الدور السعودي في محاربة ثورة 14 أكتوبر ومحاولة إفشالها
الجنوب اليوم | خاص
حاولت السعودية منذ الوهلة الأولى لقيام ثورة 14 أكتوبر ضد المستعمر البريطاني أن تستحوذ على الجنوب وتضمها إلى أراضيها ، ووقفت إلى جانب المستعمر البريطاني ضد الثورة وأبطالها ، وحاولت إفشال ثورة 14 من أكتوبر بشتي الطرق في سبيل تحقيق أطماعها في جنوب اليمن ، ولكن الجبهة القومية الجنوبية التي انطلقت من العاصمة صنعاء والتي اتخذت الكفاح المسلح كخيار وحيد لمقاومة المحتل البريطاني حتى نيل الاستقلال ، كانت من أبرز أهدافها طرد المستعمر الأجنبي وإسقاط الحكم السلاطيني، واسترجاع الأراضي والثروات المسلوبة وتحقيق وحدة الشعب في إقليم اليمن، تلك الأهداف ارتأت فيها السعودية خطراً سيداهما في حال نيل الاستقلال في الجنوب ، فعمدت خلال فترة الكفاح المسلح في الجنوب ضد الإنجليز إلى توطيد تواجدها العسكري في شروره اليمنية وفي الوديعة التي تقع في حدودها الشمالية لحضرموت ، ولكن المؤامرة السعودية سقطت بشكل كلي في ال 30 من نوفمبر عام 1967م .
ورغم مضي 75 عام لم تسقط السعودية تلك المطامع التي أصبحت أهداف استعمارية لها في اليمن ، فالرياض التي فشلت في ستينيات القرن الماضي التواجد في عدن عسكرياً ، تتواجد اليوم فيها تحت ذريعة اتفاق الرياض الذي وقع اطراف الصراع حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض الذي رعته السعودية والإمارات ، وتسلمت بعد ذلك مقر قيادة التحالف في المدينة والمطار وعدد من المواقع والمؤسسات التي كانت تتواجد فيها قوات إماراتية منذ أربع سنوات، إلا أن الرياض التي أرسلت بقوات سعودية تساندها قوات سودانية إلى قاعدة العند العسكرية في لحج أواخر نوفمبر الماضي ، أطماعها وأجندتها الأساسية لها ليس في عدن أو أبين أو الضالع ولحج ، فالمملكة تستعد من وراء اتفاقات شكلية تمحنها التحرك بكل حرية ونشر قواتها في وادي وصحراء حضرموت من جانب ، وكذلك استكمال السيطرة على محافظة المهرة عسكريا ً، لتنفيذ أحد أبرز أهدافها التوسعية في شرق اليمن .
نهب محافظة يمنية
فالرياض التي وقف ضد ثورة 14 أكتوبر وضاقت بها ذرعا ،وحاولت أن تستغل الحروب الداخلية اليمنية طيلة الـ 60 عام الماضية لتحقيق أطماعها التوسعية في محافظة حضرموت اليمنية التي تتسم بمساحة واسعة تساوي ثلث مساحة اليمن وتربطها بالرياض شريط حدودي طويل يمتد من الخراخير وحتى شروره بنجران، وعلى مدى العقدين الماضين تمكنت الرياض من التوغل في عمق الأراضي اليمنية في حضرموت مستغلة الحروب الداخلية والاضطرابات السياسية التي عانتها اليمن للتمدد في الشريط الحدودي وابتلعت عشرات الكيلو مترات على الحدود مع حضرموت.
وخلال الفترة 2008 ـ 2015 ، استغلت أيضاً العديد من الظواهر التي تصاعدت في نطاق المحافظة كانتشار القاعدة وارتفاع ظاهرة تهريب المخدرات على الشريط الحدودي ، والتي يعتقد الكثير من اليمنيين بوقوف الأجهزة الاستخباراتية السعودية ورائها ، خصوصاً وأن القاعدة نفذت عمليات تخريبية لا يبدوا أنها عشوائية وإنما تنفيذاً لمخططات أجنبية ، فاستهدفت قطاع السياحة في حضرموت ، ونفذت سلسلة اغتيالات طالت عناصر أمنية واستخباراتية ، وشنت هجمات انتحارية على مقرات العسكرية ووقفت وراء تفجير مقرات تابعة لأجهزة الأمن القومي والسياسي ، وصولاً إلى قيام القاعدة بالسطو المسلح على بنوك ومصارف تجارية وحكومية في المحافظة ذاتها قبيل العام 2015 ، وخلال تلك الفترة يعتقد بوقوف الرياض وراء تغذية حادثة مقتل أحد شيوخ صحراء حضرموت على يد أحد العناصر الأمنية لضرب هيبة الجيش اليمني في حضرموت ، واستغلالها لإيجاد مليشيات موالية لها تحت مسمى “قوات تحالف حضرموت ” وصل بها الأمر إلى مضايقة الشركات النفطية في المحافظة .
