كلام سياسي | بأي شراكة وتحرير نتفاخر؟
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
من المتوقع أن يقضي عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين في محافظات الجنوب عيد الأضحى المبارك دون استلامهم معاشاتهم الشهرية التي تحتجزها حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ عدة أشهر، بطريقة أقل ما يمكن وصفها بأنها طريقة لصوصية فجة، في سابقة خطيرة ومؤلمة للجميع هي الأولى في تاريخ البلاد المعاصر، بما في ذلك فترة الإحتلال البريطاني (1839 – 1967م)، وذروة الضائقة المالية والاقتصادية التي مرت بها دولة الجنوب في سبعينيات القرن الفارط.
أزمة المعاشات التي تأتي في ظل وضع معيشي بالغ الصعوبة يعصف بحياة الناس هي لا شك الأكثر وطأة عليهم، ولكنها ليست الوحيدة، فإلى جانبها تشهد البلاد أزمات متتالية في الوقود والكهرباء والصحة والمياه والنظافة. وبين هذا كله، تأتي بين الحين والآخر خضّات أمنية عديدة جلها مفتعلة.
مررتُ، عصر الثلاثاء، 29 أغسطس الجاري، بعدد من شوارع وطرقات مدينة عدن، وقد هالني المشهد وراعني موقف من يعاني منه. هالني مشهد عشرات بل قل مئات من الآليات بمختلف أنواعها وهي ترتص بطوابير لا يبلغها النظر أمام محطات الوقود. وراعني المشهد جراء حالة الإستسلام والتماهي الذي بات الناس يتعاطون به مع وضع بائس كهذا… وضع لا يقبله إلا كل فاقد لحسه وحواسه وكرامته، في بلد يزعم أهله والعالم أنه شريك لدول خليجية اسمها دول التحالف هي أغنى الدول النفطية في العالم، في مفارقة لا يقبها عقل. ومع ذلك، لا تجد في هذا البلد المنكوب بهذه الشراكة لتر بنزين يسيّر سيارة إسعاف أو يحرك تروس موتور كهربائي، ولا تجد أسطوانة أكسجين في مستشفيات حكومية تسعف مريض الربو والحالات الطارئة جرّاء توالي وتكرار أزمات الوقود بكل أنواعه.
فعن أي شراكة إقليمية نتحدث بالله عليكم؟ وبأي تحرير نتفاخر؟ التحرير الذي يسوم الناس عذاباً ويقهرهم في صميم ضروريات حياتهم؟ ولا نقول التطلعات السياسية التي بات من المحرم أن تُذكر في إعلام هؤلاء الشركاء المحررين! لم يعد الأمر يحتمل التشكيك في حقيقة صادمة مفادها بأن ما يجري في عدن وباقي مدن وقرى وبلدات الجنوب يتم عن قصد مع سبق الإصرار – والإضرار-، والتعمد من قِبل قوى محلية وإقليمية لا ترى في محاولاتها لتمرير مشروعها السياسي مفراً من إشغال الناس ونخبهم السياسية والثورية التحررية في بحر متلاطم من الأزمات والمعاناة، وبالذات أزمات المجالات الخدمية والأمنية؛ حيث ترى في ذلك سلاحها الأمضى في هذه المعركة الخفية، ليتسنى بالتالي لهذه القوى اليمنية والإقليمية فرض مشاريعها السياسية في لحظة يكون فيها الكل من أبناء البلد في حالة إنهاك تام، يغيرون من أولوياتهم ويرتضون على إثر المعاناة بالقبول بواقع الأمر المفروض عليهم عنوة، أو هذا ما تعتقد وتخطط له تلك القوى التي تفترض أن بإمكانها بالإمعان في تعذيب الناس وقهرهم وإذلالهم بلقمة عيشهم وأمنهم أن تمرر مشاريعها، التي من المؤكد أنه ليس في أجندتها عبارة واحدة اسمها القضية الجنوبية.
ولكي تصرف تلك القوى أنظار واهتمامات العامة من الناس وجموع النخب الجنوبية عما تخطط له من مشاريع «نهبوية» اقتصادية استعمارية، سواء القوى اليمنية التي تجد في فئة جنوبية نفعية تحيط بالرئيس هادي مشرعناً لها، أو تلك الدول الإقليمية التي أضحت لا ترى في الجنوب أكثر من فريسة سهلة الإبتلاع والهضم بعدما تمكنت من اصطيادها بمساعدة صقور وشياهين محلية، وكأنها تتلهى في رحلة صيد في الصحراء ممتعة أدواتها صقر مدرب وأرانب طريدة شريدة من بطش مخالبه، سيظل الوضع العام يراوح مكانه من المعاناة، إن لم نقل ستتناسل منه أزمات وأزمات، طالما بقي الوضع السياسي يكتنفه الغموض وتلفه المؤامرات الداخلية والإقليمية.
سيظل الوضع على حاله، في تدهور مضطرد إن استمر موقف نخب الجنوب وقواه وشخصياته الوطنية يتملكها الخوف ويستبد بها الهلع من بعبع الإقليم وصولجانه الورقي المخادع. سيظل الجنوب في انحدار مستمر نحن هوة سحيقة من الضياع إن ظلت اليد الطولى والكلمة الفصل للفئة الجنوبية المتمصلحة التي نشأت منذ حرب94م، وتضخمت في حرب 2015م، وهي تنهش بجسد الجياع وتقتات من أوجاعهم من خلال أذرعها النفطية والغازية وشبكاتها العنكبوتية في المؤسسات الحكومية الدسمة، وما بقيت أياديها تعبث بالدوائر والمرافق المالية، وبالذات في الدوائر المالية في الجيش والأمن والخارجية والبنوك والبنك المركزي بالذات، وتتلاعب بالأموال وأسعار العملات والأعمال المصرفية، وتتمدد يوماً إثر يوم إلى خارج الحدود والآفاق، بدعم وحماية ومشاركة من رموز سلطوية معروفة للعامة من الناس والبسطاء بالإسم، بعد أن انتشرت رائحة فسادها في الجهات الأربع، يحميها جدار على قدر سماكته إلا أنه مهترئ البنيان سهل الهدّ والهدم إن توافرت الإرادة والإقدام، وهو خوف الناس وسلبيتهم إزاء هذه الشخوص ومَن يحميها من الرؤوس السلطوية الكبيرة.