«سقطرى».. كيف تحولت الجزيرة اليمنية لولاية إماراتية تحت وصاية أبوظبي العسكرية؟
الجنوب اليوم | صحافة
نجحت دولة الإمارات في تحقيق نفوذ طاغٍ لها في اليمن عبر إخضاع جزيرة سقطرى اليمنية لنفوذها؛ بفضل التوسع الحكومي الإماراتي داخل الجزيرة عبر بوابة الاستثمارات والأعمال الخيرية. وتحقق للإمارات هذا النفوذ بعدما نجحت في استئجارها لفترة تصل إلى 99 عامًا من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وذلك نتيجة دخول أبوظبي في حرب اليمن.
وتنطلق الأهمية الكُبرى للجزيرة اليمنية، في كون سيطرة الإمارات عليها، يمنحها ميزة استثنائية تتعلق بسيطرتها على كل طرق الملاحة الرئيسية من وإلى شرق العالم، والسيطرة كذلك على جزيرة دييغو غارسيا، التي تبعد ثلاثة آلاف كيلومترات عن الجزيرة اليمنية.
موقع عسكري استراتيجي في حروب الشرق الأوسط
اكتسبت جزيرة سقطرى اليمنية أهميتها بين دول العالم مقصدًا سياحيًّا عالميًّا، يتكون من أربع جزر خلابة، كما أنه أصبح يتبعها إداريًّا مؤخرًا جزر عبد الكوري وسمحط ودرسة. ويبلغ عدد سكان الجزيرة الذين يتحدثون اللغة الحميرية الأصلية 130 ألف شخص، يتوزعون على مساحة تصل إلى 3650 كيلومترًا مربعًا، بأقصى امتداد شرقي غربي لها يبلغ 135 كيلومترًا، وأقصى امتداد شمالي جنوبي لها يبلغ 42 كيلومترًا.
وتتحقق للجزيرة أهمية أخرى من خصوصية موقعها الجغرافي بوصفها موقعًا عسكريًّا استراتيجيًّا مهمًا في حروب الشرق الأوسط؛ فهي تقع في آخر خليج عدن، وتشرف على القرن الإفريقي وغرب المحيط الهندي بالقرب من خطوط التجارة العالمية. ويتحقق للمُسيطر على الجزيرة السيطرة على أهم المضايق المائية في العالم، وهما مضيقا هرمز وباب المندب، وهذا الأخير بدوره يؤثر في الملاحة بقناة السويس.
استراتيجية موقع الجزيرة جعلها مطمَعًا للقوى الغربية في مطلع القرن السادس العشر بسيطرة البرتغاليين، قبل أن تنتقل سيطرتها لبريطانيا في فترة الستينيات خلال احتلال بريطانيا لليمن، وتنتقل بعد ذلك للاتحاد السوفيتي، ويتخذها قاعدة بحرية عسكرية متقدمة، للبوارج والأساطيل حتى أوائل التسعينيات.
مع حلول التسعينيات، بدأت الجزيرة فترة خضوع غير رسمي للجانب الأمريكي؛ فكانت الجزيرة اليمنية محطة رئيسية للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط، فضلًا عن تمركز سفنها العسكرية على شواطئها، واستخدامها في فترة الغزو الأمريكي حيال العراق.
وسعت الولايات المتحدة الأمريكية لاستئجار الجزيرة كقاعدة عسكرية أمريكية لمكافحة القرصنة البحرية، لكن قوبلت الرغبة الأمريكية بالرفض من جانب السلطات اليمنية عام 2010، وتحايلت واشنطن على ذلك بإنشاء سجن بديل لسجن غوانتانامو بالجزيرة اليمنية.
أعلام الإمارات على الجزيرة وحق انتفاع لمدة 99 عامًا
تحقق للإمارات سطوة ونفوذ عسكري على الجزيرة اليمنية منذ دخولها فاعلًا أساسيًا في الحرب اليمنية، من خلال الأعمال التنموية والمساعدات الإنسانية من ناحية، واستقطاب المئات من الشخصيات الاجتماعية فيها، وتخصيص مرتبات للشخصيات الموالية من ناحية أخرى.
