صراع أمريكي بريطاني جنوب اليمن.. الاستعراض العسكري الأمريكي بحضرموت كان رسالة لبريطانيا
الجنوب اليوم | تقرير
يوماً بعد آخر تتضح تفاصيل اللعبة في اليمن تحديداً في الجنوب الذي برزت فيه مؤشرات تقاطع مصالح قوى دولية أكبر من السعودية والإمارات التي كلما طالت الحرب في اليمن يتضح أكثر بأنهما لا تزالان أدوات بيد كل من واشنطن ولندن.
يمر جنوب اليمن حالياً بمرحلة صعبة جداً وخطيرة في الوقت ذاته – لكن وحسب مراقبين – فإن أبناء الجنوب لا يزال أمامهم الفرصة لتجنيب بلادهم تطور الصراع الدولي على أرضهم ووقف تحويل بلادهم إلى ساحة حرب دولية ليس بين أطراف دولية تعادي بعضها البعض بل بين الأطراف التي ظلت خلال سنوات الحرب الماضية حليفة لبعضها البعض.
يبرز الصراع الدولي اليوم في الجنوب بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المملكة المتحدة البريطانية الحليفان الرئيسيان والمشرفان بنسب متفاوتة على الحرب في اليمن منذ 2015، من خلال التطورات الأخيرة والأحداث التي وقعت خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية.
تؤكد مصادر سياسية جنوبية رفيعة – متواجدة خارج اليمن – بأن الحركة التي قامت بها واشنطن مؤخراً من خلال إخراج بعض قواتها المتواجدة في قاعدة مطار الريان بمدينة المكلا بحضرموت جنوب شرق البلاد ونشر تلك القوات في محيط مستشفى غيل با وزير بمدرعات أمريكية وكلاب بوليسية وفرض نقاط تفتيش للمارة ولسيارات المواطنين من أبناء غيل باوزير، تؤكد المصادر السياسية أن تلك الحركة كانت مقصودة وأن الهدف منها لم يكن فقط جس نبض للشارع اليمني في حضرموت وقياس مدى ردة فعله حين يتفاجأ بانتشار قوات أمريكية في مدنه وخضوعه للتفتيش من قبل جندي أمريكي، بل كانت رسالة قصدت واشنطن إرسالها لحليفتها بريطانيا (العظمى) التي يبدو أن مصالحها مع واشنطن بدأت تتقاطع جنوب اليمن وفي غير اليمن أيضاً، خصوصاً مع افتراق واشنطن ولندن بعد الأزمة الأوروبية الأمريكية.
أرادت واشنطن القول لبريطانيا بأن الساحة جنوب اليمن هي خاصة بأمريكا وأن على بريطانيا احترام الرغبات الأمريكية والسير وفق ما تقتضيه مصلحة واشنطن أولاً ومن ثم مصلحة بريطانيا.
بدورها ذهبت بريطانيا للرد على الخطوة الأمريكية بالتلويح بقلب الطاولة على واشنطن، برز ذلك من خلال تصريحات السفير البريطاني لدى اليمن ريتشارد أوبنهايم لصحيفة الشرق الأوسط السعودية، والذي صرح قبل يومين بأن بريطانيا جاهزة لدعم قرار دولي جديد لتسوية سياسية شاملة في اليمن بدلاً عن القرار 2216، مضيفاً إن أي تسوية سياسية قادمة ستكون بأيدي اليمنيين وأن لا دور للخارج فيها، وهو تلميح بأن بريطانيا قد تستغل هذه الورقة لمناورة واشنطن التي تستعرض عضلاتها ورسائلها غير المباشرة جنوب اليمن والموجهة لبريطانيا تحديداً.
وفي الوقت الذي تدعم فيه بريطانيا ربيبتها في المنطقة “الإمارات” للتحرك كيفما تشاء جنوب اليمن، بما في ذلك دعمها للانفصال وهو يؤكده أيضاً أوبنهايم والذي قال في المقابلة ذاتها بأنه لا يمكن حدوث انفصال في اليمن إلا بوجود حكومة أولاً على الأرض، تضغط الولايات المتحدة باتجاه سيناريو آخر يتمثل بتبني الصراع البيني أياً كان شكله طائفي او مذهبي او مناطقي ودعم وتغذية الفوضى الخلاقة لأطول فترة ممكنة على أن يكون هذا السيناريو تحت مظلة وسقف الوحدة اليمنية، أي بما لا ترغب به بريطانيا، ولهذا ضغطت أمريكا في مجلس الأمن خلال جلسته الأخيرة المنعقدة بشأن اليمن للتركيز في البيان الصادر عن المجلس على موضوع وحدة اليمن والحفاظ عليها، والضغط أيضاً على المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن هانز غروندبيرغ والذي استبعد في زيارته إلى عدن الأسبوع قبل الماضي ولقائه بعيدروس الزبيدي، استبعد إدخال القضية الجنوبية في أي حوارات قادمة.
ويؤكد مراقبون سياسيون بأنه قد يكون من المبالغ فيه أن نقول بأنه لم يعد أمام أبناء المحافظات الجنوبية سوى المقاومة المسلحة ضد أي وجود عسكري أجنبي، إلا أن تلك هي الحقيقة فعلاً فالقوى الدولية تسعى لفرض سيناريوهات كل منها أسوأ من الآخر ويعني الاحتلال الأجنبي السياسي والعسكري والاقتصادي للجنوب لمدى طويل قد لا ينتهي إلا بعد عقود من الزمن إذا لم يتحرك الجنوبيون من الآن لوقفه وقطع الطريق على أي من هذه السيناريوهات.