تقرير.. الرياض تنسف ما تبقى من مشروعية شكلية لمجلس العليمي المفكك
الجنوب اليوم | تقرير
لم يعد من مشروعية (وإن كانت شكلية أساساً) للمجلس القيادي الرئاسي، سوى ما سمحت به الرياض لهذا المجلس من تصدر المشهد أمام الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن هانس غروندبيرغ للتفاوض بشأن الهدنة ومتطلبات تمديدها ليكون بذلك يفاوض بلسان يمني لكن بمطالب سعودية إماراتية أمريكية بريطانية والآن دخلت فرنسا على الخط، وفيما عدا ذلك لم يعد للمجلس الذي شكلته الرياض بعد اتفاق مع أبوظبي مطلع أبريل الماضي، أي مهام يقوم بها بما فيها تلك التي منحها له التحالف السعودي لحظة تشكيل المجلس.
بالنسبة لرشاد العليمي المتواجد حالياً في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية لحضور اجتماعات الأمم المتحدة، فقد غادر العليمي ذاهباً إلى الولايات المتحدة ليس من عدن بل من الرياض التي يبدو أنه سيقيم فيها كما فعل سلفه هادي طوال 7 سنوات من عمر الحرب، السبب في ذلك هو عدم تمكين العليمي من سلطاته الممنوحة له سعودياً من داخل عدن التي يفترض بأنها عاصمة مؤقتة للحكومة اليمنية التابعة للتحالف السعودي، وبسبب استمرار سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على عدن فإن بقاء العليمي فيها لم يكن ممكناً إذ كيف له أن يكون هو الشخص الأول في عدن فيما المدينة التي يقيم فيها تأتمر بأمر أحد نوابه، عيدروس الزبيدي.
مغادرة العليمي لعدن منتصف أغسطس الماضي كانت متوقعة، بل إن التوقعات كانت تشير إلى أن الرجل لن يطيل البقاء في عدن أكثر من شهر واحد من بعد أدائه اليمين الدستورية التي تم تأديتها أمام مجموعة من أعضاء البرلمان الموالين للتحالف، ورغم عدم اكتمال نصاب البرلمان لمنح العليمي ومن معه مشروعية إدارة السلطة، إلا أنه تم تأدية اليمين شكلياً في عدن ومن بعدها انفض الجميع وعادوا من حيث أتوا.
وسرعان ما بدأت الانقسامات تظهر في المجلس القيادي، بسبب طبيعة الأطراف التي تم اختيارها سعودياً لتشكيل هذا المجلس والتي كانت أساساً تتصارع فيما بينها البين طوال سنوات الحرب، واللافت أن جميع هذه الأطراف يتبع كل منها إما السعودية أو الإمارات وهما الدولتان اللتان تقودان الحرب في اليمن منذ مارس 2015، وفي كل مرة تتقاطع فيها مصالح البلدين في اليمن ينعكس صراعهما على أدواتهما المحلية التي سرعان ما تستجيب للتوجيهات التي تصدر من الرياض وأبوظبي وتبدأ الصراعات المسلحة والمواجهات فترة من الزمن ثم تهدأ وتخفت بتوجيهات خليجية أيضاً كما بدأت.
بالنسبة للتحالف السعودي الإماراتي وبالنسبة للأمريكيين، كان الهدف من المجلس القيادي الرئاسي الذي تم تشكيله هو إيجاد سلطة بديلة عن سلطة عبدربه منصور هادي التي كانت أساساً سلطة شكلية حيث كان ولا يزال التحالف هو من يتحكم بكل شيء تقريباً في المحافظات اليمنية الجنوبية والشرقية، تمثل هذا الهدف بتشكيل مجلس القيادة بإزاحة هادي ونائبه محسن من الواجهة السياسية والإتيان بشخصيات جديدة لعل هذه الشخصيات تلقى قبولاً لدى طرف صنعاء الذي يمثله الحوثيون وحلفاءهم من بقية الأحزاب السياسية والقبائل اليمنية والتي تشكل معظم سكان اليمن، إضافة إلى الهدف الآخر من تشكيل هذا المجلس وهو العمل على تجميع كل الأطراف التابعة للخارج الموالية للتحالف وجعلها طرفاً واحداً بموازاة طرف صنعاء، غير أن هذه الخطة فشلت في تحقيق هذا الهدف، بدليل استمرار تفكك المجلس القيادي الرئاسي وعدم قدرة لا الولايات المتحدة الأمريكية ولا السعودية إعادة تجميع المجلس من جديد وتجميع قوات أطرافه وجعلها تخضع لقيادة موحدة.
