سقطرى مرة أخرى: لماذا يشتري الإماراتيون أجمل أراضيها؟
الجنوب اليوم – متابعات
جزيرة سقطرى اليمنية واحدة من أهم أربع جزر على الكرة الأرضية. وهذه الأهمية أتت من كونها تتميز بتنوع طبيعي حيوي لا يوجد في أي مكان في العالم، وتحتل موقعاً استراتيجياً على الممر الدولي البحري الذي يربط دول المحيط الهندي وشرق آسيا ببقية القارات. وتمثل الجزيرة من الناحية العسكرية موقعاً على مستوى عالٍ من الخطورة، الأمر الذي أكسبها أهمية إضافية كبرى وجعل منها مطمعاً يسعى إليه الجميع.
الإمارات تتولى المهمة
بدأ الإهتمام الإماراتي بجزيرة سقطرى منذ أن تولى الرئيس عبد ربه منصور هادي الرئاسة عام 2012. يومها، أوفدت الإمارات طاقم قناة «أبوظبي جيوغرافيك إنترناشيونال» لتصوير أفلام وثائقية عن الجزيرة الأغرب في العالم. تزامن ذلك مع وجود معلومات نشرتها وسائل إعلام أجنبية عن أن عسكريين إماراتيين قدموا إلى الجزيرة مع الوفود الإعلامية الإماراتية لغرض غير معروف. وفي العام 2015 كررت الإمارات الحركة نفسها. يومها، كشف وكيل أول محافظة سقطرى، هاشم السقطري، أن أبوظبي «أوفدت شخصين جاءا على أنهما مستثمران، ثم اتضح مؤخراً أنهما شخصيتان عسكريتان وأصبحا يتحكمان بالجزيرة».
ومع بدء الحرب في اليمن، ومشاركة الإمارات ضمن «التحالف» الذي تقوده السعودية، تمكنت من الحصول على عقد وقعته مع حكومة هادي في العام 2015، عبر مهندس الإتفاق، رئيس الحومة السابق، خالد بحاح، والذي كان يقضي ـ في ظاهره ـ باستئجار دولة الإمارات لجزيرة سقطرى لمدة 99 عاماً لغرض الإستثمار، في حين تؤكد مصادر موثوقة مقربة من حكومة هادي أن الإتفاق يقضي «بمنح أبوظبي السيادة الكاملة على جزيرة سقطرى لمدة 99 عاماً».
محاولات قطر
ليست الإمارات وحدها من سعت نحو السيطرة على أرخبيل سقطرى في الآونة الأخيرة؛ فقد كانت لقطر محاولات عدة عبر عروض قدمتها لليمن من أجل الإستثمار في الأرخبيل، غير أن المناقشات مع الجانب اليمني لم تصل إلى اتفاق بسبب محاولات قطر الحصول على امتيازات فُسرت على أنها تمس بالسيادة اليمنية. وفي محاولة أخرى، قدمت قطر عرضاً باستئجار أجزاء من الجزيرة الكبرى بالتزامن مع تصاعد الشكوك في أنها ستسمح لدول كبرى ببناء قواعد عسكرية.
ذريعة إعادة «الشرعية»
رغم أن مقاتلي حركة «أنصار الله» لم يصلوا إلى الجزيرة، إلا أن الإمارات دخلت سقطرى بحجة إعادة «الشرعية»، وتقديم المساعدات الإنسانية لمواطني المحافظة. ومنذ أن دخلت أبو ظبي الجزيرة سارعت إلى تنفيذ خطوات مثيرة، ومنها:
• اقتلاع مئات النباتات والأشجار النادرة ونقلها إلى الإمارات.
• نقل كميات من الأحجار المتواجدة في المحميات الطبيعية وتحميلها على بواخر إماراتية.
• إصطياد الماعز البري بشكل عبثي وتهريبه إلى الإمارات عبر طائرات النقل العسكري.
• قيام الإماراتيين بشراء أراض ومساحات واسعة داخل الجزيرة، وتحديداً في مناطق محمية يُمنع فيها البيع.
• السعي إلى قطع حركة التنقل بين سقطرى وباقي المحافظات اليمنية عبر إيقاف حركة الملاحة الجوية للخطوط اليمنية من وإلى الجزيرة، وإبقاء طائرات النقل العسكري الإماراتية الوحيدة التي يمكنها القيام برحلات إلى سقطرى.
• ربط الجزيرة بشبكة اتصالات إماراتية، لتكون أول رسالة تصل هواتف الواصلين إليها: «مرحباً بك في الإمارات».
• تشكيل قوات موالية للإمارات تحت مسمى «حماة سقطرى»، على غرار قوات «الحزام الأمني» في عدن ولحج والضالع، و«النخبة الحضرمية» في المكلا.
• قيادة محاولة انقلاب فاشلة ضد الحامية العسكرية الوحيدة في سقطرى (اللواء الأول مشاة بحري) بهدف السيطرة العسكرية على الجزيرة؛ إذ دفعت الإمارات إلى ضم أفراد وضباط من أبناء المحافظة قبل نحو عام إلى الحامية العسكرية، ودعمتهم مؤخراً لتنفيذ انقلاب ضد قائد اللواء، العميد محمد علي الصوفي، الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي، انتهت بالفشل واعتقال منفذي الإنقلاب.
