كيف انتهز طارق عفاش الفرصة ليقدم نفسه أداة التحالف الأمريكي على الأرض ضد الحوثيين لحماية إسرائيل؟ (تقرير)
الجنوب اليوم | تقرير
لم يعد التعاطف الذي يبديه المجلس القيادي الذي شكلته السعودية كسلطة بديلة عن عبدربه منصور هادي، برئاسة رشاد العليمي، مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وما يتعرض له الكيان من حصار بحري خنقه وأربكه وتسبب له بخسائر اقتصادية فادحة يعاني منها الأمرّين، لم يعد هذا التعاطف من العليمي ونوابه السبعة خافياً على أحد.
أبرز نوّاب العليمي السبعة الذين يسعون بشكل حثيث لتقديم أنفسهم بما لديهم من مقاتلين مدعومين من التحالف السعودي الإماراتي، كحماة للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، هو العميد طارق صالح قائد قوات المقاومة المشكلة من الإمارات والتي يتمركز تواجدها في مدينة المخا جنوب الساحل الغربي بالقرب من باب المندب، لدرجة أنه وصل الحال بطارق عفاش وإلى جانبه أيضاً عيدروس الزبيدي لاستجداء الغرب بقيادة أمريكا من أجل الموافقة على ضمهم إلى جملة المدافعين عن كيان الاحتلال الصهيوني والمتصدين للهجمات التي تشنها قوات صنعاء بقيادة أنصار الله الحوثيين على الملاحة الإسرائيلية نصرة لغزة وأبنائها المحاصرين.
على سبيل المثال، صرّح طارق صالح في لقاءات بقياداته العسكرية في المخا منذ اليوم الأول لبدء صنعاء عملياتها ضد الملاحة الإسرائيلية، صرّح بأن هذه العمليات “قرصنة” و”أعمال إرهابية” و”تستهدف الملاحة الدولية” و”تهدد الأمن والاستقرار والتجارة العالمية”، هذه التعليقات الصادرة على لسان طارق صالح جاءت بعد يوم واحد على قيام قوات صنعاء بقيادة الحوثيين بالاستيلاء على السفينة الإسرائيلية “جلاكسي ليدر”.
وقال طارق إن عدم تمكينه من قبل المجتمع الدولي، حسب تعبيره، وهو يقصد أمريكا وبريطانيا، من السيطرة على الحديدة كان السبب في أن من أسماهم طارق عفاش بـ”مليشيات الحوثي الإرهابية” يقومون بـ”مهاجمة الملاحة الدولية والقرصنة على السفن ومنها جلاكسي ليدر”، وتلك كانت أول إشارة من طارق عفاش يطلقها للأمريكيين والإسرائيليين باستعداده حماية سفن كيان الاحتلال إن منحوه المال والسلاح والضوء الأخضر.
هناك آخرين صرحوا وألمحوا للغرب بأنهم على استعداد المساهمة في منع قوات الحوثيين في مهاجمة السفن الإسرائيلية، إلا أن لا أمريكا ولا بريطانيا البلدان المتصدران حماية كيان الاحتلال الإسرائيلي من الهجمات اليمنية التي تطلقها قوات صنعاء، تجاوبا مع استجداءات العليمي ونوابه ومسؤوليه، حيث اعتبرت واشنطن أنها بعملياتها العسكرية بالقصف من الجو ومن البحر على مواقع قوات أنصار الله “الحوثيين” ستجبرهم على وقف هجماتهم ضد سفن كيان الاحتلال، إلا أن الأمريكان وقبل يومين من الآن صرحوا معترفين أن سبب عدم قدرتهم على منع استمرار هذه الهجمات هو عدم وجود معلومات استخبارية صحيحة عن القدرات العسكرية الحقيقية لقوات أنصار الله الحوثيين.
وعندما بدأت النقاشات في البيت الأبيض والكونجرس تتصاعد بشأن فشل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في ردع هجمات أنصار الله الحوثيين، رفعت مقترحات للكونجرس بأن على البيت الأبيض استخدام الأسلوب التقليدي وهو التدخل العسكري المباشر على الأرض وليس فقط الاكتفاء بالقصف من الجو ومن البحر على أهداف للحوثيين قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وذلك المقترح في الأساس كان قد طالب به رشاد العليمي بنفسه في لقاء على قناة الحدث السعودية، قبل فترة وجيزة، حيث قال إن القصف من الجو ومن البحر لا يكفي لردع من أسماهم “مليشيات الحوثي” ومنعها من مواصلة حظر الملاحة الإسرائيلية التي وصفها العليمي بـ”تهديد الملاحة الدولية والتجارة العالمية”، لكن الأمريكيين يعرفون ما معنى التدخل البري المباشر في اليمن ولهذا لم تجد هذه الفكرة رواجاً في إدارة بايدن لتتجه بعدها الأنظار نحو تفعيل الأدوات المحلية المتحالفة مع الولايات المتحدة.
