تحركات سياسية في اليمن تجري في هدوء بين صنعاء والرياض لإغلاق ملف الحرب
الجنوب اليوم | تقرير
تشهد اليمن حراكاً سياسياً تحت الطاولة، خاصة بين صنعاء والرياض لإغلاق ملف الحرب على اليمن التي دامت 8 سنوات وحصار من قبل التحالف السعودي لـ10 سنوات لا يزال قائماً حتى الآن.
وتدفع السعودية نحو تهيئة الأرضية لدى الموالين لها في حكومة التحالف السعودي وإخضاعهم للقبول بأي اتفاق تتوصل إليه الرياض مع صنعاء، إلا أن عدم رغبة بعض الأطراف في حكومة التحالف إنهاء الحرب وإبقاء الوضع على حاله كونها مستفيدة من وضع كهذا خاصة أولئك المستثمرين أموال الشعب اليمني في استثمارات خاصة في الخارج، تدفعها إلى اختلاق العراقيل والمعيقات لإفشال أي اتفاق بين صنعاء والرياض، ومن ذلك على سبيل المثال قرار إدارة مركزي عدن بنقل كافة البنوك التجارية اليمنية لمقراتها الرئيسية إلى عدن بدلاً من صنعاء في خطوة وصفها سياسيون في صنعاء أنها إفلاس واضح وتعبير عن عجز الأطراف المحلية التابعة للتحالف السعودي عن رفع رأسها أمام الرياض والاعتراض علناً على أي اتفاق بين صنعاء والرياض، وأنها وفي مقابل هذا العجز لا تجد أمامها سوى استحداث قرارات تعرقل ما قد تم الاتفاق عليه بين صنعاء والرياض.
في هذا السياق دفع المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ بفريقه الخاص بالشأن الاقتصادي برئاسة مستشاره الاقتصادي ديرك جان، إلى عدن، وهناك التقى جان وفريقه مع وزير النفط والمعادن في حكومة بن مبارك، سعيد الشماسي، وهذا اللقاء جاء بالتزامن أيضاً مع لقاء المبعوث الأممي ذاته مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، في العاصمة السعودية الرياض، ورغم عدم كشف تفاصيل عن هذا اللقاء إلا أن أبرز ما نقلته وسائل الإعلام السعودية الرسمية هو أن النقاش تمحور حول خطوات تطبيق خارطة الطريق للحل السياسي في اليمن وإنهاء الحرب.
وبالعودة للتحركات في الداخل اليمني، تؤكد مصادر خاصة لـ”الجنوب اليوم” أن اللقاء بين الشماسي ومستشار المبعوث الأممي، جاء بهدف وضع ترتيبات لإغلاق ملف أزمة تصدير النفط في اليمن المتوقفة منذ أكتوبر 2022 بعد قرار صنعاء منع استمرار تصدير النفط اليمني بسبب مماطلة التحالف السعودي في المضي قدماً نحو استكمال الاتفاق لإنهاء الحرب على اليمن بعد أن أمهلت صنعاء الرياض 6 أشهر متتالية من بعد التوقيع على أول هدنة لوقف إطلاق النار بين صنعاء والرياض نهاية مارس من العام ذاته، حيث كان التحالف السعودي هو المتحكم بتصدير النفط اليمني من المناطق الخاضعة لسيطرته جنوب وشرق اليمن وتوريد عائدات النفط اليمني المباع إلى خزينة البنك الأهلي السعودي حيث ظل الوضع على هذا الحال منذ منتصف العام 2016 حتى أكتوبر 2022.
المصادر أكدت أن الشماسي حاول الهروب من إعطاء مستشار المبعوث الأممي للشؤون الاقتصادي (جان) موافقات على ما طرحه المستشار جان بشأن ملف استئناف تصدير النفط، حيث ذهب الشماسي إلى شن هجوم ضد حركة أنصار الله (الحوثيين) واتهمها بأنها “جماعة إرهابية تشن هجمات إرهابية ضد السفن التجارية وتهدد أمن الملاحة الدولية”، بحسب ما نشرته وكالة سبأ الرسمية التابعة لحكومة التحالف والتي تبث من الرياض، والتي لم تنشر في خبر اللقاء أي تفاصيل حول ما دار بين المستشار الأممي والشماسي بشأن ملف استئناف تصدير النفط بحسب ما قد تم الاتفاق عليه مسبقاً بين صنعاء والرياض في لقاءات القنوات الخلفية غير المعلنة التي شهدها الجانبان خلال الأشهر الماضية.
