نقل «المركزي»… القرار الذي انقلب عليه مؤيدوه!
الجنوب اليوم | رشيد الحداد
قبل عام، أصدر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قراراً قضى بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن، إلا أن القرار الذي اعتبرته حكومة هادي بـ«القرار المنقذ للاقتصاد الوطني» لم يحلّ أزمة السيولة النقدية التي تعانيها البلاد، ولم يحافظ على ما تبقى من استقرار معيشي واقتصادي في اليمن، بل تحول إلى كابوس مزعج للقطاع المصرفي اليمني الذي تكبد خسائر فادحة جراء الحرب والصراع. وتسبب القرار بتوقف رواتب 1.2 ملايين موظف يمثلون 22% من إجمالي القوة العاملة في البلاد، ليساهم ذلك في تصاعد مؤشرات الفقر التي قفزت من 60% قبل القرار، إلى 85% بعد 19 سبتمبر 2016.
القرار الذي أثار موجة مخاوف شعبية من توقف واردات البلاد من الغذاء والدواء والوقود، لم يكن له أي تأثير على حركة الإستيراد في بلد يعتمد على 90% من الغذاء من الأسواق العالمية. فعلى الرغم من توقف البنك المركزي عن فتح اعتمادات مستندية للتجار، وتغطية الواردات الأساسية للعيش، إلا أن تقريراً حديثاً صادراً عن السكرتارية الوطنية للأمن الغذائي في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، حصل «العربي» على نسخة منه، كشف عن استيراد اليمن أكثر من 2.2 ملايين طن من الغذاء خلال النصف الأول من العام الجاري، بمعدل يفوق 4 مليارات دولار.
صنعاء لا زالت المركز المالي
وبعد عام على القرار، لم تتحول عدن إلى مركز مالي بديل لصنعاء التي تحتضن 17 بنكاً منها 4 بنوك إسلامية، و20 فرعاً للبنوك منها 5 فروع للبنوك التجارية الأجنبية، وتستحوذ على 42% من النشاط المصرفي في البلاد، مقابل استحواذ عدن على 15% من النشاط ذاته وفق إحصائية حكومية. وتحتل عدن المرتبة الثانية بعد صنعاء بعدد الفروع البنكية التي تصل إلى 7 فروع، تليها المكلا بنسبة 10%.
محافظ البنك المركزي المعين من قبل هادي، منصر القعيطي، حاول فرض سلطاته على بنوك صنعاء الأهلية. وابتدأ القعيطي محاولاته أواخر سبتمبر الماضي بتوجيه بنوك صنعاء بعدم التعامل مع البنك المركزي في العاصمة، والتعامل مباشرة مع البنك المركزي في عدن، ومن ثم توجيهه تعيماً إلى البنوك التجارية والإسلامية في صنعاء أواخر العام الماضي اشترط فيه ولاء البنوك لعدن مقابل التزام البنك بكافة الديون المستحقة لتلك البنوك، والتي تتجاوز 1.3 تريليون ريال.
وعلى الرغم من الضعوط التي مارسها القعيطي على بنوك صنعاء، والتي وصلت إلى التحذير والوعيد لقيادات البنوك التي تندرج في إطار القطاع المختلط، ويتم تعيين قادتها بقرار رئاسي بالعزل والاستبدال، إلا أن بنوك صنعاء، التي تعاملت مع الوضع وفق مصالحها، رفضت أكثر من قرار كان آخرها قرار تعويم الريال اليمني في السوق المحلي، والذي اعتبرته بنوك صنعاء «قراراً ارتجالياً وغير مدروس، ويعرضها للمزيد من الخسائر المالية».
إضافة إلى ذلك، رفضت بنوك صنعاء كافة الدعوات التي وجهها محافظ بنك عدن إلى قياداتها بالحضور إلى عدن لعقد اجتماع موسع كان من المزمع عقده أواخر الشهر الماضي. يشار إلى أن القعيطي عين أحمد حسين أبو بكر، وهو صديق قديم له، في منصب وكيل للرقابة على البنوك، وقائماً بأعماله، أوخر يوليو الماضي.
إنقلاب غير معلن
مصادر في البنك المركزي بعدن كشفت، لـ«العربي»، عن انقلاب غير معلن من قبل دول «التحالف العربي» على حكومة هادي فيما يخص دعم البنك المركزي بوديعة مالية. وذكّر المصدر بتصاعد الصراع بين أبو ظبي وحكومة هادي على المصرف المركزي في عدن الشهر الماضي، والذي كاد يخرج عن السيطرة بعد اتهام محافظ البنك، منصر القعيطي، الذي يتخذ من العاصمة الأردنية عمان مقراً له منذ أشهر، دولة الإمارات، بطريقة غير مباشرة، بإعاقة نشاط البنك، ومنع وصول 13 رحلة شحن جوي لطائرات محملة بالأموال المطبوعة البالغة 400 مليار ريال الشهر الماضي.
