السقلدي يكتب: التحالف العربي والاستعانة مرة أخرى بالجماعات الجهادية المتطرفة… إعادة تفخيخ عقل الحاضر والمستقبل
الجنوب اليوم | صحافة
صلاح السقلدي
مرّةُ اُخرى يعودُ التحالف العربي باليمن الذي يضم السعودية والإمارات الى الاستعانة بالجماعات الجهادية بالحرب الدائرة في شمال شرقي اليمن وتحديداً في محافظة مأرب المعقل الرئيس والأخير للحكومة اليمنية الموالية للرياض….مأرب التي تستعر بمحيط عاصمتها اشتباكات ضارية بين القوات الحكومية المؤيدة للرياض والتحالف من جهة والحركة الحوثية وبعض من قوات الرئيس السابق صالح من جهة أخرى، وهي الاشتباكات التي يرى فيها التحالف والحكومة اليمينة بأنها الأخطر عليهما منذ بداية هذه الحرب -التي تطل على مشارف عامها السابع بعد أيام -، وتشكل معركة مأرب أعني بالنسبة لهما فارقة مهمة بمستقبل هذه الحرب وتضع هذه التحالف وشركاؤه على المحك، فسقوط هذه المدينة سيعني للتحالف وللعالم بأسرهِ نهاية لهذه الحرب بانتصار الحركة الحوثية وهزيمة قاسية لمعسكر السعودية، ولذا لم يجد التحالف ومعه الحكومة اليمنية غضاضة وبدٌ مِـن تحشيد كل الطاقات وكل الكيانات العسكرية والقتالية النظامية والمليشياوية وأبرزها الجماعات الجهادية على مختلف توجهاتها الفكرية المتنافرة:( سلفية ،قاعدة ،أنصار الشريعة، إخوانية باليمن ممثلة بحزب الإصلاح)وسواها من الجماعات الايدلوجية المتشددة القتالية التي تتخندق بخندق مذهبي واحد تقريبا.
فحين نتحدث عن عودة التحالف والحكومة الموالية للاستعانة بهذه الجماعات فذلك لأنهما أصلا قد استخدما هذه الجماعات بالفعل في بداية هذه الحرب ضد قوات الحوثيين وصالح ،خصوصا بالجنوب، و إن كان هذا الاستخدام قد خفَّ قليلاً بالعامين الأخيرين. فقد كان لهذه الجماعات دوراً فاعلاً بهزيمة القوات الحوثية بالجنوب بل ومثلتْ تلك الجماعات رأس حربة بكثير من جبهات القتال بالجنوب وفي بعض مناطق محافظة تعز، بعد أن انخرطت عمليا في شراكة قتالية حقيقية مع هذا التحالف وحكومته انطلاقا من حسابات طائفية أو حزبية أو نظير مكاسب مادية ومالية، الى درجة أن تم في الأشهر الأولى من هذه الحرب إبرام اتفاق بين الطرفين أي التحالف وتلك الجماعات على أن يتم تسليم مدن كبرى في جنوبي اليمن مثل حاضرة حضرموت” المكلا” لتلك الجمعات خشية من سقوطها بيد الحوثيين، وحين تجلّتْ الأمور بعد ذلك باستحالة وصول الحوثيون الى تلك المدن أعادة تلك الجماعات الأمانة الى أصحابها منتصف عام 2016 م…. بل أن بعض من الرموز الجهادية الذين انضووا في الست سنوات الماضية في صفوف هذه الحكومة ومؤسساتها وشغلوا مناصب محافظين ببعض المحافظات وفي مواقع قيادية لبعض الأحزاب ويقيم بعضهم في السعودية ويتلقون منها المرتبات الشهرية والحوافز هم رموز مُـدرجين بقوائم الإرهاب الأممية والأمريكية بل والخليجية، والسعودية تحديدا، في مُفارقة فريدة من نوعها .!