• منذ عدة أشهر، انتشرت حسابات إماراتية على مواقع التواصل تعمل على الترويج لجزيرة سقطرى وجمالها والدعوة للسياحة فيها.
السياحة إلى سقطرى… عبر أبوظبي حصراً
في مايو الماضي، ألغت الإمارات دور العديد من مكاتب ووكالات السياحة والسفر في سقطرى، وعملت على احتكار هذه الخدمات لصالح متنفذين إماراتيين متواجدين داخل سقطرى يملكون شركة «روتانا» السياحية التي تحتكر تنظيم الوفود السياحية إلى الجزيرة. أعقب ذلك قيام أحد المستثمرين الإماراتيين بإطلاق موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، يتحدث باسم الحكومة اليمنية (السلطة السياحية لسقطرى http://socotratourismauthority.com/)، باعتبار أنه الجهة المعنية بتنظيم الرحلات السياحية إلى سقطرى.
وكشفت مصادر خاصة في السلطة المحلية بالأرخبيل أن أبوظبي هي المنفذ الوحيد لأي سائح يريد الوصول إلى سقطرى، مؤكدةً، في حديث إلى «العربي»، أن من يأتون إلى سقطرى من السياح «لا يتم تختيم جوازاتهم بختم دخول الأراضي اليمنية من قبل جوازات مطار سقطرى، كما لا يخضعون للحصول على فيزة يمنية مسبقاً وفقاً للقانون». وأكدت المصادر أن حصول السائح على الفيزة الإماراتية وختم دخول أبوظبي «هما ما يلزم للسفر إلى الجزيرة»، الأمر الذي يُعدّ مؤشراً خطيراً، كون الإمارات بهذا الإجراء باتت تتعامل مع جزيرة سقطرى وكأنها أراض إماراتية. ولفتت المصادر إلى أن مطار سقطرى يخضع بشكل غير مباشر لإدارة إماراتية.
شراء أراضي المرتفعات… لأغراض عسكرية أم سياحية؟
على غرار ما قامت به منظمات صهيونية في أربعينيات القرن الماضي في فلسطين المحتلة من شراء لأراضي الفلسطينيين بأموال باهظة بغرض احتلالها، تقوم الإمارات بالعمل نفسه في جزيرة سقطرى، وتقدم ملايين الدولارات مقابل تحقيق ذلك، الأمر الذي أثار التساؤلات من قبل المواطنين حول سعي أبوظبي، من خلال شراء الأراضي، إلى التمهيد لإقامة قاعدة عسكرية أمريكية، وليس لإقامة مشاريع سياحية إماراتية.
ولم يعد خافياً ما يقوم به المندوب الإماراتي في سقطرى، خلفان بن مبارك المزروعي، من شراء لأراضي المواطنين وإغرائهم بمبالغ كبيرة، وإذا تطلب الأمر إرغامهم على بيعها ولو بالإكراه. مصادر محلية في سقطرى أكدت، لـ«العربي»، أن شيخ منطقة حجهر رفض إغراءات وضغوطات المندوب الإماراتي للموافقة على بيع قطعة أرض كبيرة، الأمر الذي أدى إلى استدعاء شيخ المنطقة إلى الإمارات للقاء ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، والذي عرض عليه هدايا منها سيارة فارهة ومبلغ مالي كبير، لكنها قوبلت بالرفض مجدداً.
وثمة من يرى أن تركيز الإمارات على شراء الأراضي في حجهر عائد إلى الطبيعة الساحرة للمنطقة؛ فهي «منطقة ضبابية خضراء ممطرة مائية على مدار العام مطلة على شمال وجنوب سقطرى، وهي عبارة عن سلسلة جبلية وتعد أعلى قمة في سقطرى، وتعتبر إحدى أجمل المواقع الطبيعية والمزارات السياحية في الجزيرة» وفقاً لمصدر سياحي في الجزيرة.
ويرى مختص في الشأن العسكري، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، من جهته، أن البيئة الجغرافية لمنطقة حجهر تمثل من الناحية العسكرية «موقعاً استراتيجياً لإنشاء قاعدة عسكرية كون المنطقة تعتبر أكبر مرتفع جبلي في الجزيرة»، مضيفاً، في حديث إلى «العربي»، أنه «واستناداً إلى موقع جزيرة سقطرى في البحر العربي، فإن إقامة قاعدة عسكرية في أعلى مرتفع جبلي في الجزيرة يجعل من هذه القاعدة ذات أهمية استراتيجية قصوى، كونها ستصبح مسيطرة عسكرياً ونارياً على الممر الدولي للملاحة البحرية بين شرق آسيا وأفريقيا».