ومنذ بدأ الحرب الذي يشنه التحالف على اليمن حرصت الرياض على إبقاء حضرموت الوادي والصحراء بعيداً عن الصراع، لإدراكها بأن القوات المتواجدة هناك مواليه لها، وأن لا صعوبات للرياض في نشر أي قوات عسكرية لها في حضرموت، بعكس المهرة التي ترفض ذلك التواجد وتصفه بالاحتلال ، ومع اتساع نطاق تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي وتوعده بالسيطرة على الوادي والصحراء، دفعت الرياض بقوات عسكرية ضخمة مطلع العام الجاري إلى مدينه سيئون عاصمة وادي حضرموت تحت ذريعة حماية جلسات مجلس النواب الموالي “للشرعية “، ورغم انسحاب الكثير من تلك القوات ، إلا أنها أبقت العشرات منها في المنطقة العسكرية الأولى في المدينة .
الملك فيصل حاول شراء الجنوب من بريطانيا
الأطماع السعودية في حضرموت والمهرة قديمة بعدما فشل الملك فيصل بن عبدالعزيز بعد قيام ثورة 14 أكتوبر بضم الجنوب الى الأراضي السعودية، وتكشف فيه سعي (فيصل بن عبدالعزيز) ملك السعودية آنذاك الى شراء الجنوب وفصل حضرموت عن الجنوب لضمها الى السعودية.
وكشف مكاوي في صحيفة الجمهورية المصرية الصادرة في العدد 481 بتاريخ 23 فبراير 1967 عن ما أسماه (مؤامرة انجليزية سعودية لفصل حضرموت عن الجنوب وضمها للأراضي السعودية)
وأشارت الوثيقة عن مكاوي قوله: (إن المخطط يأتي بعد خروج للقوات البريطانية من المنطقة وأن هذا الدور يلعبه أيضا سلطان سلطنة الكثيري بحضرموت وشريف بيحان والمستشار البريطاني.)
وتضمنت الوثيقة تصريح مكاوي (ان هؤلاء الثلاثة قاموا بدور كبير لتجنيد عدد من أبناء القبائل في المنطقة وتدريبهم في نجران وضمهم إلى جيش المرتزقة. وأن الأسلحة التي اشتراها فيصل من أمريكا وبريطانيا موجهة ضد ثورتي سبتمبر وأكتوبر في شمال وجنوب اليمن على حد سواء)
وأشار باحثون إلى أن تلك التصريحات كانت السبب في تدبير السعودية جريمة اغتيال لأنجال رئيس الحكومة عبدالقوي مكاوي الثلاثة وشقيقته (جراء نسف منزلهم وقتل جميع من فيه)
وذكر علي السلامي عضو مجلس قيادة جبهة التحرير ( إن أحد السلاطين ) قام بزيارة السعودية وعرض علي الملك فيصل أسماء أعضاء العصابة التي أشرف على نسف منزل عبد القوي مكاوي مما أدى إلى استشهاد أبنائه الثلاثة وشقيقته.. حيث وافق الملك فيصل على تمويلها ومنح أفرادها المنفذين مرتبات ثابتة.