استمرار الانقسام داخل الرئاسي يعزوه مراقبون إلى استمرار الانقسام الرئيسي بين السعودية والإمارات اللتان تتحكمان بالأدوات المحلية اليمنية في جنوب البلاد، فالانتقالي على سبيل المثال يستند في بقاء سيطرته على عدن ورفض دمج قواته ضمن قوات وزارتي الدفاع والداخلية إلى دعمه إماراتياً، وبالمثل أيضاً يستند طارق صالح وقواته في الساحل الغربي إلى دعمه إماراتياً أيضاً، ومع أن الطرفان يتبعان طرفاً إقليمياً واحداً إلا أنهما منقسمان فيما بينهما فالانتقالي لم يسمح لطارق صالح بالبقاء في مقر إقامته بقصر معاشيق الرئاسي بعدن ما اضطر الأخير إلى مغادرة عدن مبكراً قبل عدة أشهر والبقاء منعزلاً في المخا بالساحل الغربي، وللسعودية أيضاً أطرافها المحلية الموجودة أيضاً داخل المجلس الرئاسي فالعليمي محسوب عليها قبل أن يكون محسوباً على الأمريكيين، والعليمي بإمكانه إصدار أي قرار يتعلق بالقوات العسكرية أو الأمنية التي تارة تحاربها السعودية لقاء تمكين الأطراف المسلحة الأخرى من السيطرة على الأرض كما حدث في شبوة وأبين وتارة تقف إلى جانبها وتدعمها باعتبارها الجيش الشرعي المعترف به، إضافة لأدوات السعودية القديمة والتي لا تزال تمسك ببعض الخيوط معها كحزب الإصلاح الذي لا يزال يملك قوة عسكرية في مأرب وحضرموت وتعز.
هذا الانقسام داخل التحالف نفسه والذي ينعكس على الأدوات المحلية، يعكس مدى استمرار الصراع القائم بين الإمارات والسعودية على تقاسم الكعكة جنوب اليمن، يضاف إلى ذلك دخول لاعبين دوليين مؤخراً بعد أن برزت الحاجة لجنوب اليمن لما فيه من ثروات نفطية وغازية تحتاجها الدول الغربية للتخفيف من أزمة الحرب في أوكرانيا والتي أتت على إمدادات الطاقة المشتراة من روسيا من نفط وغاز، وأبرز هذه الأطراف الدولية التي تصارع من أجل نفط وغاز اليمن هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وكلاً منها يستخدم أدواته وأوراق ضغطه للحصول على أكبر حصة من الثروة اليمنية.
ووسط هذا الصراع القائم دولياً وإقليمياً على جنوب اليمن، لم يحسب الجميع حساب القوة الضاربة والصاعدة من شمال اليمن والتي استعرضها الجيش التابع لحكومة الحوثيين بصنعاء من قوة عسكرية وأمنية وعتاد عسكري من الصواريخ الباليستية والمجنحة والعتاد الحربي البحري من زوارق وصواريخ بحرية وألغام تم كشفها مؤخراً في العروض العسكرية الأخيرة في كل من الحديدة وصنعاء، هذه القوة العسكرية قد تكون هي صاحبة القرار الحاسم بشأن الثروة اليمنية التي يتصارع الخارج على الاستيلاء عليها، فصنعاء وعلى لسان قياداتها من مهدي المشاط إلى زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي إلى بقية القيادات الأخرى وآخرهم ناطق قواتهم العميد يحيى سريع، جميعهم أكدوا أنهم لن يسمحوا بأن يستمر نهب الثروة اليمنية فيما الشعب يبحث عن رواتبه المنقطعة منذ قيام التحالف وواشنطن بنقل وظائف البنك المركزي إلى عدن وقطع الإيرادات عن مركزي صنعاء الذي ظل يصرف رواتب جميع موظفي الدولة بناءً على كشوفات 2014 منذ بداية الحرب وحتى سبتمبر 2016 للمدنيين والعسكريين والمتقاعدين بشكل محايد، الأمر الذي يجعل من استمرار العمل في حقول النفط والغاز جنوب اليمن مرهوناً بقبول صنعاء من عدمه والتي تؤكد اليوم أن ما استعرضته من جيش وعتاد عسكري وأسلحة ليس للاستعراض فقط بل للتأكيد على أن وظيفة هذه القوة إلى جانب الدفاع عن اليمن من أي عدو خارجي هو أيضاً معني بالدفاع عن ثروة البلاد وكف الأيدي عن من ينهبها.
والخلاصة هنا أن مجلس رشاد العليمي أصبح فاقداً لمشروعيته التي منحها إياه التحالف أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد من مهامه سوى أن ينقل بلسان يمني ما يصله من الرياض وأبوظبي للمبعوث الأممي إلى اليمن في مفاوضات الهدنة، ومن لم يستطع فرض سلطته في عدن واضطر في نهاية المطاف للمغادرة والعودة من حيث أتى كرشاد العليمي لن يكون شخصية مقبولة للتفاوض معها بالنسبة لقيادة سلطة صنعاء التي سبق أن أكدت أن مجلس القيادة الرئاسي أداة جديدة بيد التحالف كما كان الحال مع هادي ومن معه وأن الحرب لن تنتهي بمجرد تغيير التحالف لهذه الأدوات أو شخوصها وأن تداعيات وتبعات هذه الحرب التي شنتها السعودية في اليمن لن تسقط بمجرد إزاحة هادي وتصعيد رشاد.