«الإصلاح» خاسراً وحيداً: الرياض وأبو ظبي تتقاسمان «كعكة شبوة»
الجنوب اليوم | صحافة
رشيد الحداد
بعد سنوات من الصراع غير المباشر على النفوذ، يبدو أن صفقة جديدة ستَجمع السعودية والإمارات في اليمن، تقوم على تقاسم محافظتَي شبوة وحضرموت النفطيّتَين، والتخلّص من حزب «الإصلاح» بعدما بات عبئاً ثقيلاً عليهما، وتمكين ميليشيات موالية لهما مكانه. ونظراً إلى الأهمية الاستراتيجية التي تحوزها شبوة، أبقت الرياض قوّاتها في المناطق الصحراوية المحيطة برملة السبعين من الجهة الشمالية الشرقية المُحادِدة لحضرموت، فيما بدت الإمارات مهتمّة بشكل كبير بالسيطرة على سواحل المحافظة على البحر العربي، والممتدّة على نحو 300 كلم.
بعدما خاضت الدولتان صراع نفوذ عبر أدواتهما المحلّية في محافظتَي شبوة وحضرموت النفطيّتَين خلال العامين الماضيين، التقت مصالح السعودية والإمارات مجدّداً في شرقيّ اليمن، حيث تعملان على استنساخ صفقة التقاسم الأولى المتمثّلة في تمكين أبو ظبي من أرخبيل سقطرى بعد أكثر من عام من إبعادها منها، مقابل سيطرة الرياض على محافظة المهرة، إذ تعود الميليشيات الموالية للإمارات، اليوم، إلى شبوة، الخاضعة لسيطرة حزب «الإصلاح» منذ عامين، وفقاً لأجندة مشتركة مع السعودية، التي استدعى سفيرها لدى اليمن، محمد آل جابر، قيادات من الحزب إلى الرياض لإبلاغهم بها. وبالتزامن مع ذلك، عاد محافظ شبوة الجديد الموالي لأبو ظبي، عوض الوزير العولقي، إلى مدينة عتق، مركز المحافظة، على متن طائرة عسكرية سعودية خاصة برفقة عدد من الضباط السعوديين، في وقت وصلت فيه إمدادات عسكرية على متن سفن تابعة لوازرة الدفاع السعودية، إلى ميناء نشطون الخاضع لسيطرة الرياض في المهرة. ووفقاً لمصادر مطّلعة، فقد اتّجهت التعزيزات صوب شبوة وحضرموت، وهو ما اعتبره مراقبون «مؤشّراً إلى نوايا سعودية للسيطرة في قادم الأيام على وادي حضرموت»، حيث تتصاعد الاحتجاجات القبلية المناهِضة لـ«الإصلاح».
الأهمية الاستراتيجية لمحافظة شبوة النفطية الواقعة جنوب وسط اليمن، والتي تحدّها من الشرق حضرموت ومن الشمال مأرب ومن الغرب أبين ومن الجنوب بحر العرب وخليج عدن، دفعت الرياض إلى إبقاء قوّاتها، بقيادة اللواء يوسف الشهراني، في المناطق الصحراوية التي تحيط برملة السبعين من الجهة الشمالية الشرقية. وفي الاتّجاه المقابل، بدت الإمارات مهتمّة بشكل كبير بالسيطرة على سواحل المحافظة على البحر العربي، والتي تمتدّ على نحو 300 كلم، وسلْب حزب «الإصلاح» الامتيازات التي حصل عليها منذ مشاركته في حرب صيف 1994 في سواحل شبوة، كسيطرته على ميناءَي بئر علي والنشيمة، إلى جانب سيطرته السابقة منذ عام 2017، على ميناء ومنشأة تصدير الغاز في منطقة بلحاف. وخلال السنوات الماضية، سعت أبو ظبي إلى منْع اقتراب أيّ تشكيلات موالية للسعودية من منشأة بلحاف، وهو ما سكتت عنه الرياض. وعندما حاولت «النخبة الشبوانية» التابعة للإمارات الاقتراب من حقول النفط، استعانت السعودية بحليفها السابق، «الإصلاح»، لإزاحتها، بل إن قوات سعودية تدخّلت بنفسها أواخر عام 2019 للتموضع في عتق، وفرْض طوق على حوضَي السبعين والمسيلة النفطيَّين الواقعَين بين شبوة وحضرموت، من أجل منْع سيطرة أيّ طرفٍ غيرِها عليهما.