مراقبون اعتبروا تصريحات الشماسي بأنها محاولة للفت أنظار الأمريكيين إلى وضع المسؤولين بحكومة التحالف الذين يرون أن أي اتفاق بين صنعاء والرياض سيطيح بهم من مناصبهم ويفقدهم مصالحهم التي يستفيدون منها مع استمرار الوضع في اليمن على حاله، ولهذا لا يجد مسؤولو حكومة التحالف طريقة لإبقاء الأمريكان متمسكين بهم سوى إبداء الولاء لواشنطن والتعبير عن ذلك من خلال إبداء التعاطف مع كيان الاحتلال الإسرائيلي ومهاجمة صنعاء وموقفها العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي ليتسق بذلك هذا الخطاب لمسؤولي حكومة التحالف مع الخطاب الأمريكي المعادي لصنعاء لنفس السبب وليبدوا مسؤولوا حكومة التحالف وكأنهم في خندق واحد مع الأمريكيين فيما يتعلق بكيان الاحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن مسؤولي حكومة التحالف استشعروا الخطر أكثر على وضعهم بعد أن تكشفت الأنباء مؤخراً وعبر الإعلام الأوروبي والأمريكي عن الإغراءات التي قدمتها واشنطن لصنعاء مقابل وقف حصارها للملاحة الإسرائيلية من العبور من مضيق باب المندب، والتي كان من بين هذه الإغراءات الاعتراف بسلطة صنعاء كممثل شرعي لليمن ورفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة ودفع المرتبات للموظفين إلا أن صنعاء وحسب ما كشفه الصحفي الغربي بيتر رودجرز في تقرير له في افتتاحية مجلة “أوراسيا ريفيو”، رفضت كل تلك الإغراءات التي قدمتها واشنطن عبر وساطة عمانية، وتمسكت بموقفها في استمرار حصار كيان الاحتلال الإسرائيلي ورفض التراجع عن هذا القرار إلا بتنفيذ شروطها المتمثلة بوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني في القطاع.
التحرك السياسي لإغلاق ملف الحرب في اليمن، لم يشمل الجانب الاقتصادي فقط، بل شمل أيضاً الجانب العسكري، وهذا ما يتضح من خلال لقاء قائد قوات التحالف في عدن بوزير الدفاع في حكومة التحالف، الأمر الذي يعني أن هناك خطوات عسكرية أيضاً قد تم الاتفاق عليها بين صنعاء والرياض وأن الأخيرة تقوم بوضع ترتيبات في جنوب اليمن بموجب ما تم الاتفاق عليه مع صنعاء، حيث أن الرياض ملزمة أمام صنعاء بتنفيذ كل الإجراءات والترتيبات وإلزام الأطراف اليمنية الأخرى التابعة والمحسوبة على التحالف السعودي الإماراتي، بكل الخطوات والنقاط التي تم الاتفاق عليها بين الرياض وصنعاء فيما يخص الجانب العسكري.
ويبدو من خلال اللقاء أن السعودية تحاول إضفاء أهمية واحترام على القيادات اليمنية قبيل انسحابها من اليمن ولدفعها أيضاً للقبول بما تم الاتفاق عليه بينها وبين صنعاء، ولهذا كان لافتاً في هذا اللقاء أن قائد قوات التحالف هو من ذهب إلى وزير الدفاع بحكومة بن مبارك وليس العكس، حيث جرت العادة منذ بداية الحرب أن يقوم القادة العسكريون السعوديون أو الإماراتيون باستدعاء القادة العسكريين اليمنيين إليهم في مقر قيادة قوات التحالف في البريقة في عدن.
كما كان من اللافت اختفاء الأعلام السعودية والإماراتية من خلف وزير الدفاع بحكومة بن مبارك والاكتفاء برفع العلم اليمني، وذلك خلافاً للقاءات السابقة خلال الـ10 الأعوام الماضية التي كان يتم فيها رفع الأعلام السعودية والإماراتية إلى جانب العلم اليمني خلف المسؤولين اليمنيين أنفسهم، بينما في هذا اللقاء تغير الوضع وهي حركة توحي بمنح الثقة لدى المسؤولين اليمنيين الموالين للتحالف للمضي قدماً في الاتفاق مع صنعاء.