هل ينجح التحالف بخداع الجنوبيين مجدداً.. من “عدن دبي ثانية” إلى “اليمن كبلد أوروبي”
الجنوب اليوم | تقرير: يحيى بوهاشم الشرفي
في الأشهر الأولى للحرب السعودية الإماراتية على اليمن، لم يكن قد حدث تدخل عسكري بري في الجنوب من قبل التحالف، وكانت هناك مفاوضات بين حركة الحوثيين وعدد من القيادات الجنوبية في العاصمة العمانية مسقط، وفيما كانت المفاوضات على وشك التوصل لاتفاق يقضي بانسحاب قوات الحوثيين من المدن الجنوبية وتسليمها لقوى جنوبية وطنية وموثوق بها لقطع الطريق على تنظيم القاعدة والعناصر المتطرفة، وكانت القيادات الجنوبية التي كانت تتفاوض مع وفد الحوثيين قد ساهمت في تشكيل هذا الاتفاق المبدئي وكانت قيادات الحوثيين قد قبلت بذلك، لكن حدث شيء أوقف تنفيذ الاتفاق، حيث وبمجرد علم السعودية بأن الطرفان على مقربة من التوصل للاتفاق السابق سارعت إلى الضغط على القيادات الجنوبية بعدم الموافقة على الاتفاق والبحث عن ذرائع واشتراطات كانت حينها غير منطقية لا للطرف الجنوبي ولا لطرف الحوثيين وكان الهدف من تلك الاشتراطات عرقلة التوصل لأي اتفاق لأن الرياض حينها لم تكن قد توصلت لقناعة بأن توقف شن غاراتها على اليمن على أساس القبول بنتائج تلك المفاوضات بل أرادت أن تبحث لها عن انتصار أكبر وأقوى لتحسين سمعتها في المنطقة وليبدو محمد بن سلمان أقوى رجل في الأسرة المالكة والأجدر بتولي الحكم بعد أبيه بدلاً من عمه محمد بن نايف.
تدخل السعودية في تلك المفاوضات لم يكن التدخل الوحيد الذي أوقف تلك المفاوضات والاتفاق، حيث ساهمت الإمارات بشكل رئيسي في التأثير على السعودية وإقناعها بأن الأفضل للسعودية والإمارات وبعد أن صار للبلدان عدة أسابيع من تنفيذ الغارات الجوية في مختلف المحافظات اليمنية، تنفيذ إنزالات عسكرية للتحالف في عدن، وقد استطاعت الإمارات أن تقنع السعودية بأن تتولى الإمارات مهمة السيطرة البرية على عدن في الوقت الذي كانت فيه الرياض متخوفة من التوغل البري داخل اليمن خشية وقوعها في مستنقع قد لا يمكن الخروج منه بسهولة، وهذا الرأي كان يحمله سعودياً كبار السن من أعضاء الأسرة المالكة فيما كان الأمير الشاب محمد بن سلمان ينساق لجنونه وطيشه لتنفيذ أعمال عسكرية أكبر في اليمن تتجاوز الغارات الجوية.
بالنسبة للإمارات فقد وجدت في الحرب على اليمن فرصة في فرض هيمنتها على السواحل الجنوبية، إضافة لتخوفات الإمارات من أن يقوم الجنوبيون الذين كانوا يتفاوضون مع الحوثيين في مسقط بعد تسلمهم إدارة المدن الجنوبية بإحياء وتطوير ميناء عدن وموانئ أخرى لا تريد الإمارات أن تقوم لها قائمة ولهذا سارعت لإقناع السعودية بخطتها بتنفيذ إنزالات برية تقودها الإمارات في الجنوب والبداية من عدن، التي دخلتها الإمارات وهي توهم أبناء الجنوب وعدن تحديداً بأنها ستحول هذه المدينة إلى “دبي ثانية”.
