أزمة المياه في القبيطة: جلجلة البحث عن حياة!
الجنوب اليوم |
– عدنان الجعفريمن جهته، يشير فهمان أحمد علي إلى أن شح المياه أرهق سكان المديرية، وأجبر البعض منهم على النزوح إلى مناطق تتواجد فيها المياه، فيما انتقل البعض الآخر ممن تسمح لهم إمكانياتهم المالية إلى المدن. لكن فهمان يشدد على أن ظروف غالبية السكان صعبة، «وهم بالكاد يوفرون كمية المياه للاحتياجات الضرورية».
ويلفت إلى أن «الحكومة منذ 2006م حتى اليوم لا وجود لها نهائياً، فيما قبل كانت تحضر أثناء الإنتخابات، تطلق وعوداً كاذبة لا نراها سوى في قصاصات الورق». ويتابع: «لا يوجود أي مسؤول رفيع في الحكومة ينتمي للقبيطة حتى يساعد المديرية بأي مشروع مياه لتخفيف معاناة الناس، ونحن مظلومون في كل شي، وعندما نناشد الحكومة لا تكترث بنا كوننا لسنا قطاع طرق ولا مخربين، بإمكاننا أن نعطل مصالحها حتى تستجيب لمطالبنا».
موت ونزوح ومرض
المواطن أدهم القباطي تحدث، إلى «العربي»، عن تسجيل حالات غيبوبة لفتيات يتم إيصالهن إلى مشافي لحج نتيجة إرهاقهن من نقل المياه على رؤوسهن، التي تتعرض لضغط عبوة من زنة 20 لتراً لوقت طويل من الزمن. يستشهد القباطي بوفاة فتاة عشرينية قبل 4 أشهر وهي تغرف الماء بدلو من بئر بعيد من منزلها، «وقد كانت مخطوبة، لكن مشقة المياه قتلتها، وقتلت حلمها كفتاة تحلم بالزواج وحياة سعيدة».
بدوره، يشير المعلم، عدنان هزاع، إلى أن «أغلبية الفتيات تركن تعليمهن بسبب انشغالهن في جلب المياه لمنازلهن»، معتبراً ذلك «مؤشراً خطيراً في المنطقة، ونتيجته المستقبلية خلق جيل من ربات بيوت أميات لا يجدن القراءة والكتابة»، فيما يؤكد المواطن علي ناصر أن «الفتيات هن أكثر ضحايا الجفاف، بالموت أثناء جلب المياه أو بالإصابة بالإرهاق البدني»، مشيراً إلى أن بعض الأهالي «يمتنعون عن تزويج بناتهم حتى يجلبن لهم المياه».
طبيعة جغرافية قاسية
تمثل الطبيعة الجغرافية للمنطقة أحد أسباب حرمانها من المشاريع الحكومية والاستفاده من مياه الأمطار الموسمية. في هذا الإطار، يقول المواطن، سامح عبد التواب، إنه «لا وجود في المنطقة لخزانات مياه جوفية كونها جبلية، ويفترض على الحكومة أن تساعد الأهالي ببناء خزانات كبيرة لكل منطقة، لأجل تخزين مياه الأمطار والاستفاده منها في موسم الجفاف».
ويبرر مسؤول محلي وضع المنطقة الحالي بكون تضاريسها الجبلية الوعرة، ما يجعل من الصعب إمدادها بالمياه، ويمنع السيارات من بلوغ قممها. لكن المواطن عبد النور القباطي يعتبر منطق الجهات الرسمية مجرد «هروب من المسؤولية» ويرى أنه «إذا صح ما ذهبت إليه فهناك طرق عديدة لإنقاذ الناس من شح المياه التي يواجهه سكان القبيطة سنوياً». ويتابع أن «السلطات المحلية تصرف ملايين الريالات في مشاريع فساد، وتبخل في تموين أهالي القبيطة ببوز مياه إلى أقرب موقع».
المناطق المتضررة من الجفاف
يفيد الأهالي بأن المناطق والقرى الأكثر تضرراً من الجفاف هي المناطق الشرقية والغربية، لافتين إلى أن سعر «دبة» الماء من سعة 20 لتراً في هذه المناطق يصل إلى 300 ريال، فيما يبلغ سعر الخزان 12 ألف ريال.
الجفاف وغلاء الحمير
وليست معاناة نقل المياه على رؤوس النساء وأكتاف الرجال هي الهم الوحيد الذي يرهق تفكير الأهالي، بل أيضاً ارتفاع أسعار الحمير في موسم الجفاف. يقول المواطن، سعيد نعمان، إن أسعار الحمير تصل في موسم الجفاف إلى 80 ألف ريال، وهذه أعباء مالية يتحملها المواطن إلى جانب نقل المياه. ويضيف سعيد: «من يشتري حماراً في المنطقة يصنف بأن ظروفه المالية في أقل تقدير متوسطة، حيث أن الحمير تساعد على نقل المياه، وتصل إلى مناطق وعرة ومرتفعة لا تبلغها السيارات». ويتابع: «لو كانت هناك نوايا من قبل الجهات الحكومية في مساعدة الناس، كان عليها أن تشتري حميراً من ميزانية الدولة، وهذا واجب عليها، فالمساعدة ليست مقصورة على صهاريج المياه أو الخزانات فقط».
ويلفت المواطن، مرتضى عبد الجبار، بدوره، إلى أن «تراكم المعاناة على كاهل الناس دون وجود أي مساعدة لهم، جعلهم يضطرون لاستخدام المياه الآسنة والملوثة، خاصة في فترة الجفاف التي تستمر من يناير إلى أغسطس من كل عام، فيما بقية الأشهر تعتبر موسمية تهطل فيها الأمطار، لكن المياه لا يتم استغلالها بتخزينها نتيجة ظروف الناس الصعبة، وغياب دور جهات الإختصاص».
حضور شكلي
تحضر بعض المنظمات إلى المديرية، وتنزل إلى القرى، لكنها لا تقدم شيئاً يُذكر، ما يعزز قناعة الأهالي بعدم مصداقية هذه المنظمات لكثرة الوعود التي تطلقها ولا تفي بها. يقول منسق الإغاثة والمشاريع في المديرية، علي منتصر القباطي، إن إحدى المنظمات قامت بزيارة المنطقة، وأجرت دراسة، لكنها لم تقم بتقديم شيء، وبررت ذلك بعدم وجود تمويل. بدوره، قام تاجر بتقديم مبلغ مالي بواسطة مبادرة شبابية، استأجرت بدورها سيارات تحمل خزانات مياه، وقامت بتوزيعها على الأهالي، ولكنها لم تحسن الوضع مع وجود مناطق جبلية كثيرة لم تصل إليها هذه المبادرة. ويرى القباطي أن «أزمة الجفاف تحتاج حلاً شاملاً بتدخل حكومي أو تمويل خارجي، أما ما يحدث مجرد ترقيع لم يحل مشكلة الجفاف».
عدد من النساء يتجمعن جوار بئر ماء، ويقمن برفع الدلاء بأيديهن لعدم وجود مضخة. يرفضن التصوير أو التحدث عن معاناتهن. تعتبرن أن الصورة الحية تغني عن التعبير. تقول: «قدكم تشوفونا كيف مشتتين وتعبانين بنقل المياه، ولا يحتاج أن نتكلم، ويكفينا تصوير المنظمات، يقوموا بتصويرنا وما يعملوا لنا شي».
المصدر العربي