ثورة أكتوبر… من صنعاء إلى ردفان
الجنوب اليوم | تقرير
في ظل حالة الحرب التي يعانيها اليمن شماله وجنوبه منذ سنوات ، تحولت الذكرى السنوية لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة إلى محطة إلهام سنوية، يستلهم منها الدروس والعبر، ويستذكر فيها واحدية الكفاح والنضال والهدف.
ورغم الانقسام تحتفل المدن اليمنية بالذكرى الـ ٥٩ لثورة الـ «14 من أكتوبر» التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء، ولم تنطفئ إلا برحيل آخر جندي بريطاني من أرض الجنوب في الـ 30 من نوفمبر 1967.
الاحتفاء بهذه الذكرى «ثورة أكتوبر» لم يعد احتفاء عابراً كما كان قبل سنوات ، بل أن الاحتفاء بثورة غيرت مجرى التاريخ في جنوب اليمن وارغمت بريطانيا الاستعمارية على الرحيل لم يعم يبدأ بإعلان وزارة الخدمة المدنية عن يوم ١٤ أكتوبر كعطلة سنوية تخليداٍ لهذا اليوم ، لا ينتهي بانتهاء المراسيم المعتادة التي تبدأ بخطاب رسمي و احتفالات مركزية ومحلية، بل تحول إلى محطة سنوية هامة في ظل التقاسم المكشوف بين دول «التحالف» لثروات ومقدرات المحافظات الجنوبية ، ونهج تفتيت الوحدة الاجتماعية والسياسية للبلد ، وتقاسم الثروات النفطية بين الغزاة الجدد وادواتهم من جماعات ومراكز نفوذ عسكرية وقبلية ومليشيات متعددة الولاء ، فهذا اليوم الاكتوبري يعد محطة سنوية يتذكر فيها اليمنيون مسار التحرر وتاريخ الثورة الآباء في سبيل تحرير الأرض والإنسان من إمبراطورية لم تكن تغيب عنها الشمس ، وبإرادة الأحرار تحرر الجنوب من الاستعمار، ونالت استقلالها الكامل على كامل ترابها الوطني لتغيب شمس عدن عن إنجلترا.
شرارة أكتوبر.
ثورة الـ 14 من أكتوبر 1963م، انطلقت شرارتها في جبال ردفان، ولكنها خططت في صنعاء، فبعد اندلاع «ثورة 26 سبتمبر» في شمال الوطن، هب أحرار الجنوب من كل حدب وصوب للدفاع عن الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي، وأعلنت قيام الجمهورية الأولى في صنعاء.
من أبرز تلك القيادات الجنوبية كان الشيخ راجح بن غالب لبوزة الذي اتجه برفقة 150 مقاتلاً من قبائل يافع نحو صنعاء للدفاع عن الثورة، ليقاتل دفاعاً عن سبتمبر في عبس والمحابشة بمحافظة حجة.
بعد 6 أشهر طلب لقاءً بالرئيس عبدالله السلال، رئيس الجمهورية الوليدة في الشمال ومستشاره لشؤون الجنوب قحطان الشعبي، وأثناء عودة لبوزة من صنعاء عبر قعطبة وصولاً إلى ردفان بمحافظة لحج، تلقى رسالة من الضابط السياسي البريطاني في لحج طالبه بتسليم سلاحه ورفاقه ودفع غرامة قدرها 500 شلن والتعهد بعدم العودة للقتال في جبهات الشمال، محذراً من أنه إذا لم يستجب للمطالب فسوف تتخذ سلطات الاحتلال عقوبات قاسية ضده ورفاقه.
ووفقاً للمصادر التاريخية، فإن الشهيد لبوزة أعاد الرسالة في ظرف مضاف إليها الجواب الذي كان «رصاصة»، وهو ما دفع الإنجليز إلى إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة إلى ردفان في الـ 14 من أكتوبر، لتنطلق شرارة «أكتوبر» من جبال ردفان، في تلك المعركة التي انتهت باستشهاد الشيخ راجح غالب لبوزة، إثر إصابته بشظية مدفع في يوم 14 اكتوبر 1963م عن عمر 46 عاماً.
بعد استشهاد لبوزة تصاعدت عمليات «ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ» التي أعلن عن تشكيلها في صنعاء، وأقرت الانتقال إلى مرحلة الكفاح المسلح.
عبود ورفاقه
بعد انطلاق شرارة أكتوبر من ردفان، كان أبناء الشمال حاضرون في كل مراحل الكفاح المسلح في المحافظات الجنوبية ضد الاستعمار البريطاني الذي حاول أن يخمد الثورة «الأكتوبرية» مستخدمة القوة المفرطة ضد الثوار ، حيث شنت حملات عسكرية غاشمة حينذاك استمرت نصف عام على ردفان، وارتكبت أبشع الجرائم، كما نفذت سياسة «الأرض المحروقة» مستخدمة الطيران في تدمير وإحراق كل ممتلكات المدنيين.
وعلى الرغم من البطش البريطاني، استمر التصعيد الثوري في الكفاح، وانتقلت المواجهات من جبال ردفان ووديانها إلى عدن، وانخرط المئات من أبناء الشمال في حركة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني وكانت تعز وصنعاء مقراً للتدريب العسكري، وتصاعدت العمليات الفدائية ضد المستعمر، وقد نفذ بعضها فدائيون من الشمال، وهو ما أدى إلى اتخاذ سلطات الاحتلال قراراً عام 1965م، قضى بإبعاد 245 مواطناً ينحدرون إلى المحافظات الشمالية، بعد ذلك تولى المبعدون مهمة جمع التبرعات من المناطق الشمالية لدعم ثوار «أكتوبر» وحشد المقاتلين.
مشاركة أبناء الشمال اخوانهم احرار المحافظات الجنوبية في ثورة اكتوبى ضد المستعمر البريطاني شاهدة على واحدية الثورات اليمنية وواحدية المصير ، ولعل من أبرز تلك القيادات التي لا يزال دورها محفوراً في ذاكرة التاريخ في مدينة عدن ، القائد الفدائي مهيوب علي غالب الشرعبي، الشهير بـ«عبود»، والذي ينحدر إلى مخلاف شرعب في محافظة تعز، والذي وصفته بريطانيا حينذاك بأخطر فدائيي الجنوب.
منذ مقتل «عبود» يوم السبت 11 فبراير 1967م، أثناء تنفيذيه عملية عسكرية كبيرة أودت بحياة العشرات من القيادات الموالية لبريطانيا، وقتل العشرات من الجنود والضباط البريطانيين في مدينة الشيخ عثمان، يحتفل الجنوب في ذكرى رحيله بشهداء «أكتوبر» كل عام، ولا يزال اسم «عبود» يطلق على معسكرات ومنشآة أمنية وخدمية في عدن، تخليداً لدوره الوطني.