كلام سياسي | في أبين… الإرهاب يتقلص
الجنوب اليوم | صلاح السقلدي
يعود السبب الرئيس في نحاج هذه الحملة اليوم إلى جدية القائمين عليها مقارنة بسابقيها، وتوافر الإرادة السياسية والأمنية لمحاربة هذه الجماعات المتوحشة؛ كون الجهات الأمنية والسياسية التي تقود الحملة في أبين، والتي معظم رموزها من خارج المحافظة، متحررة من القيود والاعتبارات التي تفرض نفسها عند كل حملة أمنية من هذا القبيل، حيث تتداخل الإعتبارات القبلية والجغرافية والتهيّب من غول الثارات الدموية التي تفتك بالمحافظة وهوس المصالح الشخصية ببعضها بعض، علاوة على حرص القيادات الأمنية والعسكرية التي كانت تقوم بالحملات السابقة على إبقاء وجود الجماعات الإرهابية حاضراً كمصدر رزق ومكاسب مالية ومادية عند الحاجة، خصوصاً وأن معظم الشخصيات الأمنية والعسكرية، وكثيراً من قيادات السلطة المحلية في المحافظة، هي من الشخصيات التي عُرف عنها حرصها على التكسب المادي والمالي في مثل هذه المناسبات، وأنها لا تأبه لخطورة ظاهرة الإرهاب على مجمل الوطن، وغير ذلك من العوامل التي كانت منفردة أو مجتمعة تؤدي بالتالي إلى فشل كل حملة في المحافظة، بل وتزداد معها الجماعات الإرهابية قوة وصلابة وتمدداً وتوحشاً بمجرد انتهاء العملية الإفتراضية الفاشلة؛ حيث تكون تلك الجماعات قد حصلت بطريقة أو بأخرى على مزيد من المدد المادي والمالي والعسكري وحتى البشري من الجهات التي كان من المفترض أن تحاربها طيلة السنوات الماضية.
أضف إلى ذلك عاملاً آخر ساعد على نجاح هذه الحملة التي تبدو ملامحها حتى اليوم على الأقل واضحة، وهو أنها أتت بعد أسابيع قليلة من انتشار القوات الإماراتية في محافظة شبوة المجاورة، وتأسيس قوة أمنية نظيرة لما هو موجود في محافظة حضرموت، أي قوات «النخبة الشبوانية»، بدعم إماراتي وبتعاون أمريكي على ما يبدو يندرج ضمن خطة مكافحة الإرهاب، أو هذا ما يبدو لنا شكلاً.
الحملة العسكرية والأمنية اليوم في أبين، وبصرف النظر عن المآخذ التي تُسجّل على بعض القوى الأمنية التي تشارك في هذه الحملة كقوة «الحزام الأمني»، وعدم تبعيته صراحة للمؤسسة الأمنية الرسمية، وبصرف النظر عن الطموحات والمغازي السياسية التي تقف خلفها، وبالذات الإماراتية التي يرتاب منها البعض، إلا أن الحملة قد ضربت هذه الجماعات في الصميم، وأفقدتها توازنها من خلال خسارتها لأبرز قياداتها وتقلص نفوذها الجغرافي، فضلاً عن اتساع دائرة الساخطين من المواطنين عليها، واستعدادهم للتعاون مع القوى الأمنية التي تنفذ المهمة، والجهر ولأول مرة منذ عام 1990م باستعدادهم لمحاربة هذه العناصر دون خوف من بطشها ودون التوجس من الحسابات القلبية المعقدة وتبعات الثارات المريرة.
لا نجادل في أن لهذه الحملة حسابات سياسية من قبل الجهات التي تنفذها، ومنها الجهة الإماراتية، ولكن في المحصلة الأخيرة فإن نجاحها أو حتى تحجيم دور الجماعات الإرهابية وتقليص وجودها، وبصرف النظر عن تلك الحسابات والمقاصد السياسية وحتى الإقتصادية، يعني أن المستفيد منها – أي من الحملة – هو الوطن كله، باستثناء القوى التي دعمت وأنشأت هذه الجماعات منذ عقود منذ غزو الجنوب عام 1994م.
بقيت الإشارة إلى أن أهمية حملة اليوم تكمن في أن محافظة أبين تمثل واسطة العقد الجغرافي الجنوبي؛ إذ إن موقعها المتميز الرابط بين المحافظات الجنوبية الشرقية (شبوة وحضرموت والمهرة) والمحافظات الجنوبية الغربية (عدن ولحج) كجسر عبور رابط بين الشرق والغرب، يسهل للجماعات الإرهابية حرية التنقل، ويشكل لها خط إمدادات من هذه الجهة أو تلك، ناهيك عن أن هذا الموقع الواصل بين الشرق والغرب يمثل طريقاً سالكة لفرار عناصرها من حضرموت وشبوة إلى عدن ولحج والعكس، علاوة على تمازج وتعاضد العناصر الإرهابية مع العناصر المتواجدة في مأرب والبيضاء عبر الحدود، بعدما مثلت لها القبيلة في هاتين المحافظتين، بالإضافة إلى شبوة وأبين، حواضن قبلية آمنة. وبالتالي، فحرمان الجماعات الإرهابية من الأهمية الجغرافية لأبين لا يعود فقط بمكسب هزم تلك الجماعات، بل وعودة أبين إلى سابق عهدها، إلى حضن الجنوب ودولته المنشودة، كخاصرة جنوبية لا غنى له عنها ولا غنى لها عنه، بعيداً عن شبح الإرهاب والتطرف والفوضى