بعد 4 أعوام على أحداث أغسطس 2019.. ما الذي تغير بالنسبة للانتقالي وأتباعه؟
الجنوب اليوم | تقرير
ما الذي تغير في عدن من بعد أحداث أغسطس 2019 التي شهدتها المدينة ومحيطها والتي أيضاً وصل تأثيرها إلى محافظة شبوة أولى محافظات الجزء الشرقي لليمن وإحدى محافظات مثلث النفط والغاز التي لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي عاجزاً عن فرض حضوره وتواجده فيها في ظل الفيتو السعودي الواضح.
مر اليوم 4 أعوام على أحداث أغسطس جنوب اليمن عام 2019 والتي اشتبكت فيها قوات المجلس الانتقالي الجنوبي (قوات تابعة للتحالف وما تسمى الشرعية سابقاً) مع قوات ما تسمى الشرعية وأغلبها يتبع حزب الإصلاح وتقاتل تحت لواء (عبدربه منصور هادي) الرئيس الذي ظل منفياً خارج اليمن وخاضعاً لإقامة جبرية في الرياض طوال سنوات الحرب.
بالعودة لدراسة الوضع على أرض الواقع داخل مدينة عدن قبيل أحداث أغسطس سنجد أن المجلس الانتقالي الجنوبي هو المسيطر على مدينة عدن، وكانت كل فصائله الأمنية والعسكرية أساساً تسيطر على عدن باعتبارها قوات تابعة لما تسمى “الشرعية”، وصحيح أن ولاءها للمجلس الانتقالي إلا أن منتسبيها كانوا يستلمون مرتباتهم من التحالف السعودي الذي كان يصرف مرتبات لكل المقاتلين التابعين له حتى وإن كانت تلك المرتبات تصرف بشكل متقطع وجرى حرمان أولئك المقاتلين سواءً (شرعية أو انتقالي أو حتى مليشيا طارق بالساحل الغربي) من مرتباتهم أشهر طويلة حين لا يكون للتحالف حاجة بهؤلاء المقاتلين.
إذن، عملياً كان الانتقالي مسيطراً على عدن، الفارق فقط بين ما قبل أحداث أغسطس وما بعدها هو أن من كان لا يزال في عدن من قوات هادي المحسوبين كلياً على حزب الإصلاح، تم إخراجهم من عدن إما مجبرين تحت ضغط المواجهات العسكرية أو خرجوا هاربين من موجة الاغتيالات التي كانت ستستهدف قياداتهم واحداً تلو الآخر، وهو ما حدث بالفعل.
بعدما أصبحت سيطرة الانتقالي على عدن شبه رسمية بعد توقيع اتفاق الرياض، لم يتغير شيء في عدن، لا سلطة مطلقة أصبحت بيد الانتقالي، ولا قرار سيادي بيد أبناء عدن وأتباع الانتقالي المدعومين من الإمارات.
قبل أحداث أغسطس 2019 كانت عدن خالية من أي مسؤولين من مسؤولي ما تسمى “الشرعية” سابقاً، وظل الوضع على حاله بعد أغسطس 2019 فلا عاد عبدربه منصور هادي ولا مسؤوليه ولا حكومته، وها قد مر نحو عام ونصف على إزاحة السعودية والإمارات بهادي وسلطته السابقة والإتيان بسلطة جديدة أكثر انبطاحاً وعمالة للتحالف، ولا يزال الوضع على حاله أيضاً، إذ طوال فترة العام والنصف الماضية لم يتواجد رشاد العليمي ومجلسه القيادي في مدينة عدن إلا أيام متقطعة وبحسابها الإجمالي نجد أن كل الفترة التي تواجد فيها في عدن لا تتجاوز أسابيع قليلة جداً وبقية المدة ظل العليمي يقضيها في مقر إقامته في الرياض.
