حميدان يكتب .. حالة الصدمة التي نعيشها
الجنوب اليوم | مقال
احمد ناصر حميدان
نعيش حالة من الصدمة، في واقع مثخن بالرداءة وهي تحاول قتل كل شيء فينا، حتى ادواتنا في التحليل لم تسعفنا، على توصيف هذا الواقع السياسي الذي اضحينا نعيشه بلا بوصلة، ولا استراتيجية تنقذنا من التيه ومن المسارات الاكثر ايلاما.
رداءة فرضتها الحرب، وتدخل العالم المنافق، وظف ادوات الجهل والتخلف والعصبية، عسكر القبيلة والمذهب، فكان العنف الذي دجن حواسنا ونوم وعينا النقدي في حواضن جمعتها النعرات ومزقتها المصالح، وها نحن شهود على ما يشبه الدراما الحزينة لوطن فقد كل شيء ومواطن يصارع رمق الحياة.
مأساتنا اليوم هو ضجيج من الاصوات تنتجها الادوات الرثة، واعمالها التي تلطخ حياتنا، وتحاول ان تغرقنا في مستنقع الخنازير، مستنقع يستمتعون فيه ونحن نتلطخ بقذارته، حيث تراجع القيم والاخلاقيات والانغلاق على الهويات المتوحشة ( دينية وعرقية واثنية) حتى اصبحنا غرباء عن ذواتنا، بعد ان تطفل على حياتنا المنتفعين والجهلة والمتخلفين فافسدوها، و يفسدون كل مشروع وطني، وكل مكون سياسي او مدني، هو افساد لمستقبل امة، وللمال القدرة على شراء النفوس الضعيفة، قدرة بناء اعمدة سياسية واقتصادية، ثقافية واعلامية، عابرة للقارات تسطح الوعي، وتحرض وتحشد، وتوجه ادوات القتل ،حتى صار الميول للشواذ باستهواء الفضائح، التي تمرر في اجواء مفخخة بالكراهية والنعرات ، فتسيد الصلح القبلي على النظام والقانون، و زوار الفجر والاوجه المقنعة، والسلاح بيد من لا يرحم ولا يترك للرحمة الله تحل على العباد.
كنا جزا من الكوميديا السوداء، ونعيب على نقادها، بل نكفرهم ونتهمهم، برغم معرفتنا في ظروف النشاة والبيئة التي تخلقت فيها ادوات العمل، كنا نعيش حالة انفصام بين الانسان المدرك للقيم والاخلاقيات وبين الحيوان الذي تم ترويضه للعيش في مزرعة الاسياد ، حيث تكثر فيها الاسواط والمسالخ، كلا يتحسس راسه، وسقطت الكثير من الرؤوس وحفظت ملفاتها ضد مجهول، ويقول المثل العدني( الهربه سنة والمسكة يوم)، كان راسا ليس كما تلك الرؤوس، راسا قبليا احبه الناس، فتسبب في غضبهم، فكانت الصحوة، صحوة ما زالت في طورها القبلي، القابل للتفاوض والصلح، قوتها اذا ما صارت صحوة مجتمعية جماهيرية مدنية، صحوة تستعيد النظام والقانون، وترسي العدالة ، وتحرر ادواتها لتحمي الضعفاء وتنصف المظلومين ، وتحفظ للوطن سيادته والمواطن كرامته.
صحوة تكشف خبايا الاجرام، وكشفت عن الاوجه المقنعة، ونحتاج ان نكشف عن ادوات التحريض فهي الاخطر، دعاة الكراهية والفرقة وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، وهي السم الزعاف الذي يقتل اجمل ما في المجتمع والوطن.
لا معنى لمشروع لا ينتصر للإنسان، ولا تعلو فيه القيم والاخلاقيات ، لإرساء العدالة، دون ذلك مجرد مشروع استبدادي كهنوتي ، مهما حاول ان يوصف لنا الفضاء على انه جنة السماء، ليخفف علينا لهيب الحر و يلهينا عن غياب الخدمات والراتب والمعيشة والضنك.
متى سيجمعنا وطن، وتجمعنا قيم واخلاقيات، ونتحرر من عبادة الاصنام وتمجيد الافراد، ونعرف اننا سواسيه امام النظام والقانون، وان المسؤول موظف محكوم بنظم وقوانين، ان اخل فيها يتعرض للمساءلة والمحاسبة، وان صلح الراس تعافى البدن، والله يسدد خطانا ويهدي من ظل منا، ويصلح حالنا ليصالح حال الوطن وحال المجتمع والانسان كأغلى واثمن ما نتملكه اليوم.