تقرير بأبرز مؤشرات التوجهات السعودية بشأن الانقسام والصراع في الجنوب
الجنوب اليوم | تقرير
تبدو “ألوية اليمن السعيد” أنها أبرز مؤشر لتوجه السعودية نحو تصعيد عسكري ضد قوات الحوثيين، لكن ذلك لا يعني أن هذا هو الهدف الوحيد من تشكيلها فما خفي عنها وعن دورها في الجنوب أكثر خطورة.
قوات ما يسمى “اليمن السعيد” التي يجري تجنيدها وفتح معسكرات لها في أبين برعاية من التحالف وتحديداً السعودية، يراها مراقبون أنها تكشف عن رغبة محمد بن سلمان في تفريخ المزيد من المليشيات في الجنوب بدلاً من دمج السابقة تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية بسلطة رشاد العليمي، كون من يقف خلف التجنيد قائد القوات السعودية في عدن العميد مجاهد العتيبي.
بالنسبة للانتقالي فهو متخوف جداً من هذه القوات الجديدة التي يجري تجنيدها من أبناء أبين تحت مسمى ألوية اليمن السعيد، أولاً لأن قوام هذه القوات سيصل إلى 22 لواء، ثانياً لأن التحالف استهداف أبناء ابين في تجنيدهم وهم الذين رفض الانتقالي قبولهم ضمن قواته سواء العسكرية أو الأمنية.
التحالف يروج بوسائل إعلامه التابعة للقوى المحلية الموالية له إن هذه القوات يجري تشكيلها من أجل استكمال العملية العسكرية في اليمن ضد قوات الحوثيين، لكن الانتقالي لا يرى الأمر كذلك وهناك اعتقاد سائد بأوسط الانتقالي أن هذه القوات هدفها ضرب الانتقالي وسحب بساط السيطرة العسكرية له على بعض مناطق الجنوب ومنها عدن معقله الرئيسي.
يبدو أنه لم يعد للانتقالي شيء يضمن مستقبله، فالمؤسسة القيادية الوحيدة التي يشارك فيها الانتقالي كطرف من بين 8 أطراف جمعتهم الرياض ضمن تكتل واحد وأسمته مجلس القيادة الرئاسي، هذه المؤسسة لا يستطيع الانتقالي فيها تحقيق أي إنجاز لصالحه ولا إحداث أي تأثير حقيقي، خلافاً لذلك لا يوجد مؤسسات قيادية أخرى يحظى فيها الانتقالي بأي تمثيل يمكنه من ضمان مستقبله، وأهم المؤسسات القيادية في السلطة الجديدة جميعها يرأسها ويقودها شخصيات إما شمالية أو جنوبية مناهضة للمجلس الانتقالي، فالبرلمان يرأسه سلطان البركاني، والشورى يرأسه احمد عبيد بن دغر جنوبي ولكنه من ألد أعداء الانتقالي، والحكومة يرأسها معين عبدالملك والرئاسة رشاد العليمي.
لم يعد للانتقالي سوى ما يسيطر عليه من قوات عسكرية وأمنية هي الضامن الوحيد لبقاء الانتقالي على قيد الحياة.
حالياً “المجلس الرئاسي” منقسم بشكل كبير جداً، فبعد أسبوع من تشكيل العليمي لجنة لدمج المليشيات قامت بعض الأطراف داخل المجلس بتفريخ المزيد من هذه المليشيات، فالانتقالي قام بتخريج دفع جديدة من قواته وذهب لاستعراض قوات أخرى في أكثر من منطقة بعروض عسكرية وسط تصاعد التوتر بينه وبين طارق صالح من جهة وبينه وبين العليمي من جهة، والإصلاح ذهب إلى التلويح باستخدام عناصره المسماة (المقاومة الشعبية) بأنها ستبقى خارج الهيكلة العسكرية الجديدة ودمج المليشيات تحت ذريعة مساندة الجيش وحماية الثورة ومكتسباتها، وقد صرح بذلك وبشكل واضح القيادي الإخواني حمود سعيد المخلافي قبل عدة أسابيع.
في المقابل يحاول العليمي الذي لا يستند لأي قوة عسكرية على الأرض التكتل مع كلاً من طارق عفاش قائد ما يسمى المقاومة المشتركة بالساحل، وعبدالرحمن المحرمي (أبو زرعة) قائد ألوية العمالقة، ضد كلاً من الانتقالي وفرج البحسني، فيما لا تزال العلاقة بين سلطان العرادة والمجلس الرئاسي تشهد حالة من عدم الثقة وبشكل كبير جداً وملموس فالعرادة يرفض حتى اليوم توريد أي إيرادات من النفط والغاز إلى مركزي عدن.
أما اقتصادياً ومعيشياً وخدمياً وأمنياً فإن السيناريو المقبل والذي بدأ التحالف بالفعل تنفيذه منذ الأسابيع الأولى لتشكيل السعودية سلطتها الحليفة الجديدة، لن يكون مختلفاً عن السيناريو الذي رسمته وتمكنت من إدارته الرياض وأبوظبي منذ دخول أول جندي للتحالف لمدينة عدن في يونيو 2015.
فالسعودية والإمارات متفقتان منذ بداية الحرب على اليمن على عدم السماح بوجود أي استقرار في أي منطقة تسيطران عليها جنوب وشرق اليمن، الهدف من ذلك هو عدم إتاحة الفرصة لأبناء المناطق التي يسيطر التحالف للبحث عن الوضع الأفضل، فمثلاً أي استقرار اقتصادي ومعيشي سيدفع بالجميع سواء مواطنين أو حتى قيادات إلى فتح ملفات عودة سيطرة اليمن على منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال أو رفع يد التحالف عن الموانئ والمياه اليمنية والمطارات التي حولتها القوات السعودية والإماراتية في الجنوب إلى قواعد عسكرية مغلقة وملفات أخرى لا تزال السعودية والإمارات تحرصان على عدم السماح لأبناء المناطق الجنوبية والشرقية حتى مناقشتها ولو حتى بوسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، والخلاصة هو أن التحالف سيحرص حتى مع استحداثه سلطة جديدة وحتى مع السماح لها بالعودة إلى اليمن فإنه سيحرص على إبقاء الجنوب منشغلاً في مشاكله التي لن تنتهي سواء الأمنية كالاغتيالات والانفلات الأمني والعمليات الإرهابية والتقطعات أو المشاكل الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي ما إن تنتهي واحدة حتى تظهر أخرى.