عبد الباري طاهر يكتب: الرابع عشر من اكتوبر مجد الإستقلال
الجنوب اليوم | مقال
بقلم / الأستاذ عبدالباري طاهر نقيب الصحفيين اليمنيين الاسبق
لم تكن قيادة الحركة ديمقراطية لا قبل الاستقلال ولا بعده بأي معنى من المعاني، وبرغم قطيعتها مع المركز القومي في بيروت إلا أن تحول نايف حواتمة والجبهتين: الديمقراطية، والشعبية إلى الماركسية كان له تأثير وحضور كبير في التجربة، وكانت الإجراءات القمعية والعمياء ضد مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب، والصحافة حتى المؤيدة والقريبة في غاية القسوة، وكانت الإجراءات الاقتصادية في التأميمات غاية في التبدي والهمجية: تأميم الدكاكين، والمنازل، ودور السينما، وقوارب الصيد، وفرض الاتجاه واللون الواحد، ومصادرة الحريات، وقمع المختلف، والتصفيات الدموية، ثم كان الارتهان للمعسكر الاشتراكي بالمطلق، والقطيعة مع محيطها العربي غير متوازن.
في كل تجارب التحرر الوطني والثورات الوطنية اليسارية جرى تغليب ما سمي الديمقراطية الاجتماعية على السياسية، وخلق عداوة بينهما، وللقضية علاقة بالخلاف بين البلاشفة والمناشفة، وبين المنحى الستاليني، والاشتراكية الأوروبية، بل وبين اللينيية، والستالينية؛ وهو ما ترتب عليه نتائج كارثية داخل التجربة السوفيتية نفسها، وكانت الاستعارة الفكرية والارتهان كبيرين في الرابع عشر من أكتوبر، ثم إن الانتصار بالسلاح ضد الاستعمار البريطاني بقدر ما مثل مجد الجبهة القومية، وصواب رؤيتها وموقفها بقدر ما أصبح كعب أخيل في النهج والممارسة بعد الاستقلال؛ فقد اعتقد قادة الكفاح المسلح أن “السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية”- المقولة الماوية. ليس هذا فحسب، بل توهموا أن السلاح وحده الوسيلة لحسم الصراعات الداخلية في مواجهة المعارض السياسي، وتطور الهوس إلى استخدامه في الخلاف الداخلي، وربما توهم المنتصرون بالسلاح ضد بريطانيا العظمى أنه الوسيلة المثلى والسبيل والأداة الوحيدة لحل معضلات ومهام الثورة الوطنية الديمقراطية.
إن غياب الحريات السياسية أدى إلى ضياع الإنجازات المكتسبة في المجالات الأخرى. وحقًا، فإن مكائد الرجعية العربية والامبريالية كان لها الأثر البالغ في دفع التجربة الرائدة باتجاه العسكرة، وإرغامها على الامتشاق المستمر للسلاح؛ لحماية أمنها وتجربتها.