وأكد المختص أنه يمكن لأي قوة عسكرية في العالم تتمكن من بناء قاعدة عسكرية برية وبحرية في سقطرى أن تصبح قادرة على حماية أو السيطرة على أربعة من أهم المضائق المائية في العالم، وهي مضيق هرمز ومضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق ملقا بين أندونيسيا وماليزيا، مشيراً إلى أن «بإمكان هذه القاعدة توجيه ضربات بالطيران أو الصواريخ إلى إيران وأفغانستان وباكستان والعراق ودول القرن الأفريقي».
وتعزز تصريحات المختص بالشأن العسكري ما نشرته تقارير غربية من احتمالية أن يكون التوغل الإماراتي في جزيرة سقطرى هدفه التهيئة لإنشاء قاعدة عسكرية تديرها الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تُمنح الإمارات حق الإستثمار السياحي فقط في الجزيرة.
إتفاق صالح وبترايوس
وسط هذه الأنباء، تتحدث تقارير أخرى عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية داخل جزيرة سقطرى جرى إنشاؤها بعد اجتماع مثّل نقطة بالغة الأهمية بالنسبة للجغرافيا السياسية اليمنية، بين الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، والجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في يناير 2010. كان ظاهر اللقاء يومها على أنه اتفاق بين واشنطن وصنعاء بشأن استراتيجية مكافحة الإرهاب في اليمن والبحر العربي والقرصنة، في حين كان ما يدور من حديث خلف الأبواب المغلقة يتعلق بجزيرة سقطرى والسماح للأمريكيين بدخولها، باستغلال تورط يمنيين من تنظيم «القاعدة» في محاولة تفجير الطائرة التابعة لشركة «نورثويست ايرلانيز» والتي كانت متجهة إلى ديترويت.
تلك الصفقة التي أبرمت مع اليمن مقابل زيادة الدعم الأمريكي المخصص لهذا البلد من 70 مليون إلى 150 مليون دولار، أثارت ردود فعل دولية كثيرة منها بيان البحرية الروسية، التي أكدت أن روسيا لن تتخلى عن خططها في امتلاك قواعد بحرية لسفنها في جزيرة سقطرى اليمنية. وسواء كانت هناك قاعدة عسكرية أمريكية حالياً في جزيرة سقطرى أم لا، فإن واشنطن تسعى بشكل دؤوب ومتسارع إلى تحقيق هذا الحلم العسكري الذي سيمكنها من الهيمنة على المحيط الهندي بأكمله، ومنه السيطرة على البحار السبعة العالمية، وكل هذا لتحقيق السيطرة على العالم عسكرياً وتجارياً.
سقطرى… حلم السيطرة القديم الجديد
الأهمية الإستراتيجية لأرخبيل سقطرى دفعت بالطامعين الأجانب إلى محاولة احتلالها والسيطرة عليها. ففي القرن الثامن عشر ميلادي، تمكنت البرتغال من السيطرة على الجزيرة، وبنت عليها قاعدة عسكرية لا تزال بقاياها موجودة حتى اليوم. ومطلع القرن التاسع عشر، حاولت بريطانيا احتلال الجزيرة، لكن مسارعة الإتحاد السوفيتي إلى احتلال جزء منها وإنزال عتاد عليها حال دون ذلك.
ومع قيام دولة اليمن الديمقراطية الشعبية، طلب الإتحاد السوفييتي من النظام الإشتراكي آنذاك الحصول على امتيازات عسكرية في الجزيرة، فرفضت السلطة الجنوبية. وفي أواخر السبعينات، نشأ نزاع بين اليمن وجمهورية الصومال بشأن تبعية الجزيرة، حيث ادعت الصومال حينها أن الجزيرة تابعة لها، ورغم أن الصومال كانت مدفوعة من قبل أطراف دولية كبرى إلا أن النزاع انتهى لصالح اليمن.
وبعد أزمة الصومال عرضت سلطنة عمان على اليمن الجنوبي سابقاً مليارات الدولارات مقابل شراء الجزيرة. وبعد إعادة الوحدة بين شطري اليمن بقيت جزيرة سقطرى محط اهتمام الدول الكبرى (فرنسا وكندا والولايات المتحدة). ومع مطلع الألفية الثالثة عاودت روسيا محاولاتها بناء قاعدة عسكرية على الجزيرة، ومثلما رُفض طلبها من قبل النظام الإشتراكي قبل الوحدة، رفض نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، طلب روسيا مجدداً.
واحدة من أهم أربع جزر في العالم
صُنفت جزيرة سقطرى كأحد مواقع التراث العالمي عام 2008 بسبب امتيازها بالتنوع النباتي والحيواني والجغرافي الفريد؛ حيث سُجل فيها وجود حوالي 850 من النباتات المستوطنة، منها 280 نوعاً لا توجد في أي مكان في العالم، بالإضافة إلى ما أكدته الدراسات من وجود أحياء بحرية نادرة، استناداً إلى ما تم كشفه من تنوع كبير في الشعاب المرجانية. وفضلاً عن ذلك، تعتبر الجزيرة المخزن الإحتياطي للثروة السمكية التي تملكها اليمن.
نقلاً عن العربي