قضية عشال تتحول إلى ثورة.. الانتقالي يفقد السيطرة (تقرير)
الجنوب اليوم | تقرير
أثارت قضية اختطاف المقدم علي عشال جدلاً التوتر في المحافظات الجنوبية بين القبائل والمجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات.
ومما تكشفه قضية اختطاف عشال، أن العمل بدافع العنصرية المناطقية كأسلوب حركي للمجلس الانتقالي الجنوبي لا يزال هو السائد في المحافظات الجنوبية، الأمر الذي يكشف أن استراتيجية الإمارات في إذكاء الصراع المناطقي جنوب اليمن لا تزال تعمل بوتيرة عالية،
لماذا إذكاء الصراع المناطقي؟
عرف الجنوب الصراع المناطقي منذ عهد الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن حيث اعتمد البريطانيون هذه الاستراتيجية لإبقاء قبائل جنوب اليمن في صراعات بينية وهو ما يجعلها منشغلة عن التفكير في طرد الاستعمار البريطاني وتحرير أرضها من الاستعمار، وعلى ذات المنوال تسير الإمارات في تنفيذ هذه الاستراتيجية جنوب اليمن لضمان عدم قيام قبائل الجنوب بثورة ضد سيطرتها على الجنوب سواء بشكل مباشر أو عن طريق المجلس الانتقالي الجنوبي منذ دخولها عدن منتصف 2015 حتى هذه اللحظة.
وتتسم استراتيجية خلق الصراعات المناطقية بالديمومة والاستمرارية وهو ما يتيح للجهة المستعمرة المجال لتنفيذ أجنداتها بكل هدوء وبدون أن تتعرض لإزعاج من قبل أصحاب الأرض المستعمرين بسبب انشغالهم في الاقتتال فيما بينهم، غير أن هناك خصوصية خطيرة جداً للصراع المناطقي تتمثل في أنه يخلق حالة عداء دائم وأحقاد وعنف متصاعد على أساس مناطقي لا تحتاج معه الجهة الخارجية الاستعمارية التي تفرض سيطرتها العسكرية على الأرض إلى استمرار إشعاله في كل مرة وإنفاق الأموال وصرف الأسلحة بين الأطراف المتقاتلة بل تكتفي فقط بتغذية وتجديدة وهذا يسمح للمحتل بإدارة وهندسة صراع داخلي مستمر بأقل التكاليف، وفي بعض الأحيان يحدث أن يخرج الصراع المناطقي عن سيطرة الطرف الذي يغذيه ويتحكم به، وهو ما بدأت مؤشراته تلوح في الأفق فيما يخص قضية اختطاف المقدم علي عشال من قبل قوات الانتقالي التابعة للإمارات.
تساؤلات تتكشف بعد قضية عشال
ومن خلال قضية المقدم عشال تكشفت العديد من الأسئلة واتضحت العديد من الأمور التي كانت مخفية فيما يتعلق بالوضع السياسي والعسكري التي يعيشها جنوب اليمن في ظل تعدد الأطراف المسلحة المحلية المتعددة الولاءات والتبعية وفي ظل تقاسم السعودية والإمارات السيطرة والتحكم في جنوب اليمن عبر أدوات محلية وبشكل مباشر أيضاً، ومن أبرز هذه التساؤلات نستعرض ما يلي:
من يحكم الجنوب: أثبتت قضية اختطاف عشال ومن ثم نشوء الصراع بين قبائل أبين والمجلس الانتقالي الجنوبي، أن المحافظات الجنوبية لا يوجد فيها طرف بحد ذاته يفرض سيطرته وهيبته وهيمنته عليها من الأطراف المحلية فالسلطة في الجنوب عبارة عن تكتلات مسلحة تمثلها شخصية معينة يتم اختيارها أو اصطناعها من قبل الطرف الخارجي الممول لهذا التكتل وفي حالة جنوب اليمن فإن الشخصيات الممثلة للتكتلات المسلحة جنوب اليمن عبارة عن أشخاص مختارين من قبل السعودية والإمارات وبالتالي فإن سلطة هذه الشخصيات تتوقف عند حدود يرسمها لها إما السعودي أو الإمارات، والدليل على ذلك هو أن السلطة في الجنوب والمتمثلة بالمجلس القيادي الرئاسي الذي شكلته السعودية برئاسة رشاد العليمي غائبة تماماً عن هذه القضية ولم تصدر أي تعليق وهو ما يشير إلى أن هذا الصراع وهذه الخطوة التي أقدم عليها الانتقالي باختطاف عشال خارج صلاحيات هذا المجلس الشكلي.
كما لم يبرز أي دور للجهات المعنية المفترض أن تكون هي المعنية بالتحقيق وفرض الثواب والعقاب ومنع الجريمة ومحاسبة الجاني في مثل هذه الجرائم وهنا في هذه الحالة هي النيابات والقضاء والنائب العام الذين غابوا جميعهم عن هذه القضية وكأن ما يقوم به الانتقالي لا يخصهم ولا يعنيهم، وهو ما يقدم صورة واضحة تفيد بأن ما يقوم به الانتقالي لا يمكن إيقافه إلا بضوء أخضر من السعودية والسعودية لن تمنح أطرافها المحلية ضوءاً أخضر لمواجهة الانتقالي إلا إذا كانت على خلاف وصدام مع الإمارات حيث يعتبر البلدان جنوب اليمن ساحة صراع وتصفية حسابات بينهما وهذا ما اتسمت به الفترة من 2015 حتى الآن.
تداخل مهام الأدوات المحلية:
من أهم ما كشفته القضية المثارة حالياً بين قبائل أبين والانتقالي، هو وجود تداخل في مهام أطراف التحالف السعودي الإماراتي، فالمجلس الانتقالي المتهم الأول في اختطاف عشال، يبدو أنه لا يعمل بمفرده في تنفيذ وتمرير أهداف واستراتيجيات الإمارات، بل يشترك معه أيضاً جناح عفاش (المؤتمر الشعبي العام التابع للإمارات بقيادة طارق صالح وشقيقه عمار).
وعمار عفاش خلال الفترة من 2017 حتى الآن عمل لصالح الإماراتيين في الساحل الغربي وفي الجنوب وكانت مهامه تتلخص في ما أبدع فيه خلال فترة حكم عمه علي عبدالله صالح وهي إدارة التنظيمات الإرهابية وتوجيهها وتحريكها إضافة إلى التصفيات الجسدية للشخصيات المعارضة المزعجة للتحالف السعودي الإماراتي، ولأن قضية علي عشال لم تنتهي بمجرد الاختطاف والإخفاء القسري فقط وتطور الأمر إلى التصفية الجسدية كما هو واضح حتى الآن فإن أصابع الاتهام تتجه مباشرة نحو عمار عفاش الذي يملك رصيداً كبيراً وطاقماً مخصصاً لتنفيذ مثل هذه الأعمال وهو ما يضعنا أمام دور واضح لعمار عفاش في تصفية شخصيات جنوبية قبلية وإذا ما كان عشال لا يزال على قيد الحياة فالأرجح أنه ومع عجز الانتقالي عن إعادة إطلاقه أن يكون الرجل قد تم تسليمه لعمار عفاش ويقبع حالياً في سجون الإمارات في الساحل الغربي وهو ما يجعل قضية عشال قد خرجت عن سيطرة المجلس الانتقالي الذي يبدو عاجزاً عن التعاطي مع هذه الكارثة التي يواجهها ولم يكن يحسب لها أي حساب معتقداً أنها ستمر كمئات الجرائم السابقة التي لم تجد من يقف بوجه الانتقالي لردعه وإيقافه عند حده.