حتى على مستوى الخدمات في عدن أو بقية المحافظات الجنوبية الأخرى، كان الوضع منهاراً، وأزمات الكهرباء والمياه والخدمات الأخرى مثل مشاريع الطرق المهترئة والوضع المعيشي المنهار، والعملة المحلية المنهارة كانت كلها تمثل الواقع الذي يعيشه أبناء عدن والجنوب عموماً، وبعد أحداث أغسطس لم يجد أبناء عدن أي تغير في تلك الأوضاع بل على العكس فقد زادت أزمات عدن وزاد الوضع المعيشي والاقتصادي سوءاً واستمرت عملة حكومة التحالف في الانهيار وبدلاً من وجود سلطة واحدة فاسدة معظم قيادتها خارج اليمن أصبح في عدن والجنوب عموماً سلطتين فاسدتين وأيضاً كل قيادات السلطتين مرتهنين للخارج ومنقسمي الولاء والتبعية بين الإمارات والسعودية ومثلما كان مسؤولوا ما تسمى “الشرعية” مقيمين في الخارج بشكل دائم وأبرز قياداتهم كانوا تحت الإقامة الجبرية في السعودية، ظل كثير من قيادات الانتقالي أيضاً يعيشون الوضع ذاته إذ لطالما أخضع عيدروس الزبيدي للبقاء في الإمارات بأمر من السعودية وحتى إن سمحت الإمارات ببقاء بعض قيادات الانتقالي في عدن فإنه وبمقابل ذلك كانت عوائل هذه القيادات خاضعة للإقامة الجبرية في الإمارات كورقة ضمان للإمارات لإبقاء قيادات الانتقالي (أرباب العوائل المحتجزة) رهن تصرفها وينفذون كل توجيهاتها.
من كل ما سبق نجد أن المجلس الانتقالي لم يجنِ شيئاً من سيطرته على عدن سوى إثبات تبعيته وكونه أداة بيد الإمارات وأحياناً بيد السعودية أيضاً، وسبق للزبيدي أن أقر بأن الانتقالي وأبناء الجنوب رهن إشارة محمد بن سلمان وأنهم مستعدون أن ينفذوا أي توجيهات من بن سلمان يوجههم أينما يريد ويضرب بهم في أي مكان داخل اليمن أو خارجه.
فقط كان الانتقالي المظلة التي استخدمها التحالف لتجنيد جزء من أبناء الجنوب وتوظيفهم وقود حرب وصراع متقطع مع جزء آخر من أبناء الجنوب الذين تمكنت الرياض سابقاً من خداعهم وإيهامهم بأنهم يقاتلون ضد قوات صنعاء دفعاً عن مكة المكرمة ودفعاً عن الإسلام وأنهم يقاتلون ما أسمته الرياض (المد الفارسي الإيراني المجوسي الرافضي … الخ الخ) والذي تبين ألا وجود لمثل هذه المصطلحات في قاموس الحرب التي شنتها السعودية والإمارات ضد اليمن.
حتى المكاسب التي اعتقد الانتقاليون أنهم حققوها من بعد أحداث أغسطس 2019 ها قد تلاشت بعد إطاحة الرياض بهادي والإتيان بمجلس رئاسي مقسوم مناصفة بينها وبين أبوظبي، إذ أعادت الرياض إلى مدينة عدن قوات عسكرية جديدة موالية لها وأدخلتها إلى عدن رغم أنف الانتقالي ومن خلفه الإمارات، وها هو رئيس المجلس القيادي المنتمي لمحافظة تعز الشمالية يتواجد في عدن (صحيح أن هذا التواجد مؤقت ومتقطع) إلا أن ذلك التواجد يتم رغم أنف الانتقالي.
الخلاصة أن كل من لا يزال في صف المجلس الانتقالي لا يختلفون كثيراً عن منهم في صف الطرف الآخر، فكلا الطرفين أو الأطراف الأخرى إذا ما أضفنا مليشيات طارق صالح في الساحل الغربي، لا يملكون من أمرهم شيئاً، وكل ما يقدمونه من تضحيات وخسائر بشرية إنما هي لخدمة أصحاب القرار الحقيقيين في أبوظبي والرياض، فلا الإمارات ستمكن الانتقالي بالفعل من السيطرة على كل الجنوب مثلما لم تمكنه منذ تأسيسه حتى اليوم من فرض قراره على مدينة عدن وفرض نفسه كسلطة أمر واقع على الأقل رغم أنه كان شكلياً مسيطر على المدينة عسكرياً لكن هل كان القرار السياسي والاقتصادي والسيادي بيد الانتقالي كنتيجة طبيعية لسيطرته العسكرية؟ بالتأكيد الإجابة هي: لا، أما تفسير ذلك فيكمن في أن الهدف الحقيقي من صناعة الانتقالي هو فقط تأطير جزء من أبناء الجنوب وتسييرهم إما إلى جبهات القتال ضد بعضهم البعض لإشغالهم عن مطالبهم واستحقاقاتهم الأخرى التي كانوا ينتظرون الحصول عليها بعد انتهاء الحرب ضد قوات صنعاء في مناطقهم، وأبسط مثال على ذلك هو أن الانتقالي بعد أن كان مسيطراً على محافظة شبوة طوال 3 سنوات قبل أغسطس 2019، لم يطاله خير النفط الذي تم استخراجه من هذه المحافظة ولا حتى برميلاً واحداً.