مناطقية وبلطجة: عاصمة الجنوب عدن مسرحاً للميليشيات
الجنوب اليوم | صحافة
تكاد تكون التشكيلات العسكرية والأجهزة الأمنية المتكاثرة في عدن المظهر الأكثر تجلياً لمحددات السياسات الإماراتية في جنوب اليمن وأهدافها. خريطة شديدة التشعّب والتعقيد تتعدد أطرافها ومصالحها وفِعالها، برعاية أبو ظبي ودعمها وتمويلها. ليس الحديث هنا عن كيان متراصة أعضاؤه يقاتل جنباً إلى جنب «التحالف العربي» كما قد توحي بذلك وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، بل عن عصابات وميليشيات تتنوع مستويات انقساماتها ما بين سياسية ومناطقية وجهوية وشخصية.
دعاء سويدان| جريدة الأخبار:
يتقدم تلك القوات «الحزام الأمني»، الذراع الضاربة للإمارات وعصاها الغليظة في عدن. تغلب على «الحزام»، الذي يقوده عملياً الوزير السلفي المقال، هاني بن بريك، الصبغة المناطقية والمتشددة، إذ إن تشكيلته تتألف، في معظمها، من عناصر مستقدمين من محافظتين جنوبيتين فقط هما الضالع ولحج. وتهيمن على هؤلاء وجهة فكرية واحدة تقريباً هي السلفية المحسوبة على الإمارات. ولذا، تم تحويل لواءين من الألوية الأربعة التي يتكون منها «الحزام» إلى جبهتي المخا وباب المندب سعياً إلى إحداث تغيير في المعادلة الميدانية بعدما عجزت بقية التشكيلات، الموالية للسعودية والإمارات، عن ذلك.
أما اللواءان الآخران، فيُعدّ أبرزهما لواء «التدخل السريع»، بقيادة «البلطجي الكبير» كما يسميه مواطنون، المدعو منير اليافعي الملقب بـ«أبو اليمامة»، الذي تمت الاستعانة به، أخيراً، في قيادة ما قيل إنها «حملة تطهير أبين من عناصر القاعدة»، والذي لا يتورع عناصره عن أي فعل مهما كان غليظاً، سواء في التعامل مع عناصر «القاعدة» الذين تتم تصفيتهم ميدانياً بعد أسرهم، أو في التعامل مع المواطنين الذين يذهبون ضحية الحملات العشوائية على «الإرهاب».
إلى جانب قوات «الحزام» يبرز ما يسمى «لواء حماية عدن» التابع للمحافظ السابق، عيدروس الزبيدي، الذي يتخذ من جبل حديد مركزاً لمعسكراته. يتكون اللواء المذكور من 5000 مقاتل، معظمهم من محافظة الضالع، ويقوده شخص قريب للزبيدي. ليس للواء من مهمات محددة حالياً سوى أنه مخزون لأي مواجهة محتملة مع خصوم المحافظ السابق في المرحلة المقبلة. ودائماً ما يتم التلويح، من قبل أنصار الزبيدي، بوزن «حماية عدن» الرمزي؛ كون مقاتليه مدرّبين ومجرّبين، لدى اشتداد التجاذب مع مناوئي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وخصوصاً منهم أنصار المحافظ الجديد، عبد العزيز المفلحي.
الأمر نفسه تقريباً ينطبق على القوات المسماة «أمن عدن»، والتي يقودها مدير أمن عدن، شلال علي شائع، مع فارق بسيط هو أن هذه القوات متلبسة لبوساً رسمياً، وتؤدي مهمات شرطية في المدينة. باستثناء الفارق الأخير، فإن «أمن عدن» يماثل بقية التشكيلات لناحية صبغته المناطقية؛ إذ إن معظم عناصره متحدرون من محافظة واحدة هي الضالع، ولناحية النَفَس البلطجي الغالب على قيادته، التي تخوض من حين إلى آخر جولات صراع مع منافسيها على خلفيات مناطقية أو جهوية، دون أن يمر ذلك في معظم الأحيان بلا سفك دماء (أقدم عناصر شلال، منتصف آب/ أغسطس الماضي، على قتل مدير أمن مديرية رصد (التابعة لمحافظة أبين)، حسين قماطة، من دون مبررات واضحة. وقبل أيام، أقدم هؤلاء على قتل شقيق قائد الميليشيا المعروفة بـ«كتائب سلمان الحزم»، صلاح الجوهري، في ما بدا أنه محاولة لاغتيال قائدها، قاسم الجوهري).
هذا الأخير، أي قاسم الجوهري، يقود، بدوره، تشكيلاً عسكرياً في عدن يُسمى «كتائب سلمان الحزم». يتألف التشكيل المشار إليه من 477 عنصراً متحدرين، في غالبيتهم، من منطقة يافع؛ وها هنا يتبيّن وجه الصراع المناطقي ما بين قوات شلال وقوات الجوهري. أما الوجه الآخر من الصراع، فيكمن في أن «كتائب سلمان» محسوبة على المحافظ الجديد، عبد العزيز المفلحي. ولاء يبدو أن مفاعيله ستدفع نحو جولات إضافية من التنازع، في ضوء التوتر الذي شهدته عدن خلال الأيام الماضية، بعدما استنفر مقتل صلاح الجوهري «كتائب سلمان»، ومن ورائها حشداً قبلياً موالياً لقائدها، وكذلك فصيلاً من فصائل «المقاومة الجنوبية»، محسوباً على منطقة يافع، يقوده المدعو أبو همام بن بعوة.
قبالة تلك التشكيلات جميعها، تأتي أذرع ما يمكن تسميته «الجناح الأبيني» (نسبة إلى محافظة أبين) من خريطة الصراع. يدور الحديث هنا عن ألوية الحماية الرئاسية، التابعة للرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، والتي يقودها نجله جلال. يحوز السلفيون، المحسوبون على السعودية، بقيادة مهران القباطي وبسام المحضار، مقدار النصف من «ألوية الحماية» الأربعة، فيما يقود إبراهيم حيدان وسند الرهوة، التابعَان مباشرة لهادي، اللواءَين الآخرَين.
هذا التنافس، الذي تلعب فيه الإمارات دور المحرّك والمشجع، انعكس على الأرض في صورة عمليات فساد مهولة، وتعيينات لا اعتبار فيها إلا للمحسوبية، ومزيداً من التدهور في حالة الشبان الذين تم تجنيدهم بعدما وُعدوا بـ«الرخاء والحبور»، ليتبيّن لاحقاً وقوعهم ضحية الصراع المناطقي، والذي تُرجم في إسقاط أسمائهم من الكشوفات من قبل «الشرعية»؛ كون أغلبهم منتمين إلى محافظة الضالع.