وهو ماردت عليه القوات الموالية للإمارات في عدن بالتهديد بمداهمة وزارة المالية الموالية لهادي، بعد رفض الأخيرة الكشف عن مصير 270 مليار ريال وصلت عدن منذ مطلع العام الجاري من روسيا. إثر ذلك، تم إحراق مبنى الوزارة، أواخر الشهر الماضي، ليندثر معه أرشيفها. واعتبر البعض أن الحريق الذي وُصف بـ«المفتعل» استهدف التخلص من وثائق الصرف قبل أن تصل أيادي الإماراتيين، الذين يتهمون حكومة هادي بالفساد المالي وإنفاق الأموال المطبوعة بعيداً عن أبواب الموازنة وخصوصاً رواتب الموظفين.
وأكد المصدر أن أبو ظبي تنصلت من التزامات سابقة قطعتها لحكومة هادي تتعلق بتمكينها من إدارة البنك المركزي اليمني، وإدارة السويفت، وإعادة صيانة المبنى، وتقديم الدعم المالي واللوجستي اللازم للتحكم بالقطاع المصرفي اليمني، إلا أن أبوظبي لم تفِ بوعودها، ونفت موافقتها على قرار نقل المصرف المركزي من صنعاء إلى عدن.
وأشار المصدر إلى أن الجانب الإماراتي أبلغ حكومة هادي بأنه لن يستطيع تجاوز صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي لم يوافق على القرار حتى الآن، وبأنها ومعها السعودية وأمريكا وبريطانيا عزفت عن تنفيذه لتعارضه مع النظام المصرفي العالمي من جانب، وتراجع ثقتها بقدرات حكومة هادي على تنفيذ قرار نقل البنك ونقل المنظومة المالية المصرفية لوضع أكثر أمناً وجودة.
وعلى الرغم من الدور البارز للإمارات في سحب نظام السويفت الخاص بالبنك المركزي في صنعاء من الشركة المستضيفة التي تتواجد في دبي، إلا أن حكومة هادي لم تتمكن من التحكم بالاحتياطات النقدية الخارجية للبنك والمقدرة بـ900 مليون دولار. ووفق المصادر فإن قرار وزارة الخزانة الأمريكية التي جمدت عملية السحب من الإحتياطات الأجنبية للبنك المركزي منذ أواخر سبتمبر الماضي، أقرت بتاريخ 17 يوليو الماضي رفع الحظر المفروض على حسابات البنك المركزي الخارجية، إلا أن تلك الخطوة لم تتح لحكومة هادي استئناف نشاط البنك المركزي الخارجي حتى الآن.
قرار عسكري
القرار لم يكن ذا بعد اقتصادي، وإنما سياسي وعسكري، كما أكد ذلك محافظ البنك المركزي، منصر القعيطي، أواخر سبتمبر الماضي، في مؤتمر صحافي عقده بالرياض، أوضح فيه أن القرار ذو طابع عسكري، معتبراً أنه سيكون له إسهام كبير في تجفيف مصادر تمويل حركة «أنصار الله»، وسيكون له تأثير على الجبهات في نهم، وسيعجل من عودة «الشرعية» لصنعاء.
ونتيجة لذلك، لم يقم البنك بأي وظيفة من وظائفة الرئيسية الممثلة بالحفاظ على سعر صرف العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، بل تسبب بتآكل القيمة الشرائية للريال اليمني، وفقدانه 30% من قوته الشرائية، حيث ارتفع سعر صرف الدولار منذ صدور القرار حتى الآن من 282 ريالاً للدولار الواحد إلى 377 ريالاً.
والجدير ذكره أنه قبيل صدور قرار نقل البنك المركزي من صنعاء، تصاعدت مطالب حزب «الإصلاح» بنقل البنك إلى مأرب، إلا أن الرئيس هادي تجاهل تلك المطالب، وهو ما أثار استياء «الإصلاح» الذي رفض التعامل مع قرار نقل البنك وتنفيذه.
خسائر مباشرة
تسبب قرار نقل البنك بتراجع نشاط البنوك والمصارف المحلية التي تكبدت خسائر مالية في المناطق الشمالية تجاوزت 3 مليارات ريال، نتيجة تعرض 59 فرعاً من فروع البنوك والمصارف الحكومية والأهلية لأضرار مختلفة جراء غارات طيران «التحالف». كما قُدّرت خسائر البنوك والمصارف في عدن بقرابة 40 مليون دولار كخسائر مباشرة نتيجة تصاعد أعمال السطو المسلح التي طالت عدداً من البنوك وشركات الصرافة والانفلات الأمني.
يضاف إلى ذلك أن الخسائر غير المباشرة المتمثلة بعزوف المودعين عن البنوك، وارتفاع السحب من الإيداعات، وتوقف البنوك عن فتح اعتمادات مستندية للتجار، وتوقف نشاط استقبال التحويلات المالية للمغتربين، كبد البنوك خسائر فادحة، ودفعها إلى الإحجام عن كشف حساباتها الختامية.
المصدر العربي