اليوم وبعد أن اشتدت المعارك في مأرب واقترب الحوثيون من مشارف مأرب المدينة، عاد التحالف بواسطة الحكومة الموالية له بضح كم هائل من الأموال مصحوبة بحملة إعلامية مشوبة بنَــفسٍ طائفي خطير، يعيد للأذهان حرب عام 1994م على الجنوب حين استخدم الطرف الأخر الجماعات الجهادية التي كانت قد عادت لتوها من افغانستان الى اليمن وسائر دول المنطقة، وكان لتك الجماعات وأصحابها ما أراودوا من نصر عسكري وهزيمة الطرف الجنوبي الذي كان يصمه الطرف الأخر بالشيوعي الكافر الخارج عن الملة والدين الذي يجب مجاهدته وقتاله. وكانت نتيجة تلك التعبئة وذلك التزاوج الديني السياسي بين تلك الجماعات والقوى السياسية والعسكرية والحزبية بالغ الأثر السلبي على الجميع بمن فيهم سلطات الحكم التي أتت على انقاض وضع ما بعد تلك الحرب، وظل اليمن منذ ذلك الحين وحتى الساعة يدفع ثمن تلك الحماقات والجنوب.
اليوم وبهذه الحرب 2015م وبعد كل الويلات التي تجرعها اليمن شمالا وجنوبا يبدو أن القوى الحزبية والسياسية والعسكرية اليمنية لم تتعلم من تجارب كارثية توظيف الدين لخدمة السياسية، ومن الشيطنة الميكافيلية التي تبيح كل الوسائل لغرض استعادة السلطة التي فقدتها عام 2015م، وطفقتْ منذ اللحظة الأولى القوى اليمنية وبالأخص حزب الإصلاح لنبش ليس فقط الهاجس التكفيري على غرار حرب 94م بل واستدعاء الطائفية وتصوير الحرب بأنها حربا بين سُــنية يمثلها حزب الإصلاح والسفليين وسائر الجماعات الجهادية وبين الحركة الحوثية بصفتهم شيعة مجوس- وفقا لتوصيف تلك الجماعات, مستفيدين من التشجيع السعودي لهكذا نغمة طائفية مذهبية على خلفية الصراع السعودي الإيراني.
اليوم المئات إن لم نقل الآلاف من العناصر السلفية والجهادية الأخرى يتم الدفع بها من كثير من المحافظات وبالذات الجنوبية صوب مأرب، سيشكلون وقود حرب مجهولة الهدف المصير مما سيعني هذا ليس مزيدا من تعميق الجرح الغائرة أصلا بين الشمال والجنوب الذي يشكل مخزون الضخم لهذه الجماعات، وكذلك بين حزب الإصلاح “الإخوان”والحركة الحوثية الزيدية. كما أنه سيعني بالضرورة مزيدا من تفخيخ المستقبل باليمن شمالا وجنوباً،في بلد تعصف به الويلات والتمزق والعصبيات.
السعودية التي تمضي قُــدما وبوتيرة عالية منذ سنوات بقيادة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان بالحد وتقليص نفوذ ودور الفكر السفلي الجهادي المنغلق، ونراها تحقق خطوات كبيرة بثورة اجتماعية إصلاحية حداثية فريدة من نوعها للإفلات من قبضة ذلك الفكر المتزمت نراها اليوم في اليمن وتحت ضغط الإخفاق العسكري لقوات التحالف والقوات الحكومية الموالية لها تفعل عكس ما تفعله في الداخل السعودي من إصلاحات ومن كبح لهذا التيار المتشدد،-منذ بداية هذه الحرب على الأقل- فهي تدفع بمزيدٍ من الأموال والأسلحة والعتاد لمعظم الجماعات الجهادية سواء المنخرط بالأحزاب أو غيرها، غير عابئة بمستقبل هذا البلد المنهك الممزق.
نحن هناك نسجّــل تنبيهنا من خطورة ما نراه من شيطنة وتلغيم على مستقبل أجيالنا وعلى مستقبل وطن تنهشه أنياب ضباع الداخل وتفترسه مخالب ذئاب الخارج، ولِــئلا يكون ذلك المستقبل كحاضر اليوم قاتماً بائسا محكوما بأفكار ناسفة وبعقول ملغومة. اللهم أننا بلغنا،اللهم فاشهد.
المصدر/ رأي اليوم