منبر كل الاحرار

مالذي يجري في حضرموت.. صراع نفوذ أم تصادم مصالح

الجنوب اليوم | خاص

احتدم التوتر بين المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت وحلف قبائل حضرموت خلال اليومين الماضيين إلى أعلى مستوياته، على خلفية قيام المجلس الانتقالي الموالي للإمارات بتحويل ذكرى خروج القاعدة من مدينة المكلا في ٢٤ أبريل ٢٠١٦ إلى مناسبة لاستعراض القوة وفرض النفوذ في مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، يضاف إلى ذلك اعتبار هذه الذكرى مناسبة لتوجيه رسائل نارية لحلف قبائل حضرموت الموالي للسعودية.

 

وفي الوقت الذي يرى مراقبون أن مشروع حلف قبائل حضرموت الذي يطالب بحكم ذاتي في المحافظة ويتحكم بالملف النفطي ويسعى لتشكيل فصائل مسلحة تابعة له بتمويل سعودي، يعتبر الانتقالي تلك الخطوة مؤامرة تهدف إلى تقويض مشروع الانفصال وتفتيت وحدة الجنوب، ويسعى لإفشالها كونها تهدد مشروع استعادة الدولة الذي يرفعه بدعم إماراتي منذ سنوات.

 

ووسط احتدام الصراع بين الموالين للسعودية وللإمارات في حضرموت، تضع أمريكا حضرموت في قائمة اهتمامها محاولة تحويل المحافظة إلى منطقة نفوذ لها وإنشاء قواعد عسكرية في سواحلها. وفي ظل تصاعد الأجندات السعودية والإماراتية في حضرموت وتحويلها من محافظة آمنة إلى محافظة غير مستقرة، يبقى المخطط السعودي الأخطر، خاصة وأن السعودية تسعى منذ ٦٠ عاماً لفرض توسعها في حضرموت، وتبقى المشاريع الأخرى خطراً يتهدد وحدة اليمن برعاية حكومة عدن ومجلسها الرئاسي الذي لن يمانع من منح حضرموت الحكم الذاتي تلبية لتوجيهات سعودية.

 

 البدايات  

منذ بدء العدوان على اليمن، حرصت الرياض على إبقاء حضرموت (الوادي والصحراء) بعيدة عن الصراع، لإدراكها أن القوات الموجودة هناك موالية لها، وأن لا صعوبات بالنسبة إليها في نشر أي قوات عسكرية لها هناك، على عكس المهرة التي ترفض ذلك الوجود وتصفه بالاحتلال. ومع اتساع نطاق تحركات «المجلس الانتقالي الجنوبي»، وتوعده بالسيطرة على الوادي والصحراء خلال العامين الماضيين، أثار حفيظة الرياض التي دفعت نحو إبقاء حضرموت تحت وصايتها، إلى جانب قيامها بإحياء عدة مشاريع مناطقية قديمة.

 

مطامع سعودية قديمة  

في الستينيات، حاولت السعودية أن تضع يدها على محافظتَي حضرموت والمهرة بموجب اتفاق رعته بريطانيا في الثالث من أيار/مايو من العام ١٩٦٥، وتم توقيعه بين ممثل الحكومة السعودية وممثل السلطنة القعيطية في الجنوب، بناءً على طلب المملكة السعي في إقامة الاتحاد الشرقي بين كلّ من السلطنات القعيطية والكثيرية والمهرية، مقابل قيام الحكومة البريطانية بمنح الاتحاد الشرقي الاستقلال الفوري. ونص الاتفاق، وفق الوثائق التاريخية، على أن يراعي الاتحاد الشرقي المصالح البريطانية في الاتحاد المزمع، وأن يدمج الاتحاد الشرقي في اتحاد كونفدرالي مع الحكومة السعودية.

 

وكشفت تحركات المملكة في حضرموت أنها تحاول العودة إلى تحقيق تلك الأجندات التي تعود إلى مطلع ستينيات القرن الماضي. فقد سبق للسعودية إلحاق منطقة ثمود النفطية بأراضيها، بعد أن أثبتت شركة «بان أميركان» عام ١٩٦١ وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، وهو الأمر الذي أثار رغبة السعودية في ضم المديرية إليها ودفعها إلى اختلاق خلافات مع اليمن حينذاك. وعلى إثرها توقفت الشركة، إلا أن الرياض لم تتوقف عن محاولات ضم المديرية وإلحاقها بها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية.