مؤامرة الاتحاد الشرقي
السعودية التي حاولت أن تضع يدها على محافظتي حضرموت والمهرة في ستينيات القرن الماضي بموجب اتفاق رعته بريطانيا في الثالث من مايو من العام 1965م ، وتم توقيعه بين ” ممثل الحكومة السعودية الشيخ عبدا لله عوض بن لآذن ، وممثل السلطنة القعيطية في الجنوب ، بناءً على طلب السعودية السعي في إقامة الاتحاد الشرقي بين كل من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، مقابل قيام الحكومة البريطانية بمنح لاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري ، ونص الاتفاق وفق الوثائق التاريخية أن يراعي الاتحاد الشرقي المصالح البريطانية في الاتحاد المزمع وأن يدمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدرالي مع الحكومة السعودية ” ، تحاول العودة اليوم لتنفيذ تلك المطامع التوسعية القديمة بموجب اتفاق جدة الذي رعته الرياض مؤخراً بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الموالي للإمارات ، والذي يمنح الرياض حق التدخل الكامل في شأن تلك المحافظات أمنياً وعسكرياً .
نفط ثمود
مطلع العام الجاري , انسحبت قوات إماراتية من مديريات ثمود الواقعة في نطاق محافظة حضرموت ومديرية رماة الواقعة في نطاق محافظة المهرة شرقي اليمن، واخلت أبو ظبي تواجدها العسكري من عدة مواقع ومعسكرات كانت تتواجد فيها منذ اكثر من عامين ونصف وسلمت مواقعها لقيادة المنطقة العسكرية الأولى الموالية لهادي، وغادرت صوب المكلا عاصمة المحافظة، ووفقا لمصادر عسكرية في ثمود فإن الرياض دفعت بقوات رمزية إلى معسكر القيعان في منطقة ثمود الصحراوية التي تقع شمال حضرموت وتعتبر جغرافياً امتداد للربع الخالي خلال الأيام الماضية ، ومن المتوقع أن تعزز الرياض تواجدها العسكري في ثمود خلال الفترة المقبلة ليس لسد فراغ انسحاب القوات الإماراتية ، بل ان الرياض حاولت مطلع ستينيات القرن الماضي إلحاق ثمود النفطية بأراضيها ، بعد أن اثبتت شركة ” بان اميركان ” عام 1961، تواجد كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود ، وهو الأمر الذي اثار رغبة السعودية في ضم المديرية إليها ودفعها لاختلاق خلافات مع اليمن حينذاك ، وعلى إثرها توقفت شركة “بان أميركان” ، إلا أن الرياض لم تتوقف عن محاولات ضم وإلحاق المديرية بها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية ، ووفقاً للمصادر التاريخية فقد أوعزت الرياض لأحد تجار حضرموت الحاملين الجنسية السعودية ويدعى ” أحمد سعيد بقشان ” بالقيام بعملية شراء أراضي واسعة في ثمود ،وبعد ذلك حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها الجبهة القومية عام 1967، ولكن على مدى العقود الماضية وقفت السعودية عبر أياديها المختلفة أمام عدم استخراج الثروة النفطية في ثمود ، كما سبق لها ان أوقفت كافة اعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شروره وحضرموت طيلة العقود الماضية ، وهاهي اليوم تعود إلى حضرموت تحت ذريعة إعادة الشرعية .
لذلك يرى مراقبون أن السعودية قد تمكن حكومة هادي والمجلس الانتقالي من ممارسة دور شكلي في إدارة محافظات عدن وأبين وشبوة والضالع ولحج، ولكنها ستنفرد بالكافة الملفات في حضرموت والمهرة، ويتوقع مراقبون ان تستكمل الرياض استقطاب القيادات الاجتماعية في صحراء حضرموت.
عاصفة الحزم في الوديعة
حاولت دولة الجنوب المستقلة بقيادة الرئيس قحطان الشعبي بعد أشهر من الاستقلال حل الخلاف سلميا حول شروره والوديعة وأبدت استعدادها لتشكيل لجنة يمنية جنوبية ـ سعودية لبحث موضوع الحدود بين البلدين ، إلا أن مطالب السعودية كانت بضم شروره إلى أراضيها ، فتصاعدت الخلافات بعد أن فقدت الرياض الكثير من اذرعها في الجنوب وخصوصاً سلاطين حضرموت ، لتندلع أول حرب جنوبية مع السعودية في 27 نوفمبر 1969م، حينما أقدمت قوات جنوبية على مهاجمة “مركز الوديعة الحدودي” الذي استحدثته السعودية في عمق الأراضي اليمنية ، وتقدمت تلك القوات باتجاه شروره لاستعادتها وتجاوزت منطقة قرن الوديعة لتصل إلى مشارف مدينة شروره ، إلا أن السعودية اعتبرت الحرب ماركسية ،واستعانت بالإسلاميين لمساندة قواتها ، وبقيادة الملك الحالي سلمان بن عبدالعزيز الذي قاد القوات السعودية ، استعادت السيطرة على الوديعة ومناطق واسعة في شروره خلال مواجهات عسكرية استمرت عدة أيام واخضعتها بالقوة لسيطرتها.
