سياسة التحالف الاقتصادية في الجنوب.. إعطاء مسكنات للتعتيم على نهب الثروات
الجنوب اليوم | تقرير خاص
منذ إمساكه بزمام الأمور في الجنوب، اعتمدت سياسة التحالف الاقتصادية على القيام بمعالجات وقتية ومسكنات آنية تستهدف في المقام الأول صرف الأنظار عن مساعيه الحثيثة لنهب ثروات وموارده، لتمويل آلة الحرب العسكرية وتقوية أذرعه الأمنية الهادفة إلى استمرار حالة الفوضى والاضطرابات في الجغرافيا التي تحوز على ثروات نفطية وغازية هائلة.
مطلع الأسبوع الحالي، تداولت وسائل إعلامية محلية، خبريين اثنين: يتصل الأول باعتزام حكومة معين عبدالملك، توسيع أنشطتها الهادفة إلى زيادة انتاج النفط والغاز.. وذلك بموازاة حدث آخر أفاضت وسائل الإعلام في نقاشه وتحليله، ويتعلق بالوديعة المالية البالغة ثلاثة مليار دولار التي سبق للتحالف الإعلان عن تقديمها للبنك المركزي في عدن.
البعض يُرجع تاريخ الوعود التي أطلقتها الرياض وأبوظبي بمنح اليمن وديعة بنكية إلى أواخر العام 2019، وتحديدا خلال مشاورات الرياض الأولى التي تلت أحداث ومواجهات أغسطس/آب من نفس العام، وكان الهدف الرئيسي لتلك الوعود هو تسهيل تنفيذ اتفاق الرياض، خاصةً البنود العسكرية والأمنية، غير أن شيئا من ذلك لم يحدث، لا الاتفاق نُفّذ ولا الوديعة وصلت!. فيما المواطن في الجنوب أصبح لا يعول على هكذا أخبار تندرج فقط في إطار المهدئات والمسكنات، ولا تتجاوز كونها (ستار دخان) يتوسله التحالف للتغطية على نهبه المستمر لثرواته وموارده.
ويرى محللون أن الخبرين الصادرين في ذات اليوم، يختزلان سياسة التحالف الاقتصادية في الجنوب، الرامية الى الإبقاء على تردي مستويات المعيشة للمواطنين وجعلهم تحت رحمة التحالف، مثلما تستهدف إيصال رسالة للمجتمع الدولي، تقدم التحالف بوصفه منقذا في مجتمع يعج بالاختلالات والتنافرات والتجاذبات عوضا عن كونه السبب الرئيس في الوضع الكارثي الذي آل إليه الجنوب.
ورغم أن مساعي التحالف في زرع بذور الفتنة وإدامة الصراعات بين المكونات الأساسية في الساحة الجنوبية، وشاهدها الأول ما يعانيه المواطن من فوضي عارمة واختلالات أمنية وتردي مستويات الخدمات وضعف قدرتهم الشرائية وغلاء الأسعار، إلا أنه ينتهج سياسة مغايرة، عندما يتعلق الأمر بمناطق إنتاج الغاز والنفط في شبوة وحضرموت، حيث يجتهد في إبقائها على حالة من الاستقرار النسبي لضمان ديمومة الامدادات من هاتين المادتين الحيويتين ليس على المستوى الإقليمي بل العالمي أيضا.
الملمح الأبرز في السياسة المخملية للتحالف ـ على غير عادته ـ فيما يتعلق بمناطق النفط والغاز في الجنوب، جاء على لسان عضو المجلس الرئاسي المدعوم من التحالف والذي شغل سابقا منصب محافظ حضرموت اللواء/ فرج البحسني، قبل أيام في لقاء جمعه بعدد من القيادات الأمنية والعسكرية بمحافظة حضرموت، من أن العالم يراقب عن كثب تطورات الأحداث في محافظات حضرموت، شبوة باعتبارها مناطق استثمارية تستوجب المحافظة على الأمن والاستقرار فيها.. وهي ذات الحالة التي يرغب التحالف أن تسود المناطق الغنية بالغاز والنفط في محافظة شبوة المجاورة، والتي شهدت الأسابيع الماضية صراعا عسكريا بين قوات الانتقالي المدعومة اماراتيا وفصائل حزب الاصلاح.
وفي شبوة وحضرموت، وهما المحافظتان اللتان تحوزان النسبة الأكبر من النفط والغاز، تعطي المؤشرات دلالات بالغة عن رغبة التحالف تسليمهما إلى قوات طارق عفاش المدعومة من الإمارات، رغما عن كون الغلبة في شبوة كانت لقوات الانتقالي الذي انتزع مناطق شاسعة من قوات الاصلاح، إلا أن نشوة الانتقالي بالانتصار لم تدم طويلا، حتى جاءته الأوامر بالانسحاب من مناطق النفط والغاز فيها.
في خلفية كل تلك الأحداث التي يمو بها الجنوب، تبقى للمتغيرات على الساحة العالمية الأمر الفصل في كل ما يحدث فيه، حيث الساحة مفتوحة للاعبين الدوليين، بسبب امتلاك التحالف اليد الطولي في كافة شؤونه السياسية والاقتصادية والأمنية، والذي بدوره يخضع لإملاءات الخارج، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تنفك ترمي باشتراطاتها على التحالف وسياساته في الجنوب.
ولعل (الأزمة الأوكرانية) والصراع مع روسيا، و ما خلفته من أزمة عالمية في أسعار الغاز والنفط، هو ما حذا بالولايات المتحدة الأمريكية أن تقود عملية تسوية في الجنوب، لتهدئة الأمور في مناطقه النفطية والغازية، تضمن عن طريقها استمرارية امدادات النفط والغاز، خاصة ان 10 تريليونات قدم مكعب، كمية مغرية لأمريكا وفرنسا لبسط هيمنتها الاستعمارية على الجنوب، ونهب هذه الثروة الهائلة.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن (87) ألف برميل نفط خام نهبها التحالف منذ العام 2018 وحتى أواخر مارس 2022م.. بما قيمته أكثر من ثمانية مليارات و200 مليون دولار، تم توريدها إلى البنوك في السعودية والإمارات، فيما العوائد التقديرية التي كان يمكن أن يحصل عليها الشعب من منشأة بلحاف الغاز في شبوة تقدر بـ (19) تريليون ريال.. وهي مبالغ مالية باهضة يمكن لها احداث نقلة نوعية في مستويات معيشية للمواطنين وستسهم في حل عديد مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية لا ينفك يعاني منها المواطن في الجنوب.. غير أن أمور كهذه لا تندرج ضمن أجندة التحالف الذي يكثف جهوده لاستمرار حالة الصراعات والفوضى والاختلالات الأمنية في الجنوب، لما يحقق أهدافه السياسية والاقتصادية والعسكرية، فيما يرمي بين الفينة والأخرى بنزر يسير من هبات وعطايا، لا تعدو كونها مسكنات يتم تمويلها من ثروات أبناء البلد أنفسهم.