كيف استطاعت الرياض وأبوظبي إطالة الحرب في اليمن لـ7 سنوات دون أن تواجه مقاومة جنوبية
الجنوب اليوم | تقرير
قد يستغرب البعض كيف لشعب مثل الشعب اليمني الذي يضرب به المثل على مر العصور بأنه يدفن أي غازٍ لبلاده في أرضه، أن يسكت على استمرار احتلال التحالف السعودي الإماراتي للمحافظات الجنوبية.
صحيح أن الجزء الأكبر من اليمنيين يعيشون في المحافظات الشمالية لكن لم تتمكن السعودية أو الإمارات من احتلال هذه المحافظات مثلما هو الحال في المحافظات الجنوبية، وهنا يبرز التساؤل: كيف استطاعت الرياض وأبوظبي الاستمرار في سيطرتها على المحافظات الجنوبية طوال 7 سنوات من دون أن تواجه مقاومة مسلحة من أبناء الجنوب لطرد التحالف خاصة وأن الأهداف الحقيقية غير المشروعة للتحالف بدأت ومنذ وقت مبكر تتجلى وبوضوح لكافة أبناء الجنوب، ابتداءً باحتلال مناطق استراتيجية والتركيز على التواجد فيها وفرض حضورها العسكري على الرغم من عدم وصول أي قوات تتبع صنعاء والحوثيين إلى هذه المناطق، ومروراً بالسيطرة على منشآت استراتيجية وسلب سيادة اليمن من على هذه المنشآت كما هو الحال في منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال في محافظة شبوة على سواحل البحر العربي، وكذا احتلال المطارات والموانئ والجزر كجزر أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون البوابة اليمنية المهيمنة على مضيق باب المندب والمشرفة على واحد من أهم خطوط الملاحة البحرية الدولية حول العالم.
كان من المفترض أن كل الأهداف التي تجلت بوضوح للتحالف في جنوب اليمن بأن تدفع أبناء المحافظات الجنوبية إلى إشعال ثورة مسلحة لطرد التحالف، الذي أثبت أنه جاء للاحتلال ولم يأتِ كما يزعم لاستعادة شرعية حكومة وسلطة أصبح رموزها من أكبرهم إلى أصغرهم أدوات ودمى بيد السفير السعودي لدى اليمن الحاكم الفعلي لها وللمناطق المزعوم أنها محررة جنوب اليمن، فما الذي منع أبناء الجنوب من حسم الوضع مع التحالف وهم الذين لم يصبروا على توسع النفوذ البريطاني في بلادهم في ستينات القرن الماضي.
الإجابة على التساؤل السابق تتمثل في الاستراتيجية الذكية التي اعتمدها التحالف السعودي الإماراتي المستمدة من خبرات بريطانية وغربية والتي تعمل على سياسة فرق تسد وسياسة الوعود الزائفة وتحريض طرف ضد طرف وسياسة الأمنيات والأحلام التي أوهم بها التحالف الأطراف المحلية الجنوبية لكسب ودها وجعلها أداة أكثر طاعة وولاء له والتي بالفعل سرعان ما استجابت للتحالف ونفذت أجنداته على أمل تحقيق التحالف لوعوده الوهمية لهذه الأطراف.
دعم طرف ضد طرف كما حدث مع الانتقالي ضد الإصلاح، والعمل على إيجاد أكثر من تيار داخل المكون الواحد كما حدث ويحدث مع المجلس الانتقالي الجنوبي المنقسم فيما بينه بين أكثر من تيار ديني وعسكري وقبلي ومناطقي، ومن ثم إشعال فتنة بين تيار ضد تيار آخر داخل المكون الواحد، وبالتأكيد فإن هندسة الصراع البيني في الجنوب وتنفيذه على أرض الواقع سيعمل على إشغال هذه التيارات والفصائل والمكونات التي تجتمع كلها تحت مظلة “التحالف السعودي الإماراتي” وتقاتل كلها تحت رايته وبسلاحه ضد من يزعم التحالف أنه جاء ليقاتلهم لأنهم تمردوا على ما تسمى “الشرعية” التي لم يسمح التحالف ذاته بعودتها وعودة رئيسها إلى أي مدينة خاضعة لسيطرة التحالف.
ما حدث اليوم من انقسام وصراع واشتباكات بين فصيلين مسلحين من فصائل المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات والتي أدت لقطع شوارع رئيسية بمدينة عدن المسماة “عاصمة مؤقتة” والتي أدت أيضاً إلى وقف مطار عدن عن العمل بسبب الاشتباكات، ليس سوى فصل من عشرات الفصول المشابهة التي شهدتها سابقاً طوال الـ7 سنوات الماضية وستشهدها مستقبلاً المناطق الجنوبية فيما بين الأدوات والقوى المحلية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي،
هذه الاشتباكات بين فصيلين أحدهما يتبع رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي والآخر يتبع شلال شايع رغم أنهما ينتميان لمحافظة واحدة، لا يبدو أنها ستنتهي قريباً مع تجددها مرة أخرى عصر اليوم، كما لا يبدو أنها ستقتصر على مديرية خور مكسر فقط حيث تؤكد المؤشرات بأنها ستتوسع أكثر لتشمل مناطق ومديريات أخرى بمدينة عدن، وكغيرها من الصراعات السابقة يتوقع مراقبون بأن حالة الانقسام والصراع داخل جناح الضالع في الانتقالي الجنوبي قد تستمر لـ3 أشهر، ما يعني أن التحالف السعودي الإماراتي قد ضمن 3 أشهر إضافية لاستمرار تواجده في جنوب اليمن وحين ينتهي هذا الفصل من الصراع المحلي في الجنوب سيكون قد أوجد التحالف عنواناً جديداً للصراع البيني ليضمن بقاءه في الجنوب 3 أشهر إضافية وهكذا حتى ينتهي العام الحالي، وعلى هذا المنوال استطاع التحالف السعودي الإماراتي أن يستمر في سيطرته على جنوب اليمن لمدة 7 سنوات دون أن يواجه أي مقاومة شعبية ضده خاصة وأن وعوده بجعل “مدينة عدن دبي ثانية” بعد دخول قواته البرية ونزولها في عدن في يونيو 2015 قد تبددت سريعاً مثلها مثل غيرها من الوعود.
وحين يزداد السخط الشعبي من النخبة السياسية المسيطرة في الجنوب سيوجد التحالف السعودي الإماراتي قوى جديدة بديلة لتحل محل القوى الموجودة حالياً وهذا ما بدأت مؤشراته تتجلى بوضوح من خلال مساعي التحالف بشقيه الرياض وأبوظبي لإعادة تدوير السلطة السابقة التي حكمت اليمن 33 عاماً – نظام عفاش – والتي استجابت لحكام آل سعود طوال تلك المدة وعملت على منع استخراج أي ثروات نفطية أو غازية في المناطق الاستراتيجية سواءً في الشمال أو في الجنوب كما هو الحال في محافظة الجوف شمالاً مثلاً وفي محافظة المهرة جنوباً.