وسعت الإمارات لخلق وجود إماراتي داخل الجزيرة اليمنية، كذلك، من خلال زيجات لمواطنين إماراتيين من فتيات سقطرىات بهدف الاستيطان في الجزيرة، فضلًا عن قيامها بتسيير رحلات أسبوعية بين أبوظبي وجزيرة سقطرى اليمنية الواقعة في المحيط الهندي، بواسطة شركة رويال جت للطيران الإماراتية، دون تصريح من الحكومة اليمنية أو اعتبار لها، بعد توقف رحلات الطيران الوطنية إليها منذ بدء الحرب في مارس (آذار) 2015.
ويقع مطار سقطرى المدني تحت إخضاع وإشراف كامل من جانب الإمارات، التي قامت بتسيير الرحلات بين الجزيرة وأبوظبي دون الرجوع للحكومة اليمنية، فضلًا عن تسيير الرحلات دون الخضوع لأي تفتيش أو رقابة من قبل السلطات اليمنية، فضلًا عن منعهم هبوط طائرة عمانية بمطار الجزيرة بدعوى أن الجزيرة أشبه بمنطقة عسكرية.
وتمثل الاهتمام الإماراتي بالجزيرة اليمنية في الزيارات المتعددة لكبار المسؤولين الإماراتيين، ومنهم الشيخ سلطان بن خليفة آل نهيان، مستشار رئيس دولة الإمارات لمرات عديدة، ولقائه بالمسؤولين المحليين داخل الجزيرة، وتنظيم مؤتمرات لهم، ومتابعة المشروعات الإماراتية التنموية.
وتُقدر التقارير أعداد الأسر اليمنية التي غادرت الجزيرة إلى الإمارات بحوالي 15 ألف أسرة سقطرىة تعيش في الإمارات، والآلاف من أبناء الجزيرة يحملون جنسيتها، والتي انتقلت بتسهيلات حكومية إماراتية، في محاولة لإخضاع الجزيرة للأغراض التي تريديها السلطات الإماراتية.
حسب مقالٍ منشور للكاتب اليمني عبد الوهاب الروحاني، فالجزيرة تتعرض لما اعتبره «مشروع ابتلاع جزيرة سقطرى، والتي تضمن حملة تجنيس واستضافات في فنادق أبوظبي ودبي، ورصد مكافآت واعتمادات شهرية بدأت بسماسرة وباعة من الوزن الثقيل».
وأضاف أنّ «المشروع دخل مرحلة خدش السيادة الوطنية للجزيرة.. ليصل القبح منتهاه عندما لم نسمع تصريحًا واحدًا لمسئول يمني يفسر ما يجري على أرض الجزيرة اليمنية التي تحتفظ بأسرار تاريخية كونية وطبيعية نادرة». وأكدت تقارير صحافية نجاح دولة الإمارات في استئجار الجزيرة من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لفترة زمنية تصل إلى 99 عامًا، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما دللت عليه بزيارات الرئيس اليمني للجزيرة، ولقائه مسؤولين إماراتيين داخل الجزيرة. وتضمّن الاتفاق تكفُّل الإمارات بإنشاء مشاريع اقتصادية استثمارية سياحية ملاحية في الجزيرة.
وقد تولت قوات عسكرية تتبع أبوظبي تدريب عدد من سكان الجزيرة يصل عددهم إلى 5 آلاف عنصر بمناطق عسكرية مختلفة أسستها الإمارات، فضلًا عن إرسال نحو ألف شاب من جزيرة سقطرى إلى الإمارات لعدة أشهر لأخذ دورات تدريبية في مجال الأمن؛ تمهيدًا لتوزيعهم على نقاط عسكرية في الأرخبيل.
كما بدأت الإمارات، العام الماضي، بناء قاعدة جوية لها غرب مطار سقطرى، لاستخدامها في الحرب المفتوحة في اليمن، وتحقيق البعد الاستراتيجي لها في أي حرب قادمة بمنطقة الشرق الأوسط. وربط الكثيرون بين استئجار الإمارات الجزيرة وحركة عزل المحافظ السابق للجزيرة سالم باحقيبة، وتنصيب العميد سالم عبدالله عيسى السقطري المقرّب من الإمارات محافظًا بديلًا له، والتي تأتي ضمن ترتيبات الإمارات لهيكلة الأوضاع حسبما ترتئي.
