أبناء الجنوب.. جلد طبال في العاصفة
الجنوب اليوم
بقلم – سيف الردفاني
لم أجد من الصبر ما يكفي لأعيش دور النعامة وأدس رأسي في التراب، وأغمض عيني أكثر مما قد مضى، وأنا أرى وأتابع سيل من القذف والشتائم تنهال علينا نحن أبناء الجنوب الشرفاء الأحرار من قبل كتاب وصحفيين إماراتيين في صحفهم الرسمية، وعلى مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، ليس لشيء، إلاً رداً على محاولة فكر هادي تجربتها – على خجل – أن يغير “العميري” مسئول حماية مطار عدن المعين من قبل دولة الإمارات بعد أن ترك هادي معلقاً في السماء يحوم مع الغربان فوق سماء عدن، ولم يسمح لطائرته بالهبوط إلاّ وهو يتلقى وعد بصوت هادي شخصياً يخبره أنه سيطلق له مرتبات أفراد أمن المطار.
هذا ما ظهر في حادثة واحدة نعلمها بين حوادث وحالات كثيرة لا نعلمها تحدث مع أعلى رجل يفترض أنه يمثل جنوب اليمن عموماً، فكيف حال جنودنا الذي يقاتلون في الميدان تحت إمرة ضباط إماراتيين؟
كم يحز ّفي نفسي وأنا أتذكر قصص واقعية يرويها أبناء منطقتي عن معاناتهم في أثناء تعاملهم مع الضباط الإماراتيين، وفي معارك باب المندب يقول أحدهم يعلم الله يا أخي أن الشخص يتجرع الموت ذلاً قبل أن يناله قتلاً، حين ترى الواحد منا يقطع الوديان والجبال منتعل نصف حذاء، وآخر قطعت أعشاب الأشجار وأشواكها نصف ملابسه، بينما من يدفع بنا إلى أرض المعركة وأحيان إلى المهلكة والمحرقة ضباط إماراتيين يقبعون في خيام مزودة بمكيفات صحراوية، فيها ما لذ وطاب من الأكل وأصناف اللحوم، وغرائب الشوكلاته والعصائر المعلبة، ولا يستفيد منهم المقاتل الجنوبي إلا استلام التوجيهات، وبقايا علب العصائر الفارغة لنشرب بها الشاي الأسود نبلل فيه بقايا خبز ناشف، وآخر يقول أنا وأربعة من زملائي أنقذنا بقايا كرامتنا وانسحبنا من المعركة بعد أن طلبنا شاش ومضاد حيوي لنسعف زميلنا المصاب، ليأتي رد أحد الضباط الإماراتيين يقول ضعوا على جرحه ” تنبل ” نعم ” تنبل ” في رد جاء أقل ما يوصف أنه صاعقة على مسامعنا.
إلى أي حال وصل بنا الذل، ونحن نعيش هذه الوقائع، وصار البعض منّا للأسف الشديد يتعايش مع إهاناتها، أعترف أنني سمعت أن الجنس الإماراتي مملوء بالكبر والغرور، لكن كنت أتوقع منهم ذلك عندما يكونوا على أرضهم، وليس في أرضي وتربة أجدادي، هذه التربة الطاهرة التي تشربت دماء الحرية والعزة والكرامة، ومرغت أنوف الغزاة من البرتغال إلى الإنجليزي، وهُشّمت رؤوسهم في جبال ردفان ويافع.
نعم إنها الحقيقة التي يجب أن لا يغفل عنها أبناء الجنوب الحر.. نحن الذين أجبرنا البرتغال والانجليز في عز قوتهما على الرحيل من أرضنا صاغرين، يجب أن لا نسمح لعربان الخليج من ضباطهم إلى إعلاميهم أن يعطوننا دروس في الحرية والاستقلال كعاهرة تتحدث عن الشرف، إنهم أخر من يجب أن يتحدثوا عن شيء اسمه “حرية واستقلال” لأن كتب التاريخ تُسجل لنا حقيقة دامغة “فاقد الشيء لا يعطيه”، فالعاجزون عن تحرير جزرهم وأرضهم من إيران منذ عقود من الزمن هم أعجز أن يرسموا لنا طريق “الحرية”، ومن أستقدم جحافل الغرب بعدتهم وعتادهم إلى الخليج ليدمروا العراق الشقيق هم أحقر من أن يمنحوا لنا الاستقلال.
الحقيقة التي يجب أن نستوعبها اليوم قبل الغد، إنه تم الدفع بنا إلى معركة ليس لجنوبنا الحبيب أي مصلحة فيها، وإلاّ ما ذنب رفاقنا الذين قتلوا، وآخرين ما يزالوا يرابطون في الحدود السعودية، وصعده، ومأرب، والمخأ، لا أعتقد أننا نجهل الجغرافيا، وبالتالي نجهل حدود جنوبنا.. حقاً إن ضحايا الجنوب ودمائهم البريئة عند قادة العاصفة ليس أكثر من جلد طبّال يضرب عليه للإعلام عن انتصارات وقتية زائفة.