في هذه اللحظة أدرك طارق صالح بأنه قد يكون الأجدر في نيل ثقة الأمريكيين والبريطانيين، فسارع لحركة بسيطة قام بها، وهي تكليف فريق من خفر السواحل على متن قارب صغير ومعهم مصور يعمل في قناة “الجمهورية” التي كانت سابقاً “الغد المشرق” وأنشأتها الإمارات لمصلحة المجلس الانتقالي ثم سحبتها من الانتقالي وسلمتها لطارق عفاش رغم أنها تدار من الإمارات، هذا الفريق قام برحلة لموقع السفينة البريطانية روبيمار التي غرقت قبالة المخا بعد عدة أيام من استهدافها من قبل القوات التابعة لصنعاء، وقبل غرق السفينة قام الفريق بالتقاط صور فوتوغرافية وفيديوهات للسفينة وقد أوشكت على الغرق أكثر، وكانت حينها صوراً حصرية وحديثة للسفينة التي تجرفها تيارات البحر تدريجياً ولا يعرف موقعها على رادارات تتبع حركة الملاحة بسبب انطفاء أجهزة السفينة بالكامل ولا يمكن التقاط موقع السفينة سوى عبر البحث عنها عبر الأقمار الصناعية من الفضاء.
تلك الخطوة كانت بمثابة بداية الخطوات العملية على أرض الواقع، حيث استطاع طارق عفاش بهذه الحركة لفت أنظار الأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين إليه بكونه أكثر طرف يمكنه تقديم خدمة عسكرية للأمريكيين والبريطانيين والإسرائيليين ضد أنصار الله الحوثيين.
بعدها بأيام قليلة جداً انطلق عفاش إلى لندن وهناك التقى مسؤولين بريطانيين ناقش معهم أزمة البحر الأحمر، ولم تعترف وسائل إعلام حكومة التحالف السعودي الرسمية بحقيقة وسبب زيارة طارق عفاش، إلا أن الحقائق تكشفت عن طريق الصحافة البريطانية وعلى رأسها صحيفة الإندبندنت التي كشفت كواليس زيارة طارق التي تبين أنها تهدف لهندسة اتفاق تعمل خلاله قوات طارق صالح كمجندين تابعين لوزارة الدفاع البريطانية والعمل براً على تنفيذ تحركات عسكرية ضد قوات أنصار الله الحوثيين في محاولة جديدة لردعهم عن مواصلة حظرهم عبور الملاحة الإسرائيلية من باب المندب.
هناك في بريطانيا أجرى المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”، لقاءاً مصوراً مع طارق عفاش، وخلال اللقاء أكد الرجل على كل ما سبق وأقر به منذ اليوم الأول لعمليات القوات اليمنية التابعة لصنعاء ضد الملاحة الإسرائيلية، إذ لم يعتبر أن ما قامت به صنعاء مساندة للشعب الفلسطيني وحاول التقليل من أهمية فرض الحصار على كيان الاحتلال والتشكيك بأن هذه العمليات تؤثر على وضع الكيان على المستوى الاقتصادي، الأثر من ذلك أنه حاول التأكيد على اتفاق استوكهولم بشأن وقف الأعمال العسكرية بين التحالف وصنعاء في الحديدة كان المعرقل لسيطرة التحالف على الحديدة التي يقول طارق عفاش إنها منطلق هجمات أنصار الله الحوثيين ضد الملاحة الإسرائيلية الآن، وبالتالي فإن المطلوب حالياً – من وجهة نظر طارق – إلغاء اتفاق استوكهولم ومنحه السلاح والمال لاستئناف الحرب ضد صنعاء لمنعها من مواصلة حظر الملاحة الإسرائيلية من البحر الأحمر، وإن لم يقل طارق ذلك حرفياً خوفاً من ردة فعل مقاتليه في الساحل الغربي الذين بدأوا بالانشقاقات واحداً تلو الآخر والاصطفاف مع صنعاء، إلا أن كل حديث طارق عفاش وتلميحاته أصبحت واضحة وجلية بأن جاهز للقتال ضد قوات الحوثيين حماية لكيان الاحتلال الإسرائيلي ومساهمة في رفع الحصار عن الكيان من البحر الأحمر.