بعد حضرموت… السعودية تتمدّد إلى المهرة
الجنوب اليوم | صحافة
في الوقت الذي دخلت فيه موجة الاحتجاجات الشعبية في عدن وعدّة مدن في جنوب اليمن أسبوعها الثاني، من دون استجابة لمطالب المحتجّين بتحسين الخدمات ووقف انهيار العملة المحلية، دفعت السعودية بعدد كبير من الآليات العسكرية إلى محافظة المهرة شرق البلاد على الحدود مع سلطنة عمان، مستخدمة “قوات درع الوطن ” السلفية الموالية لها، لإحكام السيطرة على البوابة الشرقية لليمن. وأكدت مصادر محلية في مدينة الغيضة، لـ”الأخبار”، دخول قوات كبيرة مكوّنة من آليات مدرعة ومعدات لوجستية متطوّرة إلى المدينة ومحيطها، وانتشار عشرات الأطقم العسكرية في مناطق واسعة من سواحل المهرة، وسط رفض قبائل المحافظة لذلك. وأشارت المصادر إلى أن معظم منتسبي القوات التي جرى تدريبها في معسكرات تابعة للسعودية في منطقة العبر الواقعة في نطاق محافظة حضرموت، لا ينتمون إلى المهرة، خلافاً لمزاعم قيادة تلك القوات.
ولفتت إلى أن السعودية حوّلت مركز “دار الحديث” التابع للشيخ السلفي يحيى الحجوري، والذي موّلت إنشاءه في المحافظة، إلى مركز استقطاب للآلاف من العناصر السلفية المتشددة، والذين تولّى مستشارون أميركيون وفرنسيون وسعوديون تدريبهم. واعتبرت إدخال ميليشيات سلفية إلى المحافظة تحدّياً واضحاً لقبائل المهرة، والتي سبق أن حذّرت الرياض من مغبة إقحامها في الصراعات وتحويل مناطقها إلى بؤرة للتطرف.
ويتزامن الحراك السعودي في المهرة مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بوقف انهيار الخدمات العامة، على رأسها الكهرباء، وكذلك وقف مسلسل انهيار سعر صرف العملة في عدد من المحافظات الجنوبية، وهو ما عدّه مراقبون استغلالاً سعودياً واضحاً للوضع في تلك المحافظات للعمل على استكمال السيطرة على المناطق الشرقية لليمن، ولا سيما أن الرياض مارست ضغوطاً سياسية على “المجلس الرئاسي” لمنح حضرموت حق الإدارة الذاتية الكاملة، كخطوة في إطار مشروع السعودية الهادف إلى إقرار استقلال حضرموت.
وعلى رغم نجاح المملكة في منح القبائل الحضرمية حق تشكيل ميليشيات عسكرية والدفع بقوات “درع الوطن” إلى المحافظة، مقابل إضعاف نفوذ “المجلس الانتقالي الجنوبي” الموالي للإمارات، إلا أن المخطط السعودي في هذه المحافظة النفطية، الواقعة على حدود المملكة، لن يكتب له النجاح من دون ضمّ المهرة إلى حضرموت، والسيطرة الكاملة على الأولى كونها تقع خلف الأخيرة، ولا تزال ترفض كل المخططات الإماراتية والسعودية.
وقامت السعودية بفرض وجود عسكري ونشر قواتها البرية في 12 منطقة في المحافظة الواقعة على البحر العربي منذ عام 2017، وسيطرت على مطار الغيضة الذي تستخدمه كقاعدة عسكرية تحتوي على غرف عمليات، سبق أن أدارتها قوات بريطانية وأميركية، وكذلك على سواحل المحافظة، ووضعت ميناء نشطون التابع لها تحت سيطرة القوات البحرية السعودية منذ منتصف عام 2020. كذلك تقوم الرياض بتسيير دوريات خفر سواحل المهرة، بعدما أنشأت أبراج مراقبة بحرية ومنعت الصيد فيها.