النفوذ الإماراتي الطاغي داخل الجزيرة ينكشف مع رفع المئات من أبناء الجزيرة أعلام دولة الإمارات مع صور أولاد زايد في مهرجان نظمته «المنظمة الوطنية لشباب أرخبيل سقطرى»، العام الماضي، مهللين للاستثمارات الإماراتية داخل الجزيرة. وتعتمد الإمارات على مندوبين لها داخل الجزيرة، منحتهما الصلاحيات والأموال لبسط النفوذ الإماراتي في الجزيرة، وهما خلفان المزروعي رئيس الوفد الإماراتي الزائر إلى سقطرى، والثاني يدعى محمود محمود فتحي علي الخاجه، واللذان يشرفان على كافة المشاريع التنموية، والتوسع العسكري الإماراتي داخل الجزيرة.
وتنكشف صلات المزروعي بالسلطة الإماراتية من خلال متابعة الأخبار التي تنشرها عنه وكالة الإمارات الرسمية، عن مقابلاته مع الوزراء، واستضافته لعدد من المسؤولين في حفلات عشاء ينظمها سنويًّا، فضلًا عن ظهوره الدائم على القنوات الإماراتية الرسمية، بصفته مؤسس مؤسسة خيرية.
الاستثمارات والمشاريع التنموية بوابة هيمنة «بن زايد» في اليمن
تشهد الجزيرة اليمنية، بشكل دوري، زيارات وفود إماراتية عديدة من مؤسسات إماراتية كمؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان، والهلال الأحمر الإماراتي للاطلاع على المشروعات التنموية في مختلف المجالات، وعمل مسح ميداني لعدد من المتطلبات واحتياجات المحافظة في مجال التعليم، والصحة، والطرق، والعديد من المشروعات التنموية المهمة.
وشكلت المشاريع التنموية مدخلًا مهمًا لدولة الإمارات في الجزيرة اليمنية لبسط نفوذها العسكري والاقتصادي بعد ذلك، فهي تعتقد أن المشاريع التنموية للسكان تمنحها قابلية لاستخدام الجزيرة في أي أغراض أخرى. يتأكد هذا الدور الإماراتي عبر تغريدة نشرها مستشار رئيس الحكومة اليمنية لشؤون التنمية، بدر باسلمة، «عن دور إماراتي في إعادة إعمار محافظة أرخبيل جزيرة سقطرى المنكوبة جنوب شرق اليمن، وأن الجزيرة وأبناءها سيكونون أمام مستقبل واعد وعمل جبار تقوم به هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ومؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية».
وساهمت الإمارات في تعزيز نفوذها بالتوسع في المشاريع التنموية كبناء مستشفى خليفة بن زايد في الجزيرة اليمنية، ويضم العديد من الأجهزة والمعدات الطبية المتطورة، وتزويده بمبنى للعيادات الخارجية وآخر لإدارة المستشفى، فضلًا عن توفير أطباء متخصصين في العظام والتخدير والأسنان، وكذلك توفير أربع سيارات إسعاف مع سائقيها وسيارات خاصة بالمستشفى.
وشملت قائمة المشاريع التنموية كذلك مشاريع لتخزين المياه في مناطق متفرقة بالجزيرة، وإنشاء مصنع للثلج، وتوفير مواد غذائية بقيمة 500 مليون درهم إماراتي، وتوزيعها بشكل مباشر على المحتاجين في كل مناطق اليمن، ومن ضمنها جزيرة سقطرى، ومشروع الحقيبة المدرسية، والتي ستوزع على الطلاب والطالبات في مدارس الجزيرة.
وامتدت السيطرة الإماراتية إلى تأسيس شركة اتصالات إماراتية في سقطرى، وتأسيس مصنع للأسماك تحت إشراف الإماراتي خلفان المزروعي أبو مبارك، وتأسيس مدينتين للأيتام، وتخصيص مساعدات شهرية للأسر الفقيرة، فضلًا عن اعتماد رئيس دولة الإمارات مندوبًا خاصًا في الجزيرة من أبنائها.