وفي خلال الأيام الماضية، عزّز الجانب الإماراتي جبهات شبوة بالمئات من العناصر الموالين له، وأعاد «النخبة الشبوانية» إلى مدينة عتق لتتسلّم المهام الأمنية خلَفاً لـ«الإصلاح». وتزامَن ذلك مع قيام «المجلس الانتقالي الجنوبي» في شبوة بإسقاط كلّ أعلام اليمن، ورفع أعلام الانفصال وعلم الإمارات في شوارع المدينة ومؤسّساتها ومدارسها. كما استعادت ميليشيات «العمالقة» عدداً من المقرّات والمعسكرات، وفرضت سيطرتها الكاملة على مديريات ميفعة وعتق وجردان الواقعة على خطوط إمداد النفط بين حقول الإنتاج وميناء التصدير في النشيمة. وتزامَنت هذه التحرّكات مع مواصَلة قبائل حضرموت التصعيد ضدّ ميليشيات «الإصلاح» في الوادي والصحراء، على رغم استجابة الحزب لبعض مطالبها. وتقود هذا التصعيدَ أطراف موالية للإمارات وأخرى للسعودية، في ما يعكس توافقاً بين الدولتَين على تمرير صفقة التقاسم عبر أدواتهما الداخلية، علماً أن السعودية تريد فرض سيطرتها على وادي حضرموت وصحرائها، نظراً إلى ارتباط المحافظة بشريط حدودي طويل مع المملكة.
على أن الخطّة السعودية – الإماراتية تلك، لم تسلك طريقها إلى التنفيذ بلا عقبات، لعلّ أبرزها حالة الانشقاق في صفوف «العمالقة» التي انقسمت إلى تيّارَين: أحدهما موالٍ لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، أولويته التصعيد في مديريات بيحان ضدّ قوات صنعاء، وآخر موالٍ للإمارات أولويته إنهاء نفوذ «الإصلاح». وعلى هذه الخلفية، وفي محاولة للتعمية على هذا الانشقاق، أعلنت وسائل إعلام موالية للإمارات، مساء الجمعة الماضي، انطلاق العمليات العسكرية في أكثر من جبهة في بيحان، ليَعقب ذلك، صباح السبت، تحذير قبائل بلحارث من إقحام مناطقها في الصراع كونها محايدة وتخضع لسيطرة أبنائها. لكنّ «اللواء الأول – عمالقة» في جبهة الصفراء شرق عسيلان، عمد إلى مهاجمة مواقع قبلية، وسيطر على مناطق الهجر والخيالة واتصالات حيد بن عقيل، ما أثار سخط القبائل، التي شنّت هجمات مضادّة على مواقع «العمالقة»، قبل أن يتدخّل الجيش و«اللجان الشعبية» لإسنادها، ويتمكّنوا سوياً من استعادة كلّ المواقع التي سقطت السبت، وهو ما أكده محافظ شبوة الموالي لصنعاء، اللواء عوض بن فريد العولقي. وفي أعقاب التطوّرات المُشار إليها، عمد طيران التحالف السعودي – الإماراتي إلى شنّ عشرات الغارات الجوية على مناطق متفرّقة من عسيلان وبيحان، أدّت إلى مقتل مدنيين وتسبّبت بدمار في الممتلكات العامة والخاصة. ووفقاً لمصادر محلية، فإن ميليشيات «اللواء الثاني – عمالقة» الموالية لهادي، كانت في حالة استعداد للتصعيد في جبهة مرخة العليا، وإسناد ميليشيات «الإصلاح»، إلّا أنها تراجعت بسبب «تعرّضها لمؤامرة إماراتية مكشوفة»، تمثّلت في قصف جوي مكثّف يومَي الجمعة والسبت، أدّى إلى مقتل وإصابة العشرات من عناصرها وتدمير عدد من المدرّعات والآليات التابعة لها.
جريدة الاخبار