 

ووفقاً للمصادر التاريخية، فقد أوعزت الرياض إلى أحد تجار حضرموت الحاملين الجنسية السعودية، ويدعى أحمد سعيد بقشان، بالقيام بعملية شراء أراض واسعة في ثمود. وبعد ذلك، حاولت الرياض فصل منطقة ثمود عن حضرموت وضمها إليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها «الجبهة القومية» عام ١٩٦٧. ولكن على مدى العقود الماضية، وقفت السعودية عبر أياديها المختلفة أمام عدم استخراج الثروة النفطية في ثمود، كما سبق لها أن أوقفت أعمال التنقيب عن النفط في الشريط الحدودي بين شرورة وحضرموت طيلة العقود الماضية، وها هي اليوم تعود إلى حضرموت تحت ذريعة إعادة «الشرعية».

 

لذلك، يرى مراقبون أن السعودية قد تمكّن حكومة موالية لها من ممارسة دور شكلي في إدارة محافظات عدن وأبين وشبوة والضالع ولحج، ولكنها ستنفرد بالملفات في حضرموت والمهرة. ويتوقع مراقبون أن تستكمل الرياض استقطاب القيادات الاجتماعية في صحراء حضرموت. فالرياض سبق لها مطلع العام ٢٠١٥ أن جسّت نبض الشارع الحضرمي، من خلال توجيه عشرات المشايخ الموالين لها، والذين منحتهم جنسيات سعودية، نحو توقيع وثيقة تطالب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بضمّ أراضي حضرموت لتصبح ملكاً من أملاك السعودية.

 

تلك الوثيقة التي تعمّدت الرياض تسريبها لمعرفة ردود الفعل الحضرمية، تبنّاها الشيخ صالح بن سعيد بن عبد الله بن شيبان التميمي، الذي يدّعي تمثيل مشايخ وأعيان قبائل حضرموت، ويُعدّ من المشايخ الأكثر ولاءً للرياض.

 

وأثارت الوثيقة التي حملت تواقيع قرابة ٦٠ شيخاً ينحدرون من حضرموت ويعيش معظمهم منذ سنوات طويلة في السعودية، ردود فعل متباينة وغاضبة بين أبناء حضرموت، وكشفت حينها عن وجود مشاريع أخرى كامنة، كتأسيس «دولة حضرموت» وضمها إلى دول الخليج.

 

العام الماضي، وعشية الذكرى الـ٥٦ لعيد الاستقلال في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧، أعلنت السعودية استكمال تأسيس أول هيئة عليا سياسية لدولة حضرموت. وكرسالة واضحة بأن الرياض تسعى لتنفيذ مشروع تقسيم اليمن إلى دويلات، أُعلن في العاصمة السعودية الرياض تشكيل قوام وهيئات مجلس حضرموت الوطني، وضم الإعلان أسماء أكثر من ٢٣ شخصية قيادية من جميع أبناء مديريات محافظة حضرموت، على أن يتم الإعلان لاحقاً عن قوام قيادة محلية وقدرها ٣٥٠ من عموم حضرموت.

 

وأُشهر في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في الرياض المجلسُ شعاره السياسي، والذي اختزل من علم دولة حضرموت الذي يرفعه المطالبون بانفصال حضرموت عن جنوب اليمن وشماله. وتتمثل خطورة التحرك السياسي الأخير بأنه يأتي في إطار تحركات سياسية هادفة لاستقلال القرار الحضرمي في خطوات سياسية، لاستكمال تشكيل هيئات سياسية بدعم سياسي سعودي وأمريكي واضح.

 

وبدأ تشكيل مجلس حضرموت الوطني قبل ثلاث سنوات، في أعقاب مشاورات سياسية استمرت لأشهر في العاصمة السعودية الرياض.

 

وتحت ذريعة مواجهة مطالب المجلس الانتقالي الجنوبي التابع للإمارات في عدن، سعت الرياض تحت هذا الإيقاع لإنشاء كيانات لدولة جديدة وشكلت هيئة مطالبها الاستقلال، وتدفع نحو انتزاع حضرموت التي تساوي ثلث اليمن مساحةً عن اليمن.

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com