تحليل.. ماذا بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل؟
الجنوب اليوم | تحليل
هذه نبذة تحليلات مستوحاة من أبرز ما طرحه محللون سياسيون عرب وغربيون، رصدها “الجنوب اليوم” ويعيد صياغتها ونشرها بقلم المحرر السياسي، تتحدث عن ماذا سيعقب الضربة الإيرانية على كيان الاحتلال الإسرائيلي.
في البداية نورد، بعضاً من المعلومات المؤكدة بالأرقام النهائية عن حجم الهجوم وعدد الأسلحة المستخدمة وأنواعها:
أولاً: المعلومات المتوفرة (شبه المؤكدة) تتحدث عن 331 طائرة مسيرة وصاروخ باليستي وكروز أطلقت من مسافة تتجاوز الـ1700 كيلو متر، وهذه سابقة في تاريخ الصراع الإيراني الإسرائيلي.
ثانياً: لولا الدخول العسكري لأربع دول من حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصد المسيرات والصواريخ لكان القسم الأكبر منها وصل إلى أهدافه داخل كيان الاحتلال.
ثالثاً: كشف الهجوم ضعف ما تسمى القبة الحديدة والنظام الدفاعي الصاروخي الإسرائيلي وعدم قدرته على مجاراة أي هجوم إيراني.
رابعاً: من ضمن ما نجم عنه هذا الهجوم، تدمير القاعدة العسكرية الإسرائيلية التي انطلق منها الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق والذي جاء الهجوم الإيراني على إسرائيل للرد عليه أساساً، وقد اعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بأن القاعدة تضررت من دون كشف مزيد من التفاصيل إلا أن الإعلام الإسرائيلي لم يستطع إخفاء بعض ما حصل عليه من معلومات من مسؤولين عسكريين في جيش الاحتلال والذين أقروا أن الهجوم الصاروخي الباليستي دمر القاعدة بشكل كبير.
خامساً: باعتراف إسرائيل ذاتها، كلف التصدي لما تم التصدي له من طائرات مسيرة وصواريخ باليستية ومجنحة، كلف إسرائيل فقط مليار ونصف المليار دولار خلافاً لتكلفة الصواريخ الاعتراضية والصواريخ الجو – جو وتشغيل وإقلاع الطائرات المقاتلة الأمريكية التي جابت سماء الأردن وسوريا طوال الليلة الماضية وهي تحاول اصطياد وقصف الطائرات المسيرة أو إسقاط الصواريخ الباليسية قبل وصولها إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي.
نأتي الآن إلى مناقشة عنوان هذا التحليل: ماذا بعد الضربة الإيرانية على إسرائيل؟، يقول المحلل السياسي اللبناني، سامي كليب، إن ما حدث من قبل إيران لا هو مسرحية كما يقول مناهضوا إيران، ولا هو زلزال كما يقول مؤيدوها، بل هو انتقال من مرحلة الصبر الاستراتيجي إلى الرد برسالة عسكرية استراتيجية ولكن أيضاً منضبطة.
أما إيران فكانت واضحة منذ البداية وأثناء الضربة وحتى بعدها أيضاً، بإصدار توضيحات بررت سبب الضربة وحجمها وقدمت ما يثبت من القوانين والتشريعات الدولية ما يشرعن لها تنفيذ هذا الهجوم الواسع والأول من نوعه منذ بدء الصراع الإيراني الإسرائيلي الذي بدأ بسقوط نظام الشاه بعد الثورة لإيرانية عام 79م، حيث صرحت طهران اليوم أن هجومها كان محدوداً ودفعياً وينطلق من المادة الـ51 من ميثاق الأمم المتحدة وقالت إن عمليتها قد انتهت، لكن الرد سيكون أقسى لو حاولت إسرائيل مجدداً استهداف الأراضي الإيرانية.
محللون غربيون لم يترددوا في أن يشيروا إلى أن الرد الإيراني يحتوي على رسائل سياسية أكثر وأهم من الرسالة العسكرية ولعل أبرزها ما يلي:
أولاً: أرادت إيران الرد على من يتهمها بأنها تقاتل بحلفائها.
ثانياً: أنها رسمت خطاً أحمر أمام كيان الاحتلال وداعميه من القوى الغربية بقيادة أمريكا، وهو أن ما كانت تصبر عليه إيران سابقاً قد توقف، الأمر الذي يعني أنه من الآن وصاعداً على كيان الاحتلال الإسرائيلي انتظار الرد العسكري المباشر من إيران في حال جددت إسرائيل اعتداءاتها على المصالح الإيرانية.