بعد الإنزال البري للتحالف في عدن بقيادة الإمارات، كانت تدور في أروقة حكام الخليج أنباء خطة إماراتية هدفها إطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنة، كانت تفاصيل تلك الخطة بحسب ما تسرب حينها بأن تقوم الإمارات بتجنيد مليشيات مسلحة تحت عنوان “المقاومة الشعبية” ودعم هذه المليشيا بالسلاح، ويبدو أن السعودية كانت مهمتها التكفل برواتب هؤلاء المجندين، فيما تضمنت البنود الأخرى من الخطة الإماراتية المعروضة على السعودية أن يتم الإبقاء على كل من هادي وعلي محسن الأحمر وقيادات حزب الإصلاح البارزة في السعودية أو تحويلهم إلى قطر وعدم إعادتهم إلى عدن في تلك المرحلة، كما تضمن البند الثالث أن يسمح التحالف فقط بإعادة خالد بحاح أو من تراه الرياض وأبوظبي بأنهم قيادات جنوبية معتدلة ومضمونة وموثوق بها، والمقصود هنا هو من تراه أبوظبي موالياً لها لإدارة المناطق الجنوبية وبإشراف من التحالف، كما تضمنت بقية البنود إعطاء وعد من التحالف للجنوبيين بمنحهم حق تقرير المصير والاستفتاء على الوحدة، بالإضافة إلى استغلال المجندين ضمن “المقاومة الشعبية” لمقاتلة الحوثيين وقوات صالح حينها حتى يتم إعادتها إلى المحافظات الشمالية على الحدود الشطرية لما قبل عام 90م، بالإضافة إلى إبقاء اليمن تحت الوصاية الخليجية لمدة عامين ومن ثم ضمه إلى مجلس التعاون الخليجي، كانت حينها أبوظبي والرياض تريان في أن هذه المدة ستكون كافية لتنفيذ مخططاتهما جنوب اليمن الرامية لتقاسم الكعكة وهندسة اتفاق يسمح لنفوذ البلدين باقياً على الجنوب، لكن ما أربك الخطة الإماراتي التي كانت قد اقتنعت بها السعودية هو التدخل القطري على الخط حيث سارعت قطر إلى دعم الإخوان المسلمين مالياً لقطع الطريق على الرياض وأبوظبي لتنفيذ هذا المخطط ليس حباً في جنوب اليمن وإنما لأن قطر وجدت في أن تمكن الإمارات من تحقيق نفوذ وهيمنة جنوب اليمن سيعزز من موقعها ومن وضعها الاقتصادي وهو ما قد يدفع بها إلى التهور أكثر والقيام بارتكاب حماقات ضد قطر نفسها أو ضد مصالحها في اليمن.
من المعروف أن الإمارات لها تاريخ أسود في إدارة واستثمارات الموانئ في بلدان القرن الإفريقي بما في ذلك إدارتها لميناء عدن إبان حكم علي عبدالله صالح الذي منحها امتيازات في التصرف والإدارة والشحن وغير ذلك من التحكم المصيري بموانئ عدن على الرغم من أن حصة أبوظبي في تلك الصفقة كانت فقط 20% فيما كانت حصة موانئ خليج عدن 50% ورجل الأعمال اليمني المرتبط بالسعودية عبدالله بقشان 30%.