المخطّط السعودي في حضرموت لن ينجح من دون السيطرة على المهرة
وأعادت التحركات السعودية الحديث عن تطلعات المملكة إلى إنشاء أنبوب نفطي دولي إلى البحر العربي، ضمن مساعيها لامتلاك خط بديل لطرق صادرات النفط عبر مضيق هرمز الذي تتحكّم به إيران. ووفقاً لأكثر من مصدر عامل في مجال الصيد في المهرة، فإن القوات السعودية حوّلت مساحة واسعة بالقرب من ميناء نشطون إلى منطقة عسكرية، في إطار ترتيبات لإنشاء ميناء خاص بتصدير النفط السعودي عبر البحر العربي.
وأقامت السلطات السعودية، خلال السنوات الماضية، علامات اسمنتية في منطقة طوف شحر، امتدت نحو 30 كيلومتراً، تمهيداً لإنشاء أنبوب نفط في اتجاه جنوب شرق منطقة الخراخير التي كانت يمنية حتى قبل سنوات. ويمتد مخطط الأنبوب أيضاً إلى منطقة قطوع، وصولاً إلى ميناء قشن الذي تطمح الرياض إلى تحويله إلى ميناء لتصدير النفط السعودي عبر البحر العربي، إلا أن هذا المخطط قوبل برفض شعبي واسع قادته “لجنة اعتصام المهرة” وقبائل المهرة الرافضة لأي استحداثات سعودية في أراضيها.
ودفع موقف قبائل المهرة بالمملكة إلى تنفيذ حملات اختراق واسعة، تمثّلت بمنح الموالين لها في المهرة جنسيات سعودية مع امتيازات مالية، وكذلك استقطاب العديد من زعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية. وفيما دفعت السعودية بزعماء موالين لها إلى الخروج لاستقبال “قوات درع الوطن” واعتبارها صمام أمان للمحافظة، جدّدت القبائل رفضها للتحركات السعودية. وقال مصدر قبلي في المحافظة، لـ”الأخبار”، إن “دفع السعودية بقوات موالية لها إلى المحافظة هو تحدٍّ واضح للإرادة الشعبية سيكون له ما بعده”، مشيراً إلى أن “السعودية لا تستطيع تنفيذ مخطّطات من دون إقحام المحافظات في الصراعات وإرباك المجتمعات”، وأن “قوات درع الوطن” ميليشيات غير رسمية تعمل خارج إطار مؤسسات الدولة، وهي أداة سعودية مكشوفة تستخدمها المملكة لتعزيز نفوذها في مختلف المحافظات اليمنية.
وجاء التحرك السعودي في المهرة وسط استمرار المفاوضات بين أطراف من “مجلس حضرموت الوطني” المشكّل من قبل الرياض، و”المجلس الرئاسي”، بشأن إصدار قرار يقضي بمنح أبناء المحافظة حق الإدارة الكاملة لها. وفي هذا الشأن، ذكرت مصادر مقرّبة من الحكومة في عدن،أن “الرئاسي” يواجه ضغوطاً سعودية منذ أيام لحسم ملف طلب أبناء حضرموت حكماً ذاتياً للمحافظة. يأتي ذلك فيما تواصل السعودية دعم وتمويل وتدريب قوات حضرمية قوامها 25 ألف مجنّد، فضلاً عن قيام تشكيلات تابعة لقبائل حضرموت الموالية للمملكة بمنع خروج أيّ كميات من النفط الخام من حقول المحافظة لتزويد محطات كهرباء عدن بالوقود، واشتراط شراء النفط الخام منها بالأسعار العالمية، باعتبار نفط حضرموت ملكاً لها.
يشار إلى أن المخطط السعودي في شأن حضرموت بدأ تنفيذه قبل سنوات، وتم الكشف عن نشيد وطني ونظام إدارة وحكم، واعتماد يوم وطني للمحافظة، بالتوازي مع تنفيذ حملات إعلامية تنفي أيّ صلة لحضرموت باليمن، وتشدّد على هويّتها كدولة تاريخية.
جريدة الإخبار