التحركات الأمريكية والسعودية تفتح ملف الصراع المستتر في اليمن ودور التنظيمات الإرهابية
الجنوب اليوم | تقرير
تتزايد الأدلة على أن العمليات التي تجري حالياً في جنوب اليمن، وخصوصاً في محافظة أبين، تأتي في إطار خطة سعودية تستهدف استنزاف قوات “الانتقالي”، المدعومة من الإمارات، كجزء من الصراع السعودي الإماراتي القائم على المصالح والنفوذ في جنوب اليمن.
عمليات “رياح الشرق”، التي تورط فيها “الانتقالي”، هي جزء من هذه الخطة السعودية، حيث تبدو هذه العمليات مدفوعة برغبة سعودية في إنهاك المليشيات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وإجبارها على مواجهة مستمرة مع تنظيم القاعدة في تلك المناطق. لكن بعيداً عن الصراع السعودي الإماراتي، تبرز بشكل واضح التحركات الأمريكية المتزايدة في اليمن، وتحديداً في وادي حضرموت ومحافظات شبوة ومأرب، حيث تلعب الولايات المتحدة دوراً رئيسياً في التلاعب بالتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة.
الدور الأمريكي في تحركات القاعدة
يظهر بوضوح أن التحركات الأمريكية في اليمن تتركز بشكل خاص على رعاية تنظيم القاعدة في وادي حضرموت، حيث تُنفذ واشنطن عمليات جوية تستهدف التنظيم في مناطق محددة كشبوة ومأرب. هذا التركيز على بعض المناطق دون الأخرى يثير العديد من التساؤلات حول النوايا الحقيقية للولايات المتحدة.
ومن الملاحظ أنه رغم التواجد الواضح لتنظيم القاعدة في محافظة أبين، إلا أن الطائرات الأمريكية بدون طيار لم تُنفذ أي هجمات جوية تُذكر ضد التنظيم في تلك المناطق. هذا التناقض في التحركات الأمريكية يعزز الافتراض بأن واشنطن تستفيد من وجود التنظيمات الإرهابية في بعض المناطق لتحقيق أهداف استراتيجية أكبر، بما في ذلك مبررات لتواجد قواتها العسكرية على الأرض وإنشاء قواعد دائمة.
علاقة واشنطن بالإرهاب وتنظيم القاعدة
تحركات الولايات المتحدة الأخيرة تؤكد الشكوك القديمة حول علاقتها بالتنظيمات الإرهابية في المنطقة. فمن المعروف أن واشنطن أعادت مؤخراً 27 عنصراً من تنظيم القاعدة كانوا محتجزين في معتقل غوانتانامو، وذلك عبر سلطنة عمان. هؤلاء العناصر كانوا قد تم توطينهم في عمان قبل خمس سنوات بعد إغلاق غوانتانامو، وعملية إعادتهم إلى اليمن تعكس بوضوح العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة والتنظيمات الإرهابية.
هذا التحرك الأمريكي يعزز الاتهامات بأنها تستخدم تلك التنظيمات كأداة لتحقيق مصالحها في المنطقة، بما في ذلك توفير غطاء لتواجد قواتها العسكرية وإنشاء قواعد جديدة تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”. من بين هذه القواعد، المركز الإقليمي لمكافحة الإرهاب الذي يقع في المنطقة العسكرية الثانية في المكلا، والذي يُستخدم كمقر رئيسي للعمليات الأمريكية في اليمن.
الصراع في أبين: من المستفيد؟
الصراع الجاري في محافظة أبين بين قوات “الانتقالي” وتنظيم القاعدة لا يمكن فهمه بمعزل عن هذا السياق الإقليمي والدولي المعقد. السعودية والإمارات، الدولتان اللتان تقودان التحالف العسكري في اليمن، تبدوان على طرفي نقيض في هذه المعركة. ففي حين تدعم الإمارات قوات “الانتقالي” لتعزيز نفوذها في الجنوب، تسعى السعودية إلى تحجيم هذا النفوذ من خلال استنزاف تلك القوات في معارك مستمرة مع القاعدة.
لكن الدور الأمريكي هنا يظل الأكثر غموضاً وإثارة للشكوك. التحركات الأمريكية في مناطق معينة، وخصوصاً في حضرموت وشبوة ومأرب، مع تجاهل مناطق مثل أبين، يشير إلى أن واشنطن تلعب لعبة مزدوجة. فهي من جهة تستغل التنظيمات الإرهابية كمبرر لتواجدها العسكري، ومن جهة أخرى تسعى إلى استخدام هذه التنظيمات كأداة للضغط على الفصائل المحلية والدول المتنافسة في المنطقة.
لعبة قوى دولية
ما يحدث في أبين لا يمكن اعتباره صراعاً محلياً بحتاً بين “الانتقالي” وتنظيم القاعدة. بل هو جزء من لعبة أكبر تلعبها القوى الدولية والإقليمية في اليمن. السعودية تسعى لاستنزاف قوات “الانتقالي” ضمن صراعها مع الإمارات على النفوذ في الجنوب، في حين تستغل الولايات المتحدة هذه الفوضى لتعزيز تواجدها العسكري وضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، مستخدمة التنظيمات الإرهابية كأداة لتحقيق ذلك.
في النهاية، الشعب اليمني في مناطق سيطرة التحالف السعودي الإماراتي هو الخاسر الأكبر في هذا الصراع المعقد، حيث تُستخدم أراضيه كمساحة لتصفية الحسابات الدولية، بينما يستمر الإرهاب والتدخلات الخارجية في تأجيج الوضع وإطالة أمد الحرب.