ورغم أن الاتفاق بين الإمارات ونظام صالح حينها كان على أساس تطوير وتشغيل موانئ عدن، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً حيث سرعان ما تنصلت أبوظبي عن الاتفاق ولم تنفذ أعمال تحديث الموانئ ومنشآته ومارست عملية تدمير ممنهجة استمرت لـ4 سنوات حتى تآكلات معدات الميناء بل إن المعدات الصالحة للعمل تم بيعها على اعتبار أنها أصبحت خردة ولم يتم التعويض بدلاً عنها إضافة إلى ذلك قيام شركة موانئ دبي وهي الممثل الإماراتي في الاتفاق على إدارة موانئ عدن برفع تعرفة حاويات الترانزيت بنسبة 80% وهو ما دفع بالسفن التي تمر من الخطين الملاحيين الرئيسيين إلى العزوف عن التوقف بموانئ عدن والذهاب لموانئ دبي لأن تعرفة الترانزيت لديها أقل من التعرفة التي فرضتها الإمارات في موانئ عدن، يضاف إلى ذلك محاولة الإمارات “تهريب أثاث ومعدات موانئ عدن بتوجيهات من مدير شركة موانئ دبي، إلا أن اللجنة الإدارية المشتركة أحبطت عملية التهريب واتهمت الشركة بالتعدي على المال العام وخرق القانون. اتهامات أضيف إليها لاحقاً انتهاك حقوق العمال وفتح حسابات وهمية في البنك الأهلي اليمني. ورغم ثبوت الإدانة بموجب قرار المحكمة التجارية الابتدائية، تمكنت شركة موانئ دبي من النفاد بجلدها بعدما وجهت حكومة محمد سالم باسندوة آنذاك بإغلاق ملف القضية المرفوعة ضد الشركة”.
ومع قدوم التحالف إلى اليمن، وبحسب اعتراف وزير النقل السابق بحكومة هادي، صالح الجبواني، فإن الرياض وأبوظبي قاما بتحويل خط الملاحة الدولي الرئيسي الذي يمر عبر موانئ عدن إلى خط ملاحي فرعي بهدف إبعاد السفن التجارية عن اليمن وإعاقتها من التوقف بموانئ عدن للتزود بالوقود والزيت، بالإضافة إلى أن الهدف الآخر من هذه الخطوة كانت إبقاء كافة الموانئ اليمنية حتى تلك التي تحت سيطرة التحالف محاصرة وتحويل كل السفن التجارية الواصلة إلى اليمن لتصل إلى ميناء جدة حيث يتم تفتيشها هناك بحجة البحث عن أسلحة وهو ما أدى إلى تكبد التجار خسائر كبيرة جداً وتسبب ذلك بارتفاع الأسعار 3 أضعاف بسبب تأخر السفن في جدة لعدة أشهر بالإضافة إلى ما يصاحب عملية التفتيش من إهمال للبضائع يؤدي في كثير من الحالات إلا إفسادها، وبحسب حديث الجبواني فإن بعض السفن التجارية تظل محتجزة لدى التحالف 6 أشهر ما يرفع من تكلفة إيجار السفينة وتكاليف الشحن والتأمين والذي ينعكس على المواطن الذي لا تصل إليه البضائع إلا وقد ارتفع سعرها أضعافاً مضاعفة.
ما سبق كان جزءاً يسيراً جداً جداً مما فعله التحالف في عدن وما فعلته الإمارات قبل ذلك في موانئ عدن حين كان الوضع مستقراً ولم تكن البلاد تشهد حرباً كما هو الآن، وكل ذلك حدث على غرر وخديعة الإمارات لأبناء الجنوب بأنها ستحول عدن إلى “دبي ثانية”، واليوم وبعد سبع سنوات من الحرب والدمار والخراب والانهيار الاقتصادي والانهيار في المستوى المعيشي وانقسام المناطق الجغرافية جنوب اليمن عسكرياً بين عدة تيارات وأطراف مرتبطة بجهات خارجية، يأتي متحدث التحالف السعودي تركي المالكي ويقول من محافظة شبوة بأن اليمن سيصبح مثل الدول الأوروبية، فهل سيقع الجنوبيون من جديد ضحية للمرة الثانية للتحالف وهل سيقبلون بأنفسهم أن يكونوا وقود حرب الرياض وأبوظبي ضد أرضهم وثرواتهم ويجندون أنفسهم من جديد لخدمة الأطماع الاحتلالية للرياض وأبوظبي؟، أم أن الوقت قد حان لإدراك إن التحالف إنما يحاول إغواء أبناء الجنوب لاستخدامهم وقود حرب ضد قوات الحوثي والقوى الجنوبية الأخرى المناهضة للاحتلال السعودي والإماراتي؟.