الضم والإلحاق.
تلك الأطماع لم تتوقف بل استغلت المملكة حالة عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته دولة جنوب اليمن سابقاً خلال السبعينيات والثمانينيات، لتضم أراضي يمنية واسعة كانت تابعة لحضرموت ومحافظتي المهرة النفطيتين وتلحقها بارضها معتمدة على آلية الاستقطاب لضم سكانه المناطق الحدودية إليها من خلال منحهم جنسيات سعودية وتابعيات امتيازات مالية، لتتوغل في عشرات القرى الواقعة على حدودها الشرقية، ونظراً لذلك كادت أن تندلع حرب سعودية يمنية في ديسمبر 1994م، أثناء قيام قوات سعودية باستحداث نقاط ومواقع في منطقة الخراخير التابعة للمهرة والتي أصبحت اليوم سعودية بالكامل ، والتمدد في شروره التابعة لحضرموت ، إلا أن تدخل سوري ومصري مع قيادة البلدين نزعت فتيل التوتر .
السيطرة على المهرة
سياسة الضم والإلحاق السعودية تجاه اليمن، ومطامعها الاستعمارية، انكشفت اليوم بجلاء، فالرياض لم تكتفي بضم عشرات المناطق المهرية إلى ارضيها والحقت مناطق واسعة في الربع الخالي وفي مناطق تابعة لحضرموت لأراضيها، بل تسعى اليوم للسيطرة على محافظة المهرة بشكل كامل تحت أكثر من ذريعة كذريعة مكافحة التهريب، وإعادة الأعمار، ومساعدة المتضررين من إعصار “لبان “الذي ضرب المهرة الشهر الماضي، مستخدمة القوة ضد أبناء المحافظة الرافضين لوجودها العسكري على أراضيهم.
يشار إلى أن الوجود الإماراتي قابل للرحيل باي لحظة بقوة إرادة احفاد ثوار أكتوبر ونوفمبر ، ولكن التوغل السعودي اخطر بكثير بحكم الجيرة ، فالرياض تسعى لإحتلال أبدي في أرض الجنوب .
جس نبص
فالرياض سبق لها مطلع العام 2015 ، أن جست نبض الشارع الحضرمي ، خلال توجيه عشرات المشائخ الموالين لها واللذين منحتهم جنسيات سعودية ، بتوقيع وثيقة تطالب الملك السعودي الحالي سلمان بن عبدالعزيز بضم أراضي حضرموت لتصبح ملكاً من أملاك المملكة العربية السعودية ، تلك الوثيقة التي تعمدت الرياض تسريبها لمعرفة ردود الاقعال الحضرمية تبناها الشيخ صالح بن سعيد بن عبدالله بن شيبان التميمي الذي يدعي تمثيل مشايخ وأعيان قبائل حضرموت والذي يعد من المشائخ الأكثر ولائاً للرياض ، تلك الوثيقة التي حملت تواقيع قرابة 60 شيخاً ينحدرون إلى حضرموت لكن معظمهم يعيشون لسنوات طويلة في السعودية ، اثارت ردود أفعال متباينة وغاضبة بين أبناء حضرموت وكشفت حينها عن وجود مشاريع أخرى كامنه كتأسيس دولة حضرموت وضمها إلى دول الخليج .
الاتفاق الأخير الذي سيعلن عنه في قادم الأيام، تجنب الحديث عن حضرموت تماماً، وهو ما اعتبره مؤتمر قبائل المحافظة تجاهل مقصود سوف يقابل برفض الاعتراف بالاتفاق بشكل كلي، إذا لم يتضمن مشاركة أبناء حضرموت في الاتفاق ومنحهم امتيازات سياسة واقتصادية ، إلا أن الرياض لها حسابات خاصة في هذه المحافظة الواسعة المساحة والغنية بالموارد المختلفة .