من مأساة الإعلاميين الفاقدين لوظائفهم.. تعز وعدن تضطهد المسجدي لمجرد كونه مصور سابق بالساحات
الجنوب اليوم | كتب: عامر عبد الكريم
ترسم مأساة محمد المسجدي تكثيفاً مصغراً لمعاناة الصحافيين المهنيين في اليمن، الذين كانوا في طليعة الضحايا الذين ابتلعتهم جحيم الحرب اليمنية.
قبل ذلك؛ كان محمد المسجدي وهو أب لولدين وطفلة، يعمل مصوراً لإحدى القنوات الفضائية في صنعاء، قبل أن تندلع الحرب عام 2015م بعد توقف رواتبه لفترة طويلة واضطراره للنزوح إلى مدينته «تعز».
قرر المسجدي، وفي غمار الحرب الطاحنة، أن يواصل مسيرته في العمل، حيث قام بتغطية الحرب بكاميرته الشخصية، وبيع مواده المصورة للوكالات الإخبارية والقنوات الدولية، التي ظلت تماطله في دفع مستحقاته، لقرابة العامين.
اشتدت الاشتباكات بين قوات الحوثيين والمقاومة الشعبية في تعز، ومع توسع الاشتباكات ووصولها إلى الحي الذي يسكن فيه؛ اضطر المسجدي للمغادرة إلى مدينة التربة جنوبي المحافظة، حيث أقام فيها لبضعة أشهر، لينتقل بعدها إلى العاصمة عدن، بحثاً عن لقمة العيش.
لم يجد محمد أثناء إقامته في عدن، فرصة للعمل في مجال التصوير التلفزيوني، فاضطر للعمل كسائق في إحدى شركات تأجير السيارات، ونتيجة لصعوبة الظروف المعيشية، وعدم قدرته على الإيفاء بالتزاماته، بسبب تدني الأجر الذي كان يتقاضاه، قرر العودة إلى تعز مرةً أخرى.
في تعز عمل محمد كمصور بالقطعة، لصالح المنظمات العاملة في المجال الإنساني، ونظراً لموسمية أنشطة هذه المنظمات، استمر في تغطية الحرب بكاميرته لصالح القنوات الفضائية التي لم تف بالتزاماتها تجاهه، الأمر الذي تسبب في تدهور حالته المادية بشكل كبير، ما اضطره لبيع كاميرته الشخصية للوفاء بالتزاماته الأسرية.
دون كاميرا، لم يعد بوسع محمد العمل في مجال التصوير، الأمر الذي اضطره للانتقال مرةً أخرى إلى عدن للبحث عن عمل آخر يستطيع من خلاله توفير القوت لأطفاله.
في عدن، لم يجد محمد المسجدي عملاً يناسب قدراته الشخصية، ولكنه، وبسبب الحاجة، اضطر للعمل كسائق لشاحنة بيع المياه العذبة والتي يُطلق عليها محلياً مسمى «الوايت»، وظل يعمل في بيع المياه للمنازل لمدة عامين، بعدها، انتقل للعمل لدى معرض لتأجير السيارات، حيث كان يقوم بنقل السيارات بين محافظتي عدن والمهرة.
وعن ظروف عمله في تعز، يقول المسجدي، إنه تعرض للمضايقات أثناء عمله في تغطية الحرب الطاحنة التي شهدتها المحافظة، حيث قام مسلحون تابعون للشيخ حمود سعيد المخلافي حينها باعتقاله نتيجة وشايات من بعض الأشخاص، على خلفية عمله السابق في قناة «الساحات» في الفترة السابقة لنشوب الحرب.
يقول المسجدي، «أخذوني إلى الشيخ حمود سعيد بتهمة عملي السابق في قناة الساحات، مع أني كُنت اشتغل مواد إنسانية».
وإذا كانت المضايقات التي تعرض لها المسجدي في تعز، قد دفعته للانتقال إلى عدن أكثر من مرة بحثاً عن الأمان وطلباً للرزق، فقد تلقفته عدن بصورٍ أخرى من الانتهاكات، حيث أنه وخلال عمله في نقل السيارات بين محافظتي عدن والمهرة، تعرض لحادثة اعتقال من قبل المسلحين في إحدى نقاط التفتيش.
يقول المسجدي: «أثناء عملي في نقل السيارات، تم توقيفي في نقطة العلم (بين محافظتي عدن وأبين) من قبل عسكر النقطة، وذلك بحجة عملي السابق في قناة الساحات الفضائية، قبل الحرب، وبسبب هذه التهمة فقد تم سجني لمدة شهر كامل، وتم لاحقاً الإفراج عني بعد متابعة حثيثة من الأهل والأصدقاء».
ويضيف: «بعد خروجي من السجن، فقدت عملي، وضاق بي الحال في عدن، حتى اضطررت للعودة مجدداً إلى تعز، والاستقرار فيها، حيث أني ومنذ ذلك الحين أعمل في أحد المخابز بأجر يومي وقدره 3 آلاف ريال» (أقل من 2 دولار).
وعن الأسباب التي منعته من العمل في مهنته الرئيسية، كمصور تلفزيوني، يقول المسجدي، «حاولت مع الكثيرين من مراسلي القنوات الفضائية لتوظيفي معهم كمصور تلفزيوني، ولكنهم رفضوا، للأسف أصبح العمل الإعلامي خاضعاً لسيطرة اللوبيهات والشلل، كل شخص أو شلة لا يوظفون إلا أصدقاءهم».
ويرى المسجدي أن القنوات الإعلامية أصبحت موجهة ومسيطر عليها من قبل أمراء الحرب، وهذا ما يجعل الصحفي المهني والمستقل مرفوضاً من الذين يسيطرون على الغالبية الساحقة من وسائل الإعلام.
كان الثمن الذي دفعه محمد في كفاحه المرير هذا باهظاً، فبين الانتهاكات التي تعرض لها في مختلف الأماكن التي نزح إليها، إلى مماطلته والعبث بحقوقه المادية، إلى المضايقات والسجن دون سبب وجيه، إلى الإقصاء والنبذ والحرمان من حق العمل في مهنته الأساسية «الصحافة» إلى الضغوط القاهرة والمؤلمة التي عاشها من أجل توفير حياة كريمة لأسرته وأطفاله، وإلى المزيد من الكفاح والدأب والمعاناة المستمرة من أجل العيش.
خلال هذه الأعوام، أصيب محمد المسجدي بعدد من الأمراض المُزمنة، أبرزها أمراض القلب، والسكر، وارتفاع ضغط الدم، كل هذه الأمراض أصابت محمد الصحفي الشاب الذي بات يصرف أكثر من نصف دخله على شراء الأدوية «كل شهر أشتري علاجات بمبلغ 50 ألف ريال».
يقول محمد، «ما بين عامي 2009 – 2015 كونت علاقات واسعة في الوسط الصحافي، ورغم ذلك، لم أستطع أن أجد عملاً لدى كل من أعرفهم».
ويضيف “أعرف الكثيرين، مديري قنوات ووكلاء في وزارة الإعلام ولكن، لا أحد منهم يرد حتى على رسائلي، في النهاية يتخلون عنك.. كل واحد مشغول بنفسه”.
تواصل محمد مع الكثيرين في الوسط الصحافي، وعدد منهم يتولون مناصب حكومية، أو مواقع قيادية في بعض القنوات والمؤسسات الإعلامية ولكن كل اتصالاته تلك لم تسفر عن فائدة تذكر، حتى نقابة الصحافيين اليمنيين، طرق محمد بابها لتساعده في البحث عن حل لمشكلته دون جدوى.
المصدر: نيوز يمن