ثالثاً: أوصلت إيران رسالة أنها قادرة عسكرياً على فعل وإحداث تدمير كبير جداً في كيان الاحتلال الإسرائيلي أو المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة، إلا أنها اختارت أن تشن هجوماً بالقدر الذي يوصل الرسائل التي تريد إيران إرسالها سواءً لأمريكا أو لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وقد وصلت بالفعل، حيث أظهرت إيران أنها لم تشأ من خلال هذا الهجوم أن تنزلق الأمور إلى حرب أوسع.
ماذا بعد؟
بدأت إيران بعد هذه الضربة في اليوم الثاني مباشرة بالخطوات والخطاب الدبلوماسي بدءاً بإصدار البيان الثاني بعد الضربة والذي تضمن التعريف بالهجوم وسببه وتقديم مبرراته وإيضاح مشروعيته بناءً على مواثيق القوانين الدولية المتفق عليها بين مختلف دول العالم والمنصوص عليها في مواثيق الأمم المتحدة، ومن ثم إرسال الإشارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن المرحلة الآن هي مرحلة تفاوض ودبلوماسية بين إيران والبيت الأبيض خلال ما تبقى من فترة رئاسية للرئيس الأمريكي جو بايدن.
وهنا يرى المحللون الغربيون أن إيران كانت ذكية في اختيار لحظة إيقاف الهجوم والإعلان للعالم بتصريحات رسمية بأن الرد الإيراني العسكري على الهجوم الإسرائيلي العدواني على قنصليتها في دمشق قد انتهى الأمر الذي سيجعل إسرائيل متهمة بزعزعة الاستقرار والأمن الدوليين في حال عاودت الهجوم ضد إيران فما قامت به إيران هو رد فعل لما قامت به ابتداءً وأولاً إسرائيل من اعتداء على سيادة أرض ومصالح إيرانية مشروعة أدت لمقتل مسؤولين إيرانيين دبلوماسيين.
ماذا بالنسبة لكيان الاحتلال الإسرائيلي؟
بعض المحللين السياسيين العرب زعموا أن إسرائيل ستستغل هذه الضربة من أجل تحويل أنظار الرأي العام العالمي من غزة إلى إيران، ومن هنا ذهب الإعلام العربي الإلكتروني والتلفزيوني المتحالف مع كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال هذه الحقيقة المتوقعة أساساً، والبناء عليها من أجل التشويش على الرأي العام العربي على الضربة الإيرانية، من خلال التقليل من شأنها أو التشكيك فيها كما ذهب البعض من كبار الإعلاميين العرب العدائيين ضد إيران بوصفهم أن ما حدث مسرحية، أو شن الهجوم على إيران واتهامها بأنها أخطأت حين ردت على إسرائيل لأن ردها سيحرف أنظار العالم عن غزة على الرغم من أن غزة لم يلتفت إليها أحد لا من الدول العربية ولا الدول الغربية ولم ينظر لغزة سوى المحور العربي والدولي المتحالف مع إيران ضمن ما يسمى (محور القدس) والذي يضم إيران واليمن وسوريا كدول والعراق ولبنان وفلسطين كمكونات مؤثرة وقوية عسكرياً تتمثل بالحشد الشعبي وحزب الله والمقاومة الفلسطينية بمختلف أطيافها وفصائلها.
أما الأمر الآخر الذي يمكن اعتباره إيجابياً بالنسبة لكيان الاحتلال من هذه الضربة التي كانت ضرورية جداً من أجل وضع حد للعربدة الصهيونية في المنطقة العربية، هو أن إسرائيل استعادت تعاطف بعض الدول الغربية الكبرى التي كانت قد بدأت تحيد عن إسرائيل (على الأقل إعلامياً) بسبب تزايد الجرائم المرتكبة من قبل جيش الاحتلال بحق المدنيين في قطاع غزة مثل فرنسا التي كانت قد حاولت النأي بنفسها عن المواصلة في الدفاع عن كيان الاحتلال ودعمه ثم عاودت مساندته منذ بدء الهجوم الإيراني من خلال مشاركتها مع الأمريكيين والبريطانيين في التصدي للهجمات الإيرانية.
ماذا ستفعل إسرائيل بعد الضربة الإيرانية؟
هناك احتمالان – وفق ما يجمع عليه أبرز المحللين السياسيين من العرب والغربيين – بشأن ما الذي ستفعله إسرائيل الآن بعد الضربة الإيرانية القوية، ويتمثل الاحتمالان فيما يلي:
أولاً: إما أن ترد على الرد الإيراني وبالتالي تدفع هي نحو توسيع الحرب، وهذا ما يريده جناح رئيس الوزراء الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وبعض أعضاء حكومته من المتطرفين مثل بن غفير وسموتريتش.
ثانياً: أن يبلع كيان الاحتلال الضربة الإيرانية وتتجه نحو معركة دبلوماسية، من المحتمل أن يقودها وزير الخارجية الإسرائيلي والذي بدأ بالمطالبة بفرض المزيد من العقوبات على إيران ووضع الحرس الثوري الإيراني على لوائح الإرهاب عند كل الدول الغربية وليس فقط عند أمريكا وحدها، والحصول على مساعدات عسكرية ومالية من الدول الغربية لإسرائيل بشكل أكبر مما كان عليه سابقاً وأيضاً دفع بعض الدول التي كانت قد قررت وقف تصدير السلاح لإسرائيل إلى التراجع عن هذه الخطوة.
بالنسبة للدول الغربية أبرزها (أمريكا وبريطانيا وفرنسا)
وفق ما هو واضح حتى الآن فإن هذا التكتل يميل بقوة بل ويدفع بكل الوسائل نحو توجيه كيان الاحتلال الإسرائيلي للخوض في المسار أو الاحتمال الثاني، والذي يتضمن ابتلاع إسرائيل للضربة ومحاولة الرد عليها من خلال التحركات الدبلوماسية وفرض العقوبات بمقابل استمرار دعم إسرائيل غربياً بالسلاح والمال، لكن أمريكا تحديداً والقيادة العميقة لإسرائيل تريدان توسيع هذا الخيار ليشمل أيضاً “استمرار إسرائيل في الهجمات على القواعد الإيرانية في سوريا والعراق والهجمات السيبرانية”.
وفي هذا الخصوص أيضاً بدا من الواضح من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن بأن إسرائيل بقيادة نتنياهو أرادت توريط واشنطن أكثر في الحرب بما يدفع نحو وضع أمريكا في مواجهة مباشرة مع إيران، إلا أن بايدن لجم نتنياهو من البداية لأن توريط واشنطن أكثر يعني توسيع الحرب أكثر مع احتمالية دخول أطراف دوليين على خط المواجهة وواشنطن حالياً هي أبعد ما يكون عن رغبتها في خوض حرب قطعاً ستكون فاشلة، فهي لم تتمكن من ردع اليمن الذي لا يزال يفرض حصاراً بحرياً على كيان الاحتلال الإسرائيلي وهو البلد المحاصر منذ 9 سنوات ويخوض حربها ضد تحالف تقوده الولايات المتحدة في حقيقة الأمر، فكيف لها أن تخوض مواجهات جديدة مع إيران الأكثر قوة، ثم إن إيران قد ستبقت الرد على توجه أمريكا إلى هذا السيناريو بخطوة استباقية ذكية قبل بدء الهجوم العسكري على إسرائيل وذلك من خلال استيلاء البحرية الإيرانية على سفينة إسرائيلية في مضيق هرمز حيث يؤكد المحللون السياسيون الغربيون قبل العرب أن هذه الحركة الإيرانية هدفها إيصال رسالة لأمريكا أن أي تصعيد من جانب واشنطن سيدفع إيران إلى قطع إمدادات الطاقة التي تمر عبر مضيق هرمز والتي تخرج من دول الخليج، ثم إن واشنطن ليست بهذا الغباء حتى تستجيب لإسرائيل وتذهب إلى حرب وهي على وشك انتخابات رئاسية.
استخدام مجلس الأمن ضد إيران أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلاً
يرى محللون سياسيون أيضاً أن هناك إشارات واضحة تدل على أن لجوء إسرائيل وأمريكا إلى مجلس الأمن الذي هو أداة بأيديهم أساساً لإيذاء إيران بقرارات أو عقوبات هو أمر مستبعد إن لم يكن مستحيلاً.
ولعل من أبرز هذه الإشارات هي التصريحات الروسية الرسمية والتي رفضت إدانة الهجوم الإيراني على إسرائيل، حيث رد الكرملين على السفيرة الإسرائيلية في موسكو بعبارات مثل: “إن إسرائيل لم تشجب أي هجوم أوكراني على روسيا”، وهذا الرد الروسي الواضح والموجع لإسرائيل يكشف ويعطي مؤشراً قوياً بأن روسيا والصين أو على الأقل روسيا كحد أدنى ستفشلان أي قرار ضد إيران في مجلس الأمن.