ــ خاص
انكشف التحالف في الجنوب خلال العام المنتهي 2019، وتكشفت أوراقه الخفية واجندته التي سعى إلى تنفيذها تحت غطاء الحرب لإعادة الشرعية إلى صنعاء وازاحة الحوثيين عن المشهد في البلاد ، ففي العام المنتهي احتدم الصراع بين دول التحالف الإمارات والسعودية في المحافظات الجنوبية ، واتضحت حقيقة المجلس الانتقالي الجنوبي ، وأثبتت حكومة هادي أنها غطاء لشرعية الاحتلال الناعم ويديرها السفير السعودي محمد آل جابر ، وفي ذات العام كشف اسرار السجون السرية الإماراتية في الجنوب واضطرت الإمارات إلى تنفيذ مسرحية هزلية تمثلت في إعلانها الانسحاب من عدن وتسليم قيادة جبهات وقوات الساحل الغربي للسعودية ، وبالاتفاق مع الرياض ، وجهت أبوظبي المجلس الانتقالي الجنوبي والقوات الموالية لها في عدن بتفجير الأوضاع في المدينة واقتحام قصر المعاشيق وتم شن حرب ضروس على حكومة هادي في أغسطس الماضي وطرد تلك الحكومة من عدن لإيجاد ذريعة أخرى لتدخل عسكري سعودي على الأرض في الجنوب ، لتتولى الرياض مهمة عقد مشاورات بين المجلس الانتقالي وحكومة هادي وتكلل على مدى قرابة الشهرين والنصف باتفاق الرياض الذي منح دول التحالف غطاء شرعي للتواجد العسكري في الجنوب والسيطرة على القرار السياسي والعسكري في المحافظات الواقعة شكليا تحت سيطرة حكومة هادي ، تلك المسرحية التي نفذت خلال النصف الثاني من العام المنتهي ، أعادت المطامع السعودية القديمة إلى الواجهة واحيت الاجندة التي سبق ان فشل الملك فيصل بن عبدالعزيز في تنفيذها مطلع ستينيات القرن الماضي الهادفة إلى احتلال الجنوب والسيطرة على ثرواتها وعلى مقدراتها ، فتم إحياء مشاريع سعودية استعمارية متعددة كالأقاليم الشرقي الذي هو ذاته اليوم إقليم حضرموت ، واثبت الرياض الراعية للحوار الوطني الشامل المنعقد خلال عامي 2013 ـ 2014م ـ،أن إقليم حضرموت بحدوده الجغرافية الواسعة التي تشمل كافة المحافظات الشرقية الغنية بالنفط لم يكن قرار يمني بقدر ما كان قرار سعودي صرف مررته الرياض عبر ادواتها والموالين لها اللذين حرصت على ان يكون لهم الأغلبية في مؤتمر الحوار الشامل .
العام المنتهي والذي رحل عدد من ملفاته الساخنة وأبرز تلك الملفات “اتفاق الرياض ” إلى العام الجديد 2020م ، انكشف فيه المجلس الانتقالي الجنوبي واثبت سياسة المجلس أنها لا تمت للقضية الجنوبية بصلة ، فقد مارس ابشع انتهاكات عنصرية ضد الآلاف من البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية وشن حملات تهجير عنصرية خطيرة ضد أبناء العمالة الوافدة من المحافظات الشمالية دون أي مبرر بعد مقتل القائد العسكري قائد لواء الدعم والاسناد الأول منير أبو اليمامة بعملية عسكرية أعلن الحوثيين تبنيها في يوليو الماضي ، وسعى إلى ضرب كافة القوى الجنوبية الناهضة له أو التي تختلف مع الانتقالي في بعض السياسات ، فاستخدم الترهيب والترغيب ضد المكونات الجنوبية الأخرى ، وتبنى عملية شق الصفوف في أوساط بغض المكونات وهاجم أخرى محاولا كسب ولاء بعض قيادات تلك المكونات التي رفضت الانسياق لسياساته، ليساهم في تفكيك مكونات الحراك الجنوبي وليس إلى توحيد صفوفها.
ورغم تصاعد تيار المناهضة للتواجد العسكري السعودي في محافظة المهرة، خلال نفس العام، إلا أن الرياض عززت تواجدها العسكري بقوات عسكرية كبيرة وتكاد تحكم السيطرة الكاملة على المحافظة الشرقية التي تربطها حدود برية وبحرية بسلطنة عمان، وفي مؤشر خطير يعكس رغبة السعودية في إخضاع المهرة وقبائلها بالقوة لحكمها ، أقدمت الرياض على شراء الولاءات بشكل غير مسبوق في أوساط القيادات القبلية المهرية ، وحاولت اختراق الحراك المهري المناهض لها من الداخل من خلال شراء ولاءات بعض القيادات ، وعملت على انشاء قوات موالية لها مماثلة للقوات الموالية للإمارات التي أنشأتها أبو ظبي في عدن ولحج وابين شبوة وحضرموت ، ومع ذلك ظل واقع السعودية في المهرة غير مستقر وفشلت كافة مساعيها في إقناع القبائل المهرية بالقبول بها كقوة على ارض الواقع ، لتضطر إلى عسكرة المهرة وانشاء 30 معسكر سعودي في كافة مناطق ومديريات المهرة .
سقطرى التي لم تكن هيا الأخرى بعيدة عن الصراع السعودي الإماراتي، رغم ان الإمارات حاولت فرض سيطرتها الكاملة على الجزيرة خلال الأعوام الثلاث الماضية حتى وصل بها الحال إلى التعامل مع الجزيرة كجزيرة إماراتية وليست يمنية، ولكن القبضة الإماراتية على الجزيرة تراجعت خلال العام 2019م، بعد أن دفعت السعودية بمعسكر إلى الجزيرة، يضاف إلى حكومة هادي بدعم سعودي استطاعت ان تعزز تواجدها في الجزيرة وان تناهض نسبيا السياسات الإماراتية، ولكن لاتزال سقطرى في قائمة الاهتمامات والمطامع الإماراتية.
دول التحالف لجئت أيضاً إلى استغلال الصراع بين الأطراف الموالية لها، لصناعة ذرائع التدخل العسكري وإنشاء قواعد عسكرية ثابته في المحافظات الجنوبية، فبضوء اخضر من الرياض عادت التنظيمات الإرهابية إلى محافظات أبين وشبوة خلال النصف الثاني من العام المنتهي، وتم إنشاء معسكرات جديدة للقاعدة في المنطقة الوسطى في أبين وفي مناطق الساحل في شبوة كذريعة لأي تدخل أجنبي أمريكي محتمل باسم مكافحة الإرهاب ، ولعل الاهتمام الأمريكي الكبير التي حظيت به حضرموت والزيارات المفاجئة لمسئولين أمريكيين ووفود امنية واستخباراتية كبيرة إلى مدينة المكلا خلال الأشهر الماضية يدل على وجود تنسيق أماراتي امريكي بشأن إنشاء قواعد عسكرية تحت مبرر مكافحة الإرهاب في المكلا وبالقرب من البحر العربي وخليج عدن .
عودة حزب الإصلاح إلى الجنوب وتحديداً إلى شبوه في أغسطس الماضي يعد واحد من أبرز احداث العام 2019، وأبرز مظاهر أدوات الإمارات والسعودية في الجنوب، فالمجلس الانتقالي الذي أعلن الحرب على الإصلاح بتوجيهات إماراتية أكثر من مرة وصنف الحزب كحركة إرهابية واجاز قتل عناصرها باعتبار الحزب من وجهة نظرة إرهابي بهدف اجتياح وادي حضرموت والسيطرة على منابع النفط في المحافظتين، وجد نفسه امام مواجهة غير متكافئة مع عناصر حزب الإصلاح العقائدية في محافظة شبوة التي تمكنت من السيطرة على شبوة وطرد كافة القوات الموالية للانتقالي ونكلت بكافة قيادات المجلس واسرت العشرات من المولين له ، ولكن الحزب الذي تمكن من البطش بالنخبة الشبوانية بأيام معدودات فشل في طرد عدد من القوات والقيادات الإماراتية من شبوة تنفيذاً لتوجيهات سعودية .
وفي العام المنتهي تراجع نطاق سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات من شبوة وحضرموت وأبين وخسر ثقة الجنوبيين به، كما فشل سياسياً وتعرى امام الشعب الجنوبي من خلال توقيعه على اتفاق الرياض وقبوله بوزارتين فقط والعودة للعمل في إطار حكومة شرعية نظام 7/7 ، بعد أشهر من إعلانه استعادة عاصمة الجنوب وعودتها إلى ما قبل 22 مايو 1990م ، فالانتقالي الذي تعاظم دوره عسكريا ً يبدوا انه يفقد القوة العسكرية التي منحتها الإمارات له يوما بعد اخر بعد أن أوقفت ابوظبي صرف رواتب قواته ، ونفس الاتجاه تسعى إليه الرياض ، فالانتقالي الذي كان يزعم انه يبحث عن عودة الجنوب بقراره السياسي والسيادي وقواته بات يستجدي الرياض لصرف رواتب القوات التابعة له
لقد رسمت أحداث العام 2019 ، ملامح جديدة للجنوب في العام الجديدة فالسعودية والإمارات تتفق كليا على تقاسم الجنوب ، وستعمل على تغذية الصراعات الجنوبية الجنوبية ، وإبقاء الجنوب في حالة اللاسلام واللاحرب حتى ترتب أوضاعها العسكرية وتنفذ اجندتها الخفية في الجنوب ، ونتيجة تلك السياسات التي يتبناها التحالف في الجنوب اتسع نطاق الرفض الجنوبي للتواجد العسكري الأجنبي وتم انشاء مجلس الإنقاذ الجنوبي الرافض لكافة اشكال الاستعمار، ورغم أن المجلس لايزال في طور التأسيس والتمدد في المحافظات الجنوبية إلا انه يمثل تيار الممانعة وبدأ يحظى بتأييد مكونات جنوبية واسعة في مختلف المحافظات ، ومن خلال المؤشرات يبدوا أن عام 2020 سيتعاظم دور مجلس الإنقاذ الجنوبي ، وستتصاعد أصوات الجنوبيين الرافضة للاحتلال السعودي الإماراتي الناعم في الجنوب ، فكل المؤشرات تفيد بان الشارع الجنوبي سيغادر مربع الصمت في العام الجدد وقد يجد التحالف نفسة امام مواجهة حقيقية ليس مع الحوثيين الذين اتخذ من حربهم ذريعة لاحتلال الجنوب بل مع الشعب الجنوبي من الضالع وحتى